الخيانة وثيمة الغائب بين صلاح أبو سيف وسعيد مرزوق

زوجتي والكلب .. نظرة داخل عقل رجل يشك

لوعة الحب .. خيانة مع إيقاف التنفيذ

أمنية عادل

تباينت المعالجات في السينما حول تيمة الخيانة والتي طرحت بكثير من التفاصيل والاختلافات، نقف اليوم على أعتاب قراءة لكيفية طرح تيمة الخيانة في فيلمي «لوعة الحب 1960» لرائد الواقعية المصرية صلاح أبو سيف و»زوجتي والكلب 1971» للمخرج المجرب سعيد مرزوق، ورؤية كل منهما لهذه التيمة ومعالجتها ضمن الفيلمين.
طرح المخرج صلاح أبو سيف في فيلمه «لوعة الحب»، رقم عشرين في مسيرته الإخراجية، سيناريو كل من جليل البنداري وصلاح أبو سيف وحوار السيد بدير، ومستوحاه من رواية «الوحش البشري» للكاتب «إميل زولا»، تم عرض الفيلم في 24\3\1960، تيمة الخيانة مع إيقاف التنفيذ، حيث تدور أحداث الفيلم عن زواج آمال من محمود أفندي سائق القطار، ذو الطبع الخشن كما نصحه أقرانه حتى يهنئ بحياة زوجية سعيدة، تعاني آمال من هذه المعاملة الخشنة التي تطول حياتهم الحميمة وتحول مشاعرها إلى حسن عطشجي القطار الذي يعتني بها، خاصة مع غياب الزوج في مهمة عمل.
يبدأ كل شئ برئ ويظل كذلك ولكن تبقى الخيانة عالقة ومقتصرة على حب خفي في قلب كل من آمال وحسن، اللذان يقرران الزوج بعد انفصال آمال عن محمود، ولكن تحدث المعجزة، حيث تكتشف آمال أنها حامل ويتغير الموقف بصورة كاملة، إذ يغير محمود من سلوكه تجاه زوجته وتحجب الزوجة مشاعرها عن حسن الذي يقرر المغادرة إلى أسيوط تفاديا لأي تعكير لعلاقة محمود وآمال.
صاغ بدوره المخرج سعيد مرزوق تيمة الغائب والخيانة المتوقعة في أول أفلامه الروائية الطويلة «زوجتي والكلب»، فكرة وسيناريو وحوار سعيد مرزوق، تدور أحداث الفيلم حول الريس مرسي الذي يعمل في فنار في منطقة نائية لأشهر ويغيب عن زوجته التي تزوجها حديثا ويعيشون حياة هانئة وتتمتع بالحب والشغف، في المقابل نور ذلك الشاب الذي تغرقه الشهوة للجنس الآخر، وتدور بينه وبين الريس مرسي محادثات طويلة عن حياته السابقة وكيف أوقع بزوجة صديق له وطارحها الغرام، ينصت نور لهذه القصص بشغف كبير، يسافر نور لقضاء أجازته ويطلب منه مرسي منح زوجته جواب منه.
مع الوحدة والغربة والغياب يتملك الشك والوسواس من عقل مرسي الذي تنهال السيناريوهات على عقله ويصبح أسيرا لفكرة الخيانة المحتملة بين زوجته المحبة ونور الشغوف، ويظل الشك يساوره ويأكل عقله وسط تلاطم الأمواج أمام الفنار.

تقاطعات
هناك العديد من المشتركات بين التجربتين، ليس فقط على صعيد العلاقة الثلاثية المحتملة أو تيمة الخيانة ولكن هناك تقاربات عديدة بين الفيلمين، الملمح الظاهري الأول هو مثلث العلاقات، في لوعة الحب «آمال\شادية، محمود\أحمد مظهر وحسن\عمر الشريف» أما زوجتى والكلب «سعاد\سعاد حسني، مرسي\محمود مرسي ونور\نور الشريف»، لكل شخصية تركيباتها وتعقيداتها، من الملاحظ أن فيلم زوجتي والكلب آكثر تعقيدا وتركيبا، حيث تنطلق أحداثه من داخل عقل الريس مرسي، ورحلة الشك التي يعيشها وحيدا في الليالي الباردة، التي يتصور أن زوجته تبحث عن الدفء في أحضان نور.
أما فيلم لوعة الحب يتعامل مع العلاقة بصورة بانورامية خارجية لا تستدعي التعمق في الجانب النفسي بصورة كبيرة، ويعتمد على الرمزيات البصرية، وهو ما يشكل اختلاف في المنهج والمرحلة التي يعبر عنها كل فيلم، قُدم فيلم لوعة الحب في 1960 وهي فترة استقرار اسم صلاح أبو سيف كمخرج واقعي يصور الواقع ويعكسه، أما 1971 وظهور جيل جديد للسينما يقدم سينما جديدة تعتمد على التجريب واللغة السينمائية الغالبة على الكلمة وتقرأ المجتمع بنظرتها الخاصة الذاتية التي يغلب عليها التشاؤم والتوغل النفسي، في تأثر واضح بالسينما الأوروبية التي تلاقت أهوائها مع الفلسفة الوجودية والمبحث العدمي.
وهو ما ينعكس على المعالجة في الفيلمين رغم اعتمادهم على إطار خارجي متشابة، إذ يغلب الطابع المليودرامي على فيلم «لوعة الحب» وهو ما نراه في النهاية المتصالحة مع المجتمع، التي تتغير فيها الشخصيات بطريقة سريعة لاحتواء أي تخريب محتمل لمنزل الزوجية، فالأسرة نواة للمجتمع وبالتالي لابد أن تبقى متماسكة حتى يعم الهدوء والسلام على المجتمع.
في حين يعيش مرسي صراع داخلي لا ينتهي ولن ينتهي حتى بنهاية الفيلم، فهو شخصية محكوم عليها بالعذاب الحتمي، كالبطل الأرسطي الذي يصبح ضحية لجريمته الاولى التي لم يتوقع أنها ستكون سبب نهايته وعذابه، كما هو الحال مع أوديب ومن بعده عطيل الذي يتشابه مع مرسي في رحلة الشك التي يعيشها، هذا الإنسان الممزق الذي يتمحور حول ذاته وأزمته في ظل نكسة حطمت البلاد وألقت بظلالها على الأفلام المقدمة، حتى وإن لم يكن بطريق واعية من صناعها، حيث سيظل مرسي مهزوما ومهزوزا وتراوده الشكوك والأفكار الكابوسية وأحلام اليقظة التي تمزق عقله.
أما «حسن ونور» شخصية الغريم التي تحققت في «لوعة الحب» ولم تتحقق في «زوجتي والكلب»، حسن كان عكس شخصية محمود، فهو شاب هادئ الطباع محب وبسيط ويخفي مشاعره بداخله، حتى أنه يهرب في النهاية لإنجاح علاقة الزواج الحديث، في المقابل هناك نور الشقي الشغوف الذي يجهر بما يريد وتصبح هذه نقطة إدانته، ويتصور مرسي أن نور يخفي الكثير خلف هذه الابتسامة الدائمة التي اعتاد هو أن يقابل بها صديقه الذي تورط مع زوجته في علاقة غرام محرم في السابق، الجامع بين نور وحسن هو قلة الخبرة، وهو ما يتضح على لسان «مرسي ومحمود» خلال الحديث عنهما.
هناك سمة أيضا يتلاقى بها الفيلمان وهي الترحال، حيث يرحل محمود من القاهرة إلى السويس لإنهاء مهمته في السكك الحديدية هناك، وكذلك مرسي الذي يرحل عن زوجته للعمل في الفنار، الترحال في الفيلمين يعني دفع الأحداث وخلق أحداث جديدة تترابط مع ما سبق وتقدم لما هو قادم من أحداث، كما نلتقي الفنار في مقابل القطار وكل منهما يركز على حياة العمال البسيطة، التي يغلب عليها الانغماس في العمل وتباين الشخصيات بