مذلون مهانون 2/2

 علي عبد العال

يتفاخر بعض العراقيين بالمهانة والذّلة عند خدمتهم الأسياد في هذه الأوقات، وينافس بعضهم البعض في هذا المستنقع الهلامي من الضحالة كأبطال ضائعين بين الواقع أو الهلام. أبطال أغرار تائهون؛ ذلك ما يمكن لنا وصف صنف من المثقفين العراقيين ما بين المرحلتين الديكتاتورية الصدامية والديمقراطية الحديثة. هذا الوضع السياسي الجديد يفوق بدرجات كبيرة مستوى تفكير بعض المثقفين المغشوشين من الفاعلين بالميدان، بالأحرى المهرجان المفتوح، فما بالك بالمواطن العراقي الاعتيادي، فاقد الأسلحة الفكرية والحضارية عبر أربعة عقود من أزمان الحروب والتجهيل والقتل والتهجير والنفي؟

صنعتْ الديكتاتورية البعثية صنفا من المثقفين العراقيين الأكثر وحشية من الديكتاتورية ذاتها، جريا على القول المأثور «ملكيون أكثر من الملك». هذا يتعلق على المستوى الفكري والصحفي المباشر، إما على صعيد التطبيق العملي فإن الأمور سوف تزداد سوءً في جميع المعايير الاجتماعية والسياسية السائدة في البلاد في الظررف الراهن.

يتحف المشهد الثقافي العراقي الكثير من المثقفين العراقيين بمواقف تثير الدهشة والغرابة، ولا نقل الإستهجان. منهم رعيل أمتهن التطبيل والتزمير للنظام السابق وهم ينقلبون اليوم ضد ماضيهم القريب بشراسة تفوق معنى الإذلال الطوعي. وليس لنا في هذا السلوك الفردي الطوعي دخلا سوى التقييم والرصد وتصنيف المواقف إرشيفيا، حتى لو كان الأرشيف غير محترم في هذه الظروف. لكن من المحتم أن يأتي دوره يوما ما كما يثيره بعض الناشطين من دون توثيق. «ماكو شي يضيع بالتاريخ».

يقولون إنه «أكل عيش يا بيه» على حد تعبير الأخوة المصريين الذين يبررون المهانة بأجمل التعابير بحيث تبدو المهانة الوطنية أجمل من الشعور الوطني ذاته.

يقبل المواطن العراقي الذل والمهانة ببيع كرامته بأبخس الأثمان؛ وما هي كرامته غير شقاء عرقه وتوفير رغيف الخبز النظيف في البيت؟ لكن البعض من السقطة من يفتخر بالمذلة والمهانة ويطيب له التذلل، بل ويعتبر المذلة طريقا للصعود والفخر كما يفتخر الخادم عندما بصق عليه الشيخ صّلال بصقة تليق بضعة هذا المخلوق المتملق، الذي أحتفظ ببصقة الشيخ صلال وهو يخبر الرائح والجاي: «تفل عليّ الشيخ صلال».

يفتخر بعض العراقيين الإذلاء بالإهانة كما يفتخرون بالبطولة في الأزمان الغابرة. صارت الإهانة الشعبية عنصرا مميزا ومحببا للسياسيين العراقيين الجدد. لا يشعرون بمستوى الإهانة بقدر ما يعتبرونها دعاية انتخابية ضدهم أو معهم، او غيرة وحسدا من قبل الخصوم. «أشتموه». هذه هي حال ساسة العراق الطارئون الجدد، هم لا يحلمون بالمديح أبدا، لكنهم يرضون بالشتيمة، والشتيمة هي وحدها التي سوف تخلدهم للأبد. سجل التاريخ كبير، وفيه صفحات تتسع لمثل أولئك الساسة الصغار.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة