النماذج المصغرة لترامب وفقدان النفوذ

سلافومير سيراكوفسكي

وارسو- ان انتخاب جو بايدن كرئيس للولايات المتحدة الامريكية قد أضعف بشكل كبير الحكومات السلطوية والشعبوية حول العالم وبالنسبة للقوى العالمية المستقلة مثل روسيا والبرازيل وتركيا فإن خروج دونالد ترامب من السلطة لا يعتبر مأساة كاملة ولكن بالنسبة للحكومات الحالية في بولندا وهنغاريا وصربيا -وربما بوريس جونسون في المملكة المتحدة كذلك- فإن خروج ترامب من السلطة يعتبر كارثة حقيقية.
وعليه لم يكن من المفاجئ ان كل لاعب من هولاء اللاعبين الصغار قد رحبوا بانتخاب بايدن بمشاعر من الخوف والبغض». ولقد عبّر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش عن ذلك بصراحة متناهية حيث قال شاكيا « انا لم أنسجم مع بايدن عندما زار صربيا (كنائب للرئيس باراك أوباما) وانا لا أستطيع ان انسجم معه الان. لقد تقدمت بالتهنئة له وهذا يكفي». ان من الواضح ان روسيا وليس أمريكا ستبقى المرشد بالنسبة لفوتشيتش.
بالنسبة لرئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان فلقد كان قد أوضح منذ فترة طويلة ان «الخطة أ» بالنسبة له هو انتصار ترامب مما يعكس العلاقة الوثيقة بينهما وكما هو الحال مع فوتشيتش فإن الحكومة الهنغارية تشعر بالازدراء للإشياء التي ذكرها بايدن آبان حقبة أوباما حيث طبقا لوزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو كانت هنغاريا تتعرض « لسلسلة لا تنتهي من الاتهامات والهجمات بالإضافة الى المحاضرات «.
في واقع الامر كان اوربان قبل وصول ترامب للسلطة عمليا شخصا غير مرغوب فيه في العاصمة الامريكية واشنطن ولقد كان آخر رئيس امريكي يزور هنغاريا هو جورج بوش الابن سنة 2006 حيث لم يكن اوربان في السلطة في ذلك الوقت وبعد ان تولى اوربان السلطة سنة 2010 ، كان يتعرض لانتقادات متكررة من إدارة أوباما بسبب توجهاته السلطوية وقمعه للصحافة العامة والخاصة وفساد ادارته وفي المقابل فرضت هنغاريا عقوبات على بعض من كبار المسؤولين الأمريكيين وبعد وصول ترامب للبيت الأبيض قامت هنغاريا بطرد جامعة وسط أوروبا المعتمدة أمريكيا من البلاد.
لكن اوربان كان يحاول منذ زمن بعيد ان يتلاعب بالعديد من القضايا الجيوسياسية فبينما كان يحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وحتى مع الصين، كان يتمتع بحماية السياسيين الالمان-وخاصة البافاريين- والذين لا يخفون تعاطفهم معه وهذا ساعده على الإفلات وعلى الرغم من هجماته المتكررة على المبادئ الأوروبية الأساسية مثل حكم القانون وحتى أنه انخرط بمعاداة السامية بشكل علني ولكن وحتى يومنا هذا ما يزال حزب اوربان فيديسز ضمن حزب الشعب الأوروبي والذي يعتبر حزب يجمع المحافظين في البرلمان الأوروبي.
ان الحكومة البولندية هي الحكومة التي لديها أقوى الأسباب لإن تشعر بالقلق فعندما تولى حكم القانون والعدالة السلطة سنة 2015، اختار في البداية المملكة المتحدة كحليفته الرئيسية ضمن الاتحاد الأوروبي ولكن منذ الانتخابات الامريكية سنة 2016 (والتي جاءت في أعقاب استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي)، راهن حزب القانون والعدالة بشكل كامل على علاقته الوثيقة بترامب وهو زعيم امريكي لم يبد اهتماما يذكر بالمبادىء الديمقراطية أو حكم القانون.
ان ترامب الان في طريقة للخروج من السلطة وجونسون (الذي أطلق عليه الرئيس الأمريكي لقب يخلو من الكياسة وهو «ترامب بريطانيا») يسارع حاليا الى إرضاء بايدن، مما يعني ان الحكومة البولندية تجد نفسها بدون أصدقاء أقوياء على الصعيد العالمي ونظرا لإن بولندا خصم عنيد لروسيا كذلك، فإنها تجد نفسها وحيدة تماما. ان هذا التطور يمثل خرق آخر للاستراتيجية الدبلوماسية لبولندا في حقبة ما بعد الشيوعية علما ان مبدأين من مبادئ تلك الاستراتيجية هما تجنب الاعتماد على بلد واحد وتجنب العزلة بأي ثمن.
بالطبع، لا يستطيع حزب القانون والعدالة ان يقول انه لم يعرف مخاطر خسارة حليفه الأخير علما انه في يوليو الماضي عبّر بايدن عن عدم رضاه عن حكومة حزب القانون والعدالة عندما أشار الى بولندا وهنغاريا وبيلاروسيا كمثال على « صعود الأنظمة السلطوية في العالم « وبينما بالغ الرئيس البولندي اندريه دودا في تهنئته لترامب على انتصاره سنة 2016، اكتفى هذه المرة بتهنئة بايدن « على حملته الرئاسية الناجحة».
بالنسبة لترامب فإن بولندا هي دليل على أن السياسة الخارجية يمكن ان تبنى على أساس عقد الصفقات فحكومة حزب القانون والعدالة وقعت عدة عقود للأسلحة مع الولايات المتحدة الامريكية في مقابل إشارات رمزية مثل دعوة ترامب لدودا لزيارة البيت الأبيض خلال حملته الرئاسية في يونيو وفي التاسع من نوفمبر وقع دودا اتفاقية التعاون الدفاعي البولندية-الامريكية والمليئة بالدلالات الترامبية. ان اتفاقية مماثلة أبرمتها الحكومة البولندية السابقة جعلت الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة عن تكاليف البناء وأعطت بولندا الولاية القضائية على العاملين الأمريكيين والقواعد الامريكية على أراضيها بينما بموجب الاتفاق الجديد، سوف تتلقى بولندا تمويل امريكي بينما سوف تحتفظ الولايات المتحدة الامريكية بالولاية القضائية.
لقد كان من المفترض ان العلاقات الممتازة مع ترامب سوف تمكّن بولندا من رفض انتقادات الاتحاد الأوروبي والاحتفاظ بعلاقات جيدة مع المانيا بينما تقوم حكومة حزب القانون والعدالة بإخضاع القضاء البولندي والان خسارة ترامب الانتخابية تأتي مع اخبار كارثية أخرى.
في وقت سابق من هذا العام، وافق المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي على جعل تمويل الاتحاد الأوروبي مشروط بالتقيد بحكم القانون والذي كان يعمل حزب القانون والعدالة على تقويضه منذ توليه السلطة. ان من المفترض الان ان يقوم المجلس الأوروبي بتبني هذا الشرط المتعلق بتصويت الأغلبية المؤهلة مما يعني ان بولندا ليس لديها حق النقض الفيتو. ان من الممكن بالطبع ان تحاول بولندا تعطيل عنصر آخر من العملية المتعلقة بميزانية الاتحاد الأوروبي- أي ما يطلق عليه قرار الموارد الخاصة (الذي يحدد المبلغ الذي يدفعه بلد ما للاتحاد الأوروبي)- ولكن فقط في حالة ان بولندا راغبة في خسارة آخر دعم متبقي لها في المانيا وعندئذ حتى اوربان نفسه من غير المرجح ان يخاطر بإن يتعرض للعزلة من أجل بولندا.
بالإضافة الى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي يملك خيار يعتبر الخيار الأكثر قسوة ودراماتيكية وهو خيار يتمثل في قبول صندوق التعافي الجديد الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو ( 884 مليار دولار امريكي ) كاتفاقية 25+2 بين الحكومات وهذا سيناسب العديد من الدول التي تقوم بصافي الدفع بينما بولندا هي واحدة من اكبر المستفيدين وهنا أيضا فإن اوربان ليس لديه حافز لإن يذهب بعيدا في دعمه لحزب القانون والعدلة وكما دعم اوربان ترشيح رئيس الوزراء البولندي السابق دونالد تاسك والذي يعتبر بعبع حزب القانون والعدالة لولاية ثانية كرئيس للمجلس الأوروبي ، فإن اوربان لن يتردد في ترك الحكومة البولندية لتواجه العزلة.

سلافومير سيراكوفيسكي هو مؤسس حركة كرايتايكا بوليتسزنا ومدير معهد الدراسات المتقدمة في وارسو وزميل تنفيذي في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.
حقوق النشر:بروجيكت سنديكت ،2020
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة