بعد استقالة حمدوك وتصريحه بانسداد الحوار
الصباح الجديد ـ متابعة:
منذ تنحي رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، عن منصبه، أصبحت الأوضاع في السودان أكثر تعقيدا، ونمت مخاوف من العودة إلى نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الاستبدادي الذي أسقطته ثورة شعبية.
وبعد بيان استقالة حمدوك الذي قال فيه إن المكونات السودانية وصلت إلى نقطة لا تتحاور فيما بينها بسبب الخلاف، وأن طريق الحوار أصبح مسدودا، صار واضحا الآن أن الجيش وحده من يتحكم بالسودان.
وفي الميدان المتلهب، قتل حتى الآن 57 متظاهرا مؤيدا للديمقراطية والحكم المدني، بحسب لجنة الأطباء المركزية المؤيدة للديموقراطية، وتعرضت متظاهرات للاغتصاب وفقا للأمم المتحدة، وتعرض صحفيون للضرب وحتى التوقيف، وصارت خدمة الإنترنت والاتصالات متقطعة.
ويمنح قانون الطوارئ الذي يحكم البلاد، والذي فعل بمرسوم أصدره قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قوات الأمن حصانة من العقاب.
وخلال لقاء، امس الاول الاثنين، جمع البرهان مع ضباط من الجيش وقوات الدعم السريع، أكد رئيس مجلس السيادة “على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة ذات مهام محددة يتوافق عليها جميع السودانيين”.
لكن البرهان نفسه قام بانقلاب في 25 أكتوبر الماضي، أبقى فيه رئيس الوزراء حمدوك لفترة تحت الإقامة الجبرية، وبقي “مشلولا” حتى حينما عاد لمنصبه بعد شهر تقريبا وفق اتفاق ووجه برفض شعبي كبير وتظاهرات.
ونقلت فرانس برس عن الباحث في مركز ريفت فالي، مجدي الجيزولي، قوله إن “البرهان ظل مشلولا وغير قادر على إنجاز أي شيء” بعد العودة لمنصبه، مما دفعه إلى الاستقالة.
سقوط “الواجهة”
ويقول الجيزولي للوكالة إن “العسكريين هم وحدهم الآن في القيادة” من جهة، ويقابلهم على الجهة الأخرى المتظاهرون الذين سيستمرون في النزول إلى الشارع، وسيواجهون المزيد من العنف”.
ويرى الباحث “أنها مواجهة مفتوحة بين القوات الأمنية والنظام السابق من جهة، لكن هذه المرة من دون البشير، ومن جهة أخرى حركة بلا زعيم في الشارع قوامها النشطاء الشباب”.
والبشير الذي يحاكم في قضايا مختلفة، قابع في السجن منذ إطاحته. لكن العديد من الشخصيات في نظامه ما زالوا في السلطة، ومن بينهم الفريق أول البرهان، قائد الجيش في عهده.
وأكد البرهان في بيان نشره المتحدث باسم القوات المسلحة على “ضرورة العمل على تحقيق مهام الفترة الانتقالية.. وقيام الانتخابات”، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب “البعد عن المصالح الحزبية الضيقة”.
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، رأس الحربة في الانتفاضة ضد البشير في 2018-2019 وضد العسكر منذ 25 أكتوبر، إلى تظاهرات جديدة الثلاثاء.
وغرّدت خلود خير، المتخصصة في الشؤون السودانية في مؤسسة “إنسايت ستراتيجي بارتنرز”، بأن “استقالة حمدوك تحرم الجنرالات من واجهتهم وتظهر بوضوح أن الانقلاب ليس إلا عودة إلى سياسة البشير العسكرية-الإسلامية”.
وفي 25 أكتوبر، مدد البرهان فترة ولايته لمدة عامين، ما أدى إلى سقوط أي احتمال لنقل السلطة إلى المدنيين قبل نهاية الفترة الانتقالية التي وعد بأن تتم في يوليو 2023 من خلال انتخابات.
وبعد شهرين، سمح للقوات الأمنية من خلال “مرسوم طوارئ”، “بدخول أي مبنى وتفتيشه وتفتيش الأشخاص الموجودين فيه” و”القيام بعمليات مراقبة ومصادرة”.
وتم السماح بذلك من خلال الاكتفاء بإبلاغ مجلس السيادة الذي يترأسه البرهان نفسه، مع تجاهل القضاء.
بالإضافة إلى ذلك، يحظى عناصر الأجهزة الأمنية، الجيش والشرطة والاستخبارات وقوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات في إقليم دارفور في غرب السودان، بحصانة ولا يمكن استجوابهم.
وقال الطاهر أبو هاجة، وهو مستشار للفريق أول البرهان، إن هذه الترتيبات “طبيعية نظرا إلى الظروف الحالية”، مؤكدا أن “بعض الأطراف تستغل أجواء الحرية لإثارة الفوضى”.
لكن بالنسبة إلى المعارضين، الذين قتل منهم العشرات، بالإضافة إلى أعداد غير معروفة تعرضت للاعتقال والتوقيف، فإن قانون الطوارئ يعزز القمع في بلد لم يشهد منذ استقلاله قبل 65 عاما، سوى بضع سنوات خارج الحكم العسكري.
ردود فعل
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنه “أحيط علما” باستقالة حمدوك وإنه “يأسف لعدم التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن المضي قدما رغم خطورة الوضع”.
من جهتها، دعت الولايات المتحدة “القادة السودانيين إلى تنحية خلافاتهم جانبا من أجل ضمان استمرار السلطة المدنية”، فيما قالت بريطانيا إنها “حزينة جدا” لرحيل حمدوك الذي أشادت به فرنسا.
وصرح مساعد المتحدث باسم الخارجية الفرنسية أن “فرنسا تشيد بعمل (حمدوك) لصالح الانتقال الديموقراطي في السودان والذي أتاح الشروع في إصلاحات حاسمة يجب أن تستمر”.
وأضاف أن فرنسا تدعو “الى إعادة تشكيل مؤسسات انتقالية تمثل التطلعات الديموقراطية للشعب السوداني … وتعيين حكومة تمثيلية ذات مصداقية سيتيح تلبية هذه التطلعات وتهدئة الأجواء السياسية وقيادة السودان نحو تنظيم انتخابات 2023”.
وقال موقع فورين بوليسي الأميركي إن “السودان اعتبر نموذجا للأمل وسط اليأس العالمي والتراجع في الديمقراطية، بعد نجاح ثورة 2019 في الإطاحة بنظام البشير ، الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام في عام 2009 بسبب حكمه. دور في الفظائع في دارفور”.
ويقول الموقع إن “الدعم الدولي، فقط، هو من يمكن أن يبقي التحول الديمقراطي في البلاد على المسار الصحيح”.
وكتب مكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأميركية في تغريدة على تويتر قال فيها إنه “بعد استقالة رئيس الوزراء حمدوك، على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، وإيجاد توافق في الآراء، وضمان استمرار الحكم المدني”.
وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن أي تعيينات جديدة يجب أن تتبع اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل له في عام 2019.
وكان حمدوك شريكا مهما للدول الأجنبية في الوقت الذي يسعى فيه السودان إلى الخروج من عقود من العزلة والعقوبات في عهد البشير وإنهاء أزمة اقتصادية، بدعم غربي.
كما أعرب الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرثز، عن أسفه لقرار حمدوك، مضيفا أن الأزمة تخاطر بعرقلة التقدم المحرز منذ الانتفاضة التي ساعدت على الإطاحة بالبشير.
وأضاف بيان الوزارة أنه “يجب تعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء المقبلين في السودان بما يتماشى مع الإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة”.
وحذر، جون برندرغاست، من مركز “ذي سنتري” للبحوث، في حديث لفرانس برس من أنه “كلما انتظر الأميركيون والأوروبيون لإعلان عقوبات على أفعال الجنرالات، ازدادت قدرة هؤلاء على تعزيز سلطتهم الاقتصادية والسياسية على حساب السودانيين”.