هادي ياسين
تدور أحداث هذا الفيلم في العام 1960 . في حي ( برونكس ) ، الذي يقع شمال شرق نيويورك . و في ذلك الوقت كان نشاط عصابات المافيا مازال قائماً في مناطق مختلفة ، و منها حي ( برونكس ) ، و إن كانت عصابات هذا الحي عصاباتٍ صغيرة تتناسب مع حاله و مع مساحته التي تبلغ 109 كيلو مترٍ مربع فقط ، فيما كان التمييز العنصري في ذروته . و سكان هذا الحي هم خليطٌ غير متجانس ، لا في الكم و لا في النوع . إذ يشكل السكان الذين تعود أصولهم الى دول أمريكا اللاتينية نسبة 48.4 % ، فيما يشكل السود نسبة 31.2 % ، و البيض يشكلون نسبة 14.5 % ، و يشكل السكان من أصول آسيوية نسبة 2.9 % . و يوصف هذا الحي بأنه ( حي الفقراء ) ، و للمرء أن يتخيل طبيعة الحياة في حي فقير مرمي في طرف نيويورك الغنية و سكانه خليط غير متجانس و تنتشر فيه ظاهرة المخدرات التي هي عماد عمل العصابات .
مخرج الفيلم، « روبرت دي نيرو « ، و كانت تلك تجربته الأولى في الإخراج ، فقدم لنا فيلماً ممتعاً ، و مثّل فيه دور الأب « لورينزو « و هو رجلٌ ملتزم عائلياً و مؤمن ، يعمل سائق حافلة لنقل الركاب في الحي . أما قصة الفيلم فقد كتبها « تشاز بالمنتيري « الذي يظهر في دور الرجل الأول في الحي ، و الذي له أتباعٌ مطيعون . و « بالمنتيري « هو نفسه كان قد ولد في حي برونكس في 15 مايو / آيار 1952 ، و يعرف تفاصيل هذا الحي جيداً ، و يقدم لنا الفيلم على لسان « كالوجيرو « الذي مثل دوره صبياً « فرانسيس كابرا « ( 9 سنوات ) فقدم أداءً ذكياً رائعاً ، ثم مثل الدورَ « ليلو برانكاتو « في سن السابعة عشرة ، و الذي دمّر حياته الفنية بحماقة و طيش .. لاحقاً . و تنحدر عائلة « بالمنتيري « من صقلية التي هي مهد عصابات المافيا في العالم ، منذ نهايات القرن التاسع عشر . و الجماعة ، شبه العصابة ، التي يترأسها هي من أصول إيطالية كما نشاهدها في الفيلم و كما كانت متواجدة في حي برونكس أصلاً .
لقد تم إختيار « ليلو برانكاتو « ليمثل دور الإبن « كالوجيرو « لشبهه القريب جداً من « روبرت دي نيرو « الذي سيكون والده في الفيلم ، و الذي يحرص على أن لا يقترب إبنه من الحانة التي يتواجد فيها الإيطاليون و التي لا تبعد سوى دقائق عن مكان سكناهم .
و كان « دي نيرو « قد أقنع « بالمنتيري « بأن لا يقدم نصه الى أي جهة منتجة لأن مردوده قد لا يساوي شيئاً ، و قد لا يحصل « بالمنتيري « على دور مهم ، و قال له ( دعنا نحن نتصرف ) .. و هكذا كان . ذلك أن أحد الإستوديوهات كان قد دفع لـ « بالمنتيري « 120.000 دولار فقط لشراء حقوق القصة ، مع شرط عدم التدخل .. بإعتباره لم يكن إسماً معروفاً في ذلك الوقت .
و يقول « روبرت دي نيرو « ذو الأصول الإيطالية أيضاً : ( أردت فيلماً عن الرجل العامل ، وعن مجتمع إيطالي أمريكي حقيقي . النسيج الحقيقي يأتي من الرجال العاملين . كان والدي يشبه « لورينزو « . اعتدت أن أراه يرتدي حذاءه في الصباح ليخرج و يقود الحافلة . كان يستيقظ في المطر ، الثلج ، يبتسم ، فقط لجعل حياة أطفاله أفضل . هذا كل ما أراد ) ، و هذا الأب هو الذي حرص أن يمثل « دي نيرو « شخصيته في الفيلـم ، و كأنه يقدّم تحيةَ تكريمٍ لوالده .
بعد أن أُطلِق فيلم ( حكاية برونكس ) في صالات السينما ، سرعان ما بات الشاب « ليلو برانكاتو « ذو السابعة عشرة من عمره ممثلاً مطلوباً ، و هو الشاب المغمور الذي لم تكن له علاقة بالتمثيل ، من أصل كولومبي ، مولود في العاصمة بوغوتا عام 1976 . أثناء ذلك زاره « روبرت دي نيرو « في منزله لينصحه ، و ليوجه الكلام الى والديه ، محذراً إياه من مردودات الشهرة و حذره من خطورة التغييرات التي ستطرأ على حياته أذا ما فقد السيطرة عليها . ولكن هذا الشاب الذي لم يتوقع الشهرة التي حصل عليها بعد تمثيله دور « كالوجيرو « ، إرتكب حماقة ً حقيقية حين أقدم مع صديق متهور له على سرقةٍ أدت الى قتل ضابط شرطة عام 2005 فقضى ثماني سنوات في السجن فيما حُكم على صاحبه بالسجن المؤبد لأنه كان القاتل الحقيقي . و هكذا دمّر « ليلو برانكاتو « مستقبله الفني .
يقدم لنا هذا الفيلم متعة سينمائية بإخراج « روبرت دي نيرو « في أول تجربة إخراجية له .. و قد أبدع فيها . و لأنها تجربته الأولى فقد حرص على أن يجعلها تجربةً ناجحة ، لكنه كان متوجساً ، لذلك ـ و حسب ما صرح ـ فقد إستأنس بآراء الممثلين الذين تحوّلوا من التمثيل الى الإخراج فلقي منهم تشجيعاً و حثاً على خوض التجربة ، لكن « دي نيرو « لم يكن ليَنويَ التحوّل عن التمثيل .. إنما أراد أن يخوض التجربة فقـط ، و لـو لمـرة واحـدة ، و حسناً فعل.