يوسف العتيبة، سامر خوري، فلور حسن – ناحوم، ديفيد ماكوفسكي
اثر تسلم جو بايدن مهامه رئيسا للبيت الأبيض، عقد معهد واشنطن مؤخرا، منتدى سياسيا افتراضيا مع السفير يوسف العتيبة، وسامر خوري، وفلور حسن-ناحوم، وديفيد ماكوفسكي.
والعتيبة، سفير دولة الإمارات في الولايات المتحدة ووزير دولة في الحكومة الإماراتية. وسامر خوري هو الرئيس التنفيذي [للهندسة والإنشاءات في] «شركة اتحاد المقاولين»، أكبر شركة إنشاءات في الشرق الأوسط. وحسن-ناحوم، نائبة رئيس بلدية القدس المسؤولة عن العلاقات الخارجية، والتنمية الاقتصادية الدولية، والسياحة. وديفيد ماكوفسكي هو زميل «زيغلر» المميز في المعهد ومؤلف مذكرته الجديدة «الانتقال لعام 2021» بعنوان «بناء الجسور من أجل السلام: سياسة الولايات المتحدة تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل».
وهنا ايجاز لما ابدوه من ملاحظات بشأن السياسة الأميركية لادارة بايدن تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل:
يوسف العتيبة
مع مضي التطبيع الإماراتي مع إسرائيل في مساره الإيجابي المتوقع، تشهد الإمارات العربية المتحدة صفقات ثنائية قوية في قطاع الأعمال وحركة تجارية واستثمارية ستزيد حتماً بعد انتهاء أزمة «كوفيد-19»؛ وخلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، سيتم التطرق أيضاً إلى التعاون في مجالات البحث والاستثمار والتجارة والتكنولوجيا. وبالإضافة إلى الأثر الاقتصادي للتطبيع، بدأ يتبلور مستوى مشجع وغير متوقع من التفاعل الشخصي بين الناس. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستتعامل مع التطبيع بالفاعلية نفسها التي تعاطت بها إدارة ترامب، حيث ركزت الإدارة الأمريكية الجديدة حتى الآن على معالجة مسألة الوباء.
وأساساً، تم توقيع «اتفاقيات إبراهيم» من أجل منع ضم إسرائيل لأراضٍ من الضفة الغربية وإنقاذ حل الدولتين. لقد أجريتُ عدة مناقشات شخصية مع مسؤولين من البيت الأبيض قبل إبرام الاتفاقيات من أجل توضيح التداعيات الإقليمية والدولية الهامة المترتبة عن أعمال الضم الإسرائيلية. والواقع أن هذه الاتفاقيات لم تكن خيانة الفلسطينيين، بل أوقفت مساراً كان سيؤدي إلى قيام دولة واحدة، مع العلم بأن حل الدولتين يعتمد في النهاية على التقدم والتعاون بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإذا كانت هناك خطة تتطلب مشاركة فريق معين على غرار «الرباعية» العربية، ستكون الإمارات على استعداد للمشاركة. لكن لا وجود [حالياً] لمثل هذه الخطة التي تساهم في تحسين نوعية الحياة الفلسطينية.
وفيما يتعلق بالمراجعة التشريعية الأمريكية لصفقة بيع طائرات «أف-35» مع الإمارات، فهي عملية روتينية، ومن واجب الكونغرس مراجعة عملية البيع. وسوف يجد المحققون أن الصفقة تمت من خلال عملية تفاوض واضحة وفق الإجراءات الواجبة. لذا من الخطأ القول إن هذه المراجعة تجمّد البيع أو توقفه مؤقتاً. فهذه الصفقة تخدم المصالح الإماراتية والإسرائيلية والأمريكية، وأنا واثق من الموافقة عليها. وإذا كانت الولايات المتحدة تحوّل تركيزها نحو منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا وتسعى جاهدة لخفض وجودها في المنطقة، فيجب أن يكون شركاؤها في الشرق الأوسط مجهزين بالأدوات الكافية. وصفقة البيع هي فائدة صافية للولايات المتحدة.
وفي النهاية، يعتمد السلام الودي بين الإمارات وإسرائيل على العلاقات بين الناس والشمولية والاحترام المتبادل. والإمارات مؤهلة لإقامة علاقة سليمة وودية مع إسرائيل. وحتى إذا تم تجريد العوامل الجيوسياسية التي أدت إلى «اتفاقيات أبراهيم»، يبقى السلام مع إسرائيل بديهياً، بل يزداد منطقيةً مع الأخذ في الاعتبار العوامل الجيوسياسية. فكل من مجتمع الأعمال والشباب في الإمارات هما أكثر الفئات حماساً للاستفادة من التطبيع، ويقدران فتح أحد أكثر اقتصادات المنطقة ديناميكيةً أمامهما. فضلاً عن ذلك، إذا فتحت «اتفاقيات أبراهيم» المجال أمام المزيد من الأعمال التجارية في إفريقيا بما يفيد إسرائيل والإمارات، فهذا تطور إيجابي.
