جمال جصاني
النتائج التي تمخضت عنها الدورة الثالثة من الانتخابات النيابية الأخيرة، لم تكن مفاجأة للمتابع الموضوعي، فالمزاج العام واصطفافات القوى ومناخات الاستنفار للدفاع عن حياض «الهويات القاتلة»، لا يمكن ان تفضي لغير هذه الارقام التي اعلنت عنها المفوضية «المستقلة» للانتخابات. وكما توقعنا عشية الانتخابات وقبلها، جاءت التغيرات في النتائج طفيفة ومنسجمة مع المعطيات الواقعية للمشهد السياسي الراهن. ولن يجدي نفعاً كل هذا الصخب والعجاج والشكوى عما نضح عن جوف صناديقها وعمليات العد والفرز لنتائجها النهائية. ما نحتاج اليه هو ان تتحول هذه المحطة الجديدة في شوط البناء الديمقراطي الى نقطة انعطاف في مجال استرداد الأمن والاستقرار، والذي من دونه سنخسر جميعاً فرصة العيش كبقية الامم التي اكرمتها الصناديق وشرعة حقوق الانسان.
ان عملية الانتقال من أحد ابشع التجارب التوتاليتارية في التاريخ الحديث، الى السبيل الديمقراطي في ادارة الدولة والمجتمع ليست بالامر اليسير، ولن تتكامل ملامحها وهويتها الا بعد شوط من الجهد والكفاح لاكتساب الحقوق والحريات المهدورة. طريق مرير ولن يخلو من انعطافات مؤلمة، خاصة ان تجربتنا المحلية حملت معها شروطاً خاصة قذفتنا بكتل وكيانات وزعامات ومشاريع متخمة بالحنين الى مغارات الماضي وفتوحات القرون الوسطى وما قبلها من مآثر الاسلاف.
النتائج الحالية لم تجنِ على أحد، كما انها ليست بنت اللحظة التي وضع فيها الملايين من الذين يحق لهم التصويت ورقة اقتراعهم داخل الصناديق، بل جاءت كتتويج لذلك المسار الذي اختارته اطراف العملية السياسية بشتى اشكالها وتوجهاتها منذ اللحظة التي اعلنت فيها نتائج الدورة الثانية من الانتخابات البرلمانية عام 2010، وهي بالرغم من ترميمها لهيمنة الكتل والجماعات المسيطرة على المشهد السياسي مرة اخرى، الا اننا لا يمكن ان ننكر حجم التغيير الذي حملته في حجبها لثقتها عن غير القليل من «نجوم» الدورات النيابية السابقة.
ان الطريق للدورة البرلمانية الرابعة والجولات المقبلة من التنافس بين المشاريع والبرامج والرؤى المختلفة اصبح سالكاً لكل القوى الجادة والمؤمنة بقيم وروح الديمقراطية والتعددية وبقية المنظومة التي اهدت سلالات بني آدم كل هذه الفتوحات المادية والقيمية. وبمقدورنا ان نقلص من حجم الهدر والاستنزاف الذي رافقنا في الدورات السابقة. ان تشبثنا بشيء من الشجاعة والمسؤولية والحكمة في التعاطي مع دروس وعبر الجولة الأخيرة من الانتخابات.