سيزار غافيريا
بوغوتا ـ تتغير الإدارات الأمريكية بصورة منتظمة، لكن استراتيجية مكافحة المخدرات القمعية التي تنتهجها أمريكا لا تزال ثابتة. فمنذ أن أعلن الرئيس، ريتشارد نيكسون، “الحرب على المخدرات” في عام 1971، والعالم يأمل في حدوث تغيير في سياسة مكافحة المخدرات الأمريكية كلما تولت إدارة جديدة السلطة. فهل ستتخلى إدارة الرئيس، جو بايدن، أخيرًا عن النهج الذي جربه أسلافه وباء بالفشل؟
في الخمسين عاما التي مرت منذ شن تلك الحرب، نادرًا ما تهربت عصابات تهريب المخدرات من خوض غمارها، حيث لجأت إلى القتل، والخطف، وتحدي وكالات إنفاذ القانون بعنف. وفي غضون ذلك، استخدم صانعو السياسة الموارد والأساليب العسكرية لمحاربة المنظمات الإجرامية، وأنفقوا مليارات الدولارات على إنفاذ القانون والسجون.
إلا أن كل هذه الجهود ذهبت أدراج الرياح، لأن الطلب على المخدرات غير المشروعة ثابت وقابل للتكيف مع العرض. إذ يرتبط تعاطي المخدرات بظروف الناس أو خياراتهم، لذا فإن تقليص الطلب من خلال الإكراه هو حلم يراودنا فقط. ولم ينجح أي بلد في نصف القرن الماضي في القضاء على سوق المخدرات غير المشروعة من خلال إنفاذ القانون.
ويعرف بلدي، كولومبيا، أكثر من أي بلد آخر، مدى ارتفاع تكلفة الرد العسكري على المخدرات غير المشروعة. ولعقود من الزمان، شجعت الولايات المتحدة بشدة السياسات المضللَة القائمة على الاستئصال وخفض الطلب بصورة قسرية، في جميع أرجاء نصف الكرة الغربي. وقد اهتزت العديد من الأطر المؤسسية في البلدان المجاورة لنا في الصميم بفعل الفساد الإجرامي المتفشي والأضرار الجانبية الناجمة عن عسكرة الأمن المدني.
وما يثير القلق هو أن بلدانًا في غرب إفريقيا (جزء من طريق عالمي رئيسي لتهريب الكوكايين)، وعلى ساحل شرق إفريقيا (جزء من طريق تهريب الهيروين)، تعتمد أساليب مماثلة لمكافحة المخدرات. ويجب ألا تكرر هذه المناطق الأخطاء التي ارتُكبت في الغرب، حيث أدت خيارات السياسة الأمريكية إلى عواقب تشمل تفشي العنف، والإهمال على مستوى الصحة العامة وسيادة القانون. ومن بين المدن ال50 الأكثر عنفًا في العالم، تبرز أمريكا اللاتينية ب42 مدينة.
وعانت كولومبيا من أعمال عنف متعددة الأوجه لعقود من الزمان، بينما كانت تحاول رفع مستويات معيشة سكانها، وإقامة نظام حكم ديمقراطي ومؤسسات ديمقراطية. ويجب أن يفهم العالم من تجربتنا أنه، على عكس الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، لا يوجد أبطال وحيدون تتكلف بمهمة قطع رؤوس المنظمات الإجرامية عبر الوطنية. إذ تتطلب مكافحة الجريمة المنظمة إرادة سياسية وجهودًا هادفة، والأهم من كل هذا، التنسيق بين الدول. إن الحملات القمعية العنيفة على المخدرات غير المشروعة لا توقف العرض، والاتجار، والطلب، من الزيادة المطردة.
وعلى هذه الخلفية، تعطي الإدارة الأمريكية الجديدة الأمل للكثيرين. إذ في برنامج حملتهما الانتخابية، تعهد بايدن ونائبة الرئيس، كامالا هاريس، بإنهاء الحظر الفيدرالي على الماريخوانا، وعدم سجن الأمريكيين لمجرد تعاطيهم للمخدرات.
