أيوب بابو بارزاني 30/11/2020
الكثير من السياسيين والمراقبين المهتمين بالشأن السياسي في العراق لا يرون أبعاد السياسة الامريكية وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط وقد يتجاهلونها عن عمد أو جهل.
فمشاكل العراق الفدرالي الحالية توحي بان المجتمع على شفى الانهيار وقد أصبح واضحا ان الإدارة الكردية لا تدفع رواتب الموظفين وسط تفاقم أزمة المستشفيات والدواء والماء والكهرباء ومتطلبات الحياة المعيشية لخمسة ملايين من المواطنين في عهدتها. وللنجاة من الغضب الجماهيري تلوذ الإدارة الكردية – حكومة وبرلمان الخاضعين كلية الى حكم العوائل الفاسدة – الى القاء المسؤولية على كاهل حكومة بغداد، وهذا مجاف للواقع وتهرب جبان من المسؤولية.
ما الذي أوصل العراق الغني بموارده الى وضع لا يتمكن من تقديم لقمة العيش الكريمة لشعبه، شمالا وجنوباً؟ العوائل الكردية الحاكمة كانت تبيع النفط وتستلم ميزانية الإقليم من بغداد ومع هذا أوصلت مديونية الإقليم الى 28 مليار دولار؟ أين ذهبت كل تلك الأموال؟ من هو المسؤول الاول؟ ومن سيخضع للتحقق والمساءلة بنزاهة وشفافية؟ هل وصل الفساد والجبن والنفاق وموت الضمير في أوساط مجتمعنا الى حدود التواطؤ مع عصابة اللصوص وحمايتهم بصمتنا؟
السرقات فاضحة واللصوص معروفون وعملية شراء الذمم متواصلة والفساد استشرى في مفاصل ومؤسسات الحكم في أربيل وبغداد. والأزمة في العراق هي أزمة متعددة الاوجه، فهي اقتصادية، سياسية، اجتماعية، إدارية وأخلاقية وروحية. هناك حقيقة يجب الإشارة اليها وهي أن الاحتلال الأمريكي لا يهدف لبناء نظام ديمقراطي أو ضمان استقلالية القضاء وتأمين العدالة وحكم القانون أو محاربة الفساد في العراق ولا استقراره وازدهاره، فهذا يتناقض مع هدفه الاستراتيجي في المنطقة كلها. والموقف الأمريكي واضح من كل هذا: ” لا يهمنا ذلك ما دامو يعملون وفق توجيهاتنا”. فالمشروع الأمريكي هو خلق الفوضى في مستويات معينة هم الذين يتحكمون به زمانا ومكاناً.
السياسات الامريكية في العراق والشرق الأوسط تديرها “الدولة العميقة” لا فرق بين من يحتل البيت الأبيض أكان ديمقراطيا أو جمهوريا، فالهدف هو تحويل العراق الى دولة مع جميع خصائص المحميات الخليجية، شيوخ وأمراء وعوائل طوع البنان، وعلى أتم الجاهزية في تنفيذ الأوامر وان كان ضحيتها شعوب المنطقة.
ومنذ مجيئها – أمريكا – كدولة احتلال عام 2003 عملت على تشظي البلاد الى كيانات طائفية متسلطة متخاصمة فيما بينها وساندت عوائل ومجموعات ورؤساء أحزاب وشخصيات فاسدة عربية وكردية، متصارعة وعميلة، متغلغلة في جميع المؤسسات الوزارية يمنعون بمكر وخبث بناء دولة القانون ومستولين على القطاع المصرفي والمالي وفق توافقات ومحاصصات طائفية متقاسمين الحقائب الوزارية بين الأقارب ورجالات الحاشية.
اللا دولة هي السمة الأكثر بروزا في اربيل، العوائل الحاكمة هي التي تحتكر السلطة السياسية والمالية والعسكرية والأمنية والعلاقات الخارجية وبيع النفط. وقد فرضت العجز عن توليد الجديد وسدّ طريق التطور والخروج من المأزق الحالي. أما في بغداد فهناك مقاومة شعبية ضاغطة على وزراء الحكومة الخاضعين للأجندات الخارجية.
محاولات تغيير الكابينات الوزارية وكأنها مفتاح لحل المشاكل والأزمات التي تعصف بالمجتمع أو الانتظار الى موعد الانتخابات في العام المقبل، هي مساعي لذرّ الرماد في العيون. فالانتخابات لن تأتي الا بنفس الطبقة السياسية الفاسدة، والتي أتقنت فن التزوير والكذب والتضليل…
في إقليم كردستان رغم دورات عديدة من الانتخابات الصاخبة، لم تأتي بأية نقلة نوعية، انما عززت منظومة الفساد مواقعها وتوارث الآباء والاحفاد في المناصب وتضاعف نهب المال العام وتحويله الى الخارج تحت أنظار الراعي الخارجي.
واضح ان الشعب العراقي بجميع مكوناته محاصر، سياسيا واقتصاديا، وفي لقمة عيشه من جانب الطبقة الحاكمة الفاسدة والمطالب الأمريكية ومن الدول الحليفة لها في المنطقة، وليس أمام الشعب غير التحضير لعملية المجابهة، والتي تتطلب تجمُع الوطنيين المخلصين من الكرد والعرب وكافة مكونات الشعب العراقي، والاتفاق على مشروع مدروس بدقة للبدء بحملة (العصيان المدني) السلمي والحضاري ليشمل جميع المحافظات العراقية وبشكل خاص اربيل وبغداد، وفي مراحل لاحقة ينحاز الى هذا العصيان الأعضاء المخلصون في البرلمان.