سامر خوري
على الرغم من أن الفلسطينيين لم يكونوا جزءاً من «اتفاقيات أبراهيم»، إلا أنهم كانوا سيقدرّون بعض الإشارة إلى حل الدولتين، والقدس الشرقية، ودولة فلسطينية قائمة على أساس حدود عام 1967، وعدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين على استعداد للمضي قدماً. ويدعم مجتمع أعمالهم الاتفاقيات، ويدعو إلى أي تفاعل تجاري بين إسرائيل والدول العربية يؤدي إلى دفع عملية السلام إلى الأمام، شرط ألا يتم الانتقاص من شأن الفلسطينيين.
وهناك ستة مجالات يمكن فيها الاستفادة من الاتفاقيات لصالح الاقتصاد الفلسطيني. لكن يجب أن تكون إسرائيل على استعداد لمنح الفلسطينيين قدرة أكبر على الوصول إلى الهدف المعني:
تطوير المنطقة (ج)، التي لديها القدرة على توليد 3 مليارات دولار من «الناتج المحلي الإجمالي»
تنمية الموارد المائية للفلسطينيين
الحصول على تصريح إسرائيلي لشبكات الجيل الرابع والجيل الخامس التي تعتبر ضرورية للمنافسة
استثمار الإمارات في القدس الشرقية للحفاظ على ثقافتها وتاريخها وتقاليدها العربية
ضمان حرية التنقل لرجال الأعمال الفلسطينيين
تنمية الموارد الطبيعية
يجب على الولايات المتحدة والفلسطينيين إعادة علاقتهما الدبلوماسية السابقة. بإمكان إدارة بايدن تحقيق مكاسب سريعة هنا – على سبيل المثال، تعمل القيادة الفلسطينية على معالجة قضايا التحريض ومدفوعات الأسرى على المستوى الداخلي.
وفيما يتعلق بوباء «كوفيد-19»، يتوقع الفلسطينيون وصول مليوني جرعة لقاح من أكسفورد كل أسبوعين اعتباراً من منتصف شباط/فبراير. بالإضافة إلى ذلك، تبرعت روسيا بـ 10،000 لقاح سيتم تسليمها في شباط/فبراير أو آذار/مارس، في حين قدمت إسرائيل لقاحات للمستشفيات الفلسطينية.
ومع تقدم القادة الفلسطينيين في السن، من الضروري إعطاء فرص القيادة للأجيال الشابة. وتحقيقاً لهذه الغاية، ستجرى انتخابات نيابية ورئاسية في أيار/مايو. وللمشاركة في الانتخابات، يجب على حركة «حماس» الوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق «منظمة التحرير الفلسطينية»، والتي تشمل الاعتراف بإسرائيل ومنع الإرهاب. وستُجرى الانتخابات النيابية أولاً، تليها الانتخابات الرئاسية، وأخيراً انتخابات «منظمة التحرير الفلسطينية». هناك حاجة إلى المساعدة من قبل إدارة بايدن لمواصلة الضغط على «حماس» وضمان عدم انسحاب التنظيم في منتصف الدورة الانتخابية.
فلور حسن ناحوم
تختلف اتفاقيات التطبيع الأخيرة عن معاهدات السلام السابقة التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن. فـ «اتفاقيات أبراهيم» لا تتعلق في جوهرها بالمصالح الاستراتيجية فحسب، بل تقوم على تعاون ثنائي يهدف إلى تحقيق الازدهار في المنطقة.
ويستفيد كل من الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين أيضاً من التطبيع. فمدينة القدس هي جسر عبور طبيعي إلى دول الخليج، حيث أن 40 في المائة من سكانها عرب. وستفتح الاتفاقيات حقبة جديدة من السياحة الإسلامية في القدس الشرقية، حيث يتم حالياً تطوير المدينة وتهيئتها للمبادرات السياحية والتجارية والتكنولوجية. كما أن القدس الشرقية مؤهلة لتصبح مركزاً للبحث والتطوير في الشرق الأوسط.
ولطالما عاش الإسرائيليون في خوف وجودي من خطر تصفيتهم. لكن «اتفاقيات أبراهيم» تمنحهم شعوراً بالأمان والثقة والانتماء في المنطقة، وتشكل تحولاً تاريخياً غير مسبوق. ويعود للإسرائيليين والفلسطينيين والشركاء الإقليميين قرار تحديد محور التركيز خلال العقود المقبلة – فإما استمرار النزاع أو تحويل تلك الطاقة نحو الصحة العامة والأمن الغذائي وقضايا أخرى. إن تشارُك المنطقة أمراً ضرورياً لأن الفلسطينيين سيبقون أقرب جيران لإسرائيل إلى الأبد.
ديفيد ماكوفسكي
قدّم المشاركون الآخرون في فريق المناقشة صورة تبعث على الأمل لفوائد السلام الاقتصادية والثقافية. وبالفعل فإن السياق الذي أبرمت فيه «اتفاقيات أبراهيم» يمثل تحوّلاً حاداً عن «مبادرة السلام العربية» لعام 2002، والتي قامت على الفكرة بأن الدول العربية سترجئ إقامة علاقات بإسرائيل إلى أجل غير مسمى إلى حين حل القضية الفلسطينية. لكن هذا النموذج افتقر إلى الفعالية طوال 18 عاماً، ومنذ ذلك الحين تغيرت المنطقة والعالم بشكل كبير. ولم تعد الدول العربية ترغب في إرجاء مصالحها الوطنية.
في عهد الإدارتين الأمريكيتين السابقتين، ساهم ازدياد الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة، والتحول التدريجي نحو آسيا، في تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. ورداً على ذلك، تطلعت الأطراف الإقليمية الفاعلة إلى جيرانها الذين يشاركونها مواقفها الاستراتيجية، في حين درست الدول المنتجة للنفط كيفية تنويع اقتصاداتها بعيداً عن الوقود الأحفوري. وبلغت هذه العوامل ذروتها في «اتفاقيات أبراهيم» التي اقترن فيها الرأسمال الخليجي بروح المبادرة الإسرائيلية.
وحاولت الولايات المتحدة حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني بصورة تامة أربع مرات: في الأعوام 2000 و 2007-2008 و 2013-2014، و 2020. لكن جميع المحاولات الأربعة باءت بالفشل. وفي «مخطط فين»، لا يوجد اليوم أي تداخل بين المواقف الرسمية الإسرائيلية والفلسطينية حول القضايا الرئيسية، كما أن حل النزاع غير عملي [حالياً]. ومع ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل المشكلة، لأن ذلك سيسمح بالانزلاق إلى حصيلة الدولة الواحدة التي ستشوه هوية إسرائيل والكرامة الفلسطينية إلى الأبد. وصحيح أنه لا يمكن تحقيق حل الدولتين في الوقت الحالي، إلا أنه لا يمكن التخلي عنه أيضاً.
ويميل الأفراد عند جانبَي الطيف السياسي إلى النظر إلى «اتفاقيات أبراهيم» على أنها طريق للمراوغة والتملص من الفلسطينيين. لكن الاتفاقيات هي في الواقع جسر يفسح المجال أمام خطوات متوازية وجزئية نحو السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقد تشمل هذه الخطوات السعودية التي تعتبر الجائزة الكبرى بالنسبة لإسرائيل. ولكن التطبيع الكامل مع السعودية سيبقى على الأرجح بعيد المنال طالما أن الملك سلمان على قيد الحياة. ومع ذلك، كانت موافقة الرياض ضرورية للتطبيع مع البحرين، كما سمحت السعودية بتحليق الطائرات في أجوائها عند مرورها من إسرائيل إلى الإمارات. وأشد ما يلفت الأنظار هو أن السفير السعودي السابق بندر بن سلطان ظهر على شاشة «العربية» في سلسلة تناقش تغير صياغة السردية الإسرائيلية – الفلسطينية وتسلط الضوء على فرص السلام التي أضاعها الفلسطينيون. وفي المرحلة المقبلة، من الممكن أن تتخذ السعودية خطوات جزئية تجاه إسرائيل – ربما [فتح] مكتب سياحي أو استثماري – في الطريق نحو التطبيع الكامل.
وإذا تنصلت إسرائيل من النشاط الاستيطاني خارج الحاجز الأمني في الضفة الغربية، يجب على الولايات المتحدة أن ترد بالمثل من خلال التمييز بين سياستها تجاه النشاط الاستيطاني. فهذه المقاربة الأمريكية، بالترافق مع خطوات تطبيع جزئية من الجانب السعودي، من شأنها أن تمنح إسرائيل حافزاً رئيسياً لتجنب تعريض حل الدولتين للخطر وتعطيها خياراً واضحاً. فحين أعطي الإسرائيليون خياراً مماثلاً ما بين التطبيع مع الإمارات أو ضم أراضٍ من الضفة الغربية، فضّلت الغالبية العظمى التطبيع. لذلك يجب على واشنطن أن تميز بين المستوطنات خارج الحاجز الأمني، التي تتعارض مع نموذج الدولتين، والمستوطنات التي داخل الحاجز والتي تتوافق مع نموذج الدولتين. ولن تستلزم هذه السياسة الأولية معالجة مسألة المستوطنات الموجودة بالفعل أو التغاضي عن النشاط الاستيطاني، بل ستركز بدلاً من ذلك على ترك المجال مفتوحاً أمام حل الدولتين.
ومقابل التزام إسرائيل بمبدأ تبادل الأراضي ووقف أعمال البناء خارج الحاجز، قد تكون السعودية مستعدة لاتخاذ خطوات إضافية نحو التطبيع. وعلى أي حال، ليس من الممكن اليوم التوصل إلى اتفاق سياسي كبير مع الفلسطينيين، لذلك يجب على إدارة بايدن أن تفكر وتتصرف بشكل مبتكر للحفاظ على حل الدولتين.
عن معهد واشنطن