ولكن بايدن وهاريس لم يتطرقا إلى استخدام أمريكا لمحاكم المخدرات، التي تقرر إجراءات إعادة التأهيل والمراقبة بالنسبة للأشخاص المدمنين على المخدرات. في أي مجال آخر من مجالات الرعاية الصحية يقدم فيها القاضي وصفة علاج لشخص ما بدلا من الطبيب ؟
يمكننا أن نتفق جميعًا على الأخطار التي يشكلها تعاطي المخدرات والاتجار بها على مجتمعاتنا. ولكن يجب أن توفَر برامج طوعية لأولئك الذين يتعاطون المخدرات من أجل الحد من الضرر والعلاج. إذ يحتاج متعاطو المخدرات الإشكاليون إلى علاقة علاجية مع طبيب تكون مبنية على الثقة، وليس حكمًا يُصدره قاضٍ.
لذلك آمل بشدة أن يستخدم المدير القادم لمكتب البيت الأبيض للسياسة الوطنية لمكافحة المخدرات (“قيصر المخدرات” في الولايات المتحدة)، وكذلك وزير الخارجية، أنطوني بلينكين، وقادة الصحة العامة، الخبرة والأدلة المتوفرة لدينا الآن لتعزيز السياسات التي تعالج الإدمان، وتعالج الطبيعة المتعددة الأوجه للمشكلة. ومن الضروري إيجاد أرضية مشتركة للتعاون وإعادة تركيز إنفاذ القانون على النخب الإجرامية.
وهذا يعني، من بين أمور أخرى، السماح للبلدان التي تنتج المخدرات غير المشروعة بتحديد استجابات سياساتها. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تكون قادرة على توجيه جهود إنفاذ القانون نحو النخب الإجرامية العنيفة، بدلاً من التركيز على القضاء على محاصيل مزارعي الكفاف، أو القبض على مستهلكي المخدرات المهمشين.
وقد أعرب الكونغرس الأمريكي، من خلال لجنة سياسة المخدرات في نصف الكرة الغربي، عن وجهات نظر مماثلة. إذ تحتاج سياسة المخدرات الدولية إلى إعادة التأكيد على أهمية إنفاذ القانون وأدوات القانون الصارم ضد زعماء الجماعات الإجرامية والمتاجرين الذين يتسمون بالعنف، وتحويل التركيز إلى تدابير القوة الناعمة لمساعدة الفئات الضعيفة مثل المزارعين التقليديين، و المتعاطون المدمنون.
وتتطلب مكافحة المخدرات الأكثر سلمية وفعالية من حيث التكلفة نهجًا جديدًا يعتمد على التعليم، وبرامج الوقاية، والإحلال الزراعي الطوعي، وتطوير البنية التحتية، والشراكات مع المجتمعات المتضررة. كما يدعو إلى العلاج الشامل، وتقليص الضرر الذي يلحق بمتعاطي المخدرات الإشكاليين، وورش عمل إعلامية للأشخاص الذين يتعاطون المخدرات من وقت لآخر.
وتقول إدارة بايدن أنها ستسترشد بالعلم والأدلة. وحتى الآن، لم ترغب أي إدارة أمريكية في الاعتراف بالعلامات الواضحة على أن الحرب على المخدرات فشلت فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافها. ومن خلال إصلاح سياسة المخدرات الأمريكية على مدى السنوات الأربع المقبلة، يمكن لبايدن أن يرسم مسارًا يبعث على قد أكبر من التفاؤل لنا جميعًا.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
يشغل سيزار غافيريا، الرئيس الأسبق لكولومبيا في الفترة (1990-1994)، والأمين العام لمنظمة الدول الأمريكية في الفترة (1994-2004) ، منصب عضو في اللجنة العالمية لسياسة المخدرات.
حقوق النشر: بروجيكت نديكيت، 2021.