إلى أين تذهبين يا عايدة

كاظم مرشد السلوم

الفلم الحائز على جائزة نجمة الجونة الذهبية في دورة التحدي التي أقيمت رغم خطر جائحة كورونا، وإلغاء وتأجيل العديد من المهرجانات السينمائية المهمة، الفلم أستحق الجائزة بجدارة رغم المنافسة بينه وبين العديد من الأفلام في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، لكن الجانب الإنساني ورصد المأساة التي تعرض لها شعب البوسنة وخصوصا سكان مدينة سربرنيستا في الحرب الصربية ، جعل الجائزة تذهب لفلم المخرجة ياسميلا زيانتيش، ولتحصل بطلته ياسنا دوريستش على جائزة أفضل ممثلة

العنوان السؤال
الى أين تذهبين يا عايدة؟
عنوان عبارة عن سؤال بحجم المأساة، الى أين يذهب في النهاية من أستلب منه كل شيء، الأولاد، الزوج، البيت، الوطن، إضافة الى كونه شاهد على إبادة نصف سكان مدينته أمام عينيه، . في المشهد الأخير ثمة إجابة تحمل كل تبعات المأساة، حيث تجد شقتها التي عاشت فيها مع زوجها وأولادها وقد اغتصبت هي الأخرى من قبل عائلة صربية، فيكون السؤال « الى أين تذهبين يا عايدة»؟

الحكاية
مدينة سربرنيستا وقد حاصرتها القوات الصربية ، الأمر الذي دفع بمعظم سكانها الى اللجوء الى قوات الأمم المتحدة ، المتمثلة بكتيبة هولندية لا حول لها ولا قوة، في امتلاك قرار الرد على الانتهاكات الصربية، القاعدة التي تتواجد فيها لا تكفي للأعداد الكبيرة من طالبي اللجوء اليها، فيقف الالاف منهم خارج أسوارها بانتظار فرصة الدخول اليها والاحتماء من بطش القوات الصربية التي يقودها مجرم الحرب الجنرال راتكو ميلادتش، من ضمن المنتظرين عائلة مدرسة اللفة الإنجليزية « عايدة» التي تعمل كمترجمة في القاعدة الهولندية، والتي تستغل علاقاتها مع قادة القاعدة وتدخل زوجها وأولادها الأثنين الى داخل القاعدة وسط انتقادات الناس الواقفين على الأسوار.
رغم مطالبة قادة القاعدة لقوات التحالف بضرورة التدخل الجوي لوقف الخطر الذي تشكله القوات الصربية، لكن ليس ثمة استجابة فقط وعود كاذبة، مثل الوعد الذي قطعه الجنرال الصربي لمجموعة من العوائل بانه سيعمل على حمايتهم، لكنه في الاخر يقوم بتصفية الجميع .
عايدة تشهد كل ما يدور داخل وخارج القاعدة، تحاول تقديم المساعدة للجميع، تعمل وبشكل دائم على حث قادة القاعدة الهولندية على عمل أي شيء لإنقاذ الناس من الخطر الذي يداهمهم والمتمثل بالذئاب الصربية التي تقترب رويدا رويدا من أسوار القاعدة، ورغم كل محاولاتها ، ومحاولات قادة القاعدة ، الأ إن لا شيء يوقف حدوث المأساة، فيدخل الصرب الى القاعدة وليبيدوا كل الموجودين فيها ، بما فيهم زوج عايدة وأولادها، في المجزرة الشهيرة التي شهدها العالم و التي وقعت في يوليو عام 1995، حيث أبيد نصف سكان مدينة سربرنيستا البوسنية.

الاشتغال
حرصت مخرجة الفلم وكاتبة السيناريو كذلك، ياسميلا زبانيتش على تجسيد المأساة التي وقعت في هذه المدينة، من خلال إناطتها لدور البطولة للمثلة ياسانا دوريوستش، ولعبت الأخيرة الدور بمقدرة عالية، إذ توفرت على قدرة بدنية رائعة ، حيث نشاهدها طيلة أحداث الفلم تجري هنا وهناك كمثل شابة في العشرينات رغم انها سيدة تجاوزت الخمسين عاما، كذلك عملت المخرجة على اللقطات القريبة المعبرة لوجه بطلتها، التي تبوح بقلق أنساني عال عما يمكن أن يحدث والذي حدث فعلا، فتلك اللقطات كانت تعبر أيضا عن ما يمثله وجه أي محاصر لا يعرف نتيجة الحصار الذي يعانيه.
كذلك ارادت المخرجة ان تظهر الحقيقة الإنسانية والعاطفية لشخص مثل عايدة، ففي ذروة الاحداث تبدو عايدة منحازة لزوجها وأولادها، أكثر من سكان مدينتها، في محاولة منها لاختبار رد فعل المشاهد في حقيقة مشاعر عايدة الإنسانية، التي يمكن لأي واحد منا ا، يتخذ نفس السلوك، فلا يمكن لأي شخص كان أن لا يهتم بعائلته في هكذا ظرف حتى لو كانت مسؤوليته كبيرة وتشمل الجميع.
حتى في لحظات النقاش والطلبات التي تقدمها عايدة لقادة القوات الدولية ، يسالها القائد ، لماذا تريدين ان نحمي أسرتك دون غيرهم؟ فتصمت عايدة زلا تجد ردا ، فهي واقعة بين نارين ، نار الخوف على أبناء مدينتها ، ونار الخوف على عائلتها التي تغذيها عاطفة الأمومة، وفي النهاية تخسر الجميع.
تخاذل القوات الهولندية في حماية المدنيين جسدت المخرجة بصورة وتعابير جندي هولندي يمتلك وجه طفولي، يبكي كثيرا لما أل اليه أمر من لجأ اليهم، كذلك في الزي الذي يرتديه افراد الكتيبة الهولندية‘ .
كذلك استطاعت ان تعطينا جرعة أمل بإمكانية نجاح عايدة في انقاذ الناس، رغم معرفتنا المسبقة بحقيقة ما حصل .
كاميرا المصور كريستين ايه ماير ، تحركت برشاقة واضحة بين الحشود لتنقل تعابير وجوهها المختلفة ، بين الأمل وبين القلق الواضح، والفزع من مأساة مرتقبة الوقوع.

«ما أراد النص قوله»
ما أراد النص البصري لفلم عايدة قوله، كيف يمكن لمجزة مثل تلك التي حصل في العقد الأخير من القرن العشرين ان تحدث تحت أنظار الأمم المتحدة وكل الدول الكبرى المتمثلة بالتحالف الدولي التي نمتلك كل أدوات الحسم ، والتي كان بإمكانها إيقاف هذه المجزرة التي تحدث عنها الفلم وغيرها من المجازر خلال أيام معدودات ان لم يكن خلال ساعات، وهو ما حصل في الأخر.
هل كان ثمة سبب للتأخير وما هو ؟ هل اتن محاكمة مجرم الحرب الجنرال راتكو ميلادتش والحكم عليه بالسجن المؤبد تكفي لمداوة الجرح الكبير؟
واذا كانت العداوة والقسوة وصلت الى هذا الحد ، فكيف كان الجميع يعيشون في دولة واحدة هي يوغسلافيا الموحدة ، وما الذي يمكن ان يحدث مستقبلا لو توفرت نفس مسببات الحرب بين الصرب والبوسنيين؟ واذا كان الفلم قد جسد ما حصل في مجزرة واحدة فما حجم الجرائم الأخرى التي حصلت في هذه الحرب التي امتدت من العام 1993 الى العام 1995، وشهدت استلاب لكرامة الانسان لم يشهد العالم مثلها إلا في الحرب العالمية ، رغم ان مأساة الحرب العالمية الثانية كان يغذيها الفكر النازي والفاشستي، فما الذي كان يغذي أفكار من ارتكبوا هذه المجازر؟
مخرجة الفلم ياسميلا زبانيتش من مواليد مدينة سرافييفيو عام 1974، درست المسرح والإخراج السينمائي في اكاديمية فنون الأداء في مدينتها ، حصل أول أفلامها الطويلة « أرض أحلامي « على جائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين عام 2006، ولها فلمان قصيران هما « أحذية مطاطية حمراء، وصنع في سراييفو» وعد ذلك قدمت فلما روائيا طويلا هو « من أجل هؤلاء الذين لا يستطيعون أن يحكوا حكاياتهم « وحصلت خلال مسيرتها على أكثر من 17 جائزة وأربعة عشر ترشيحا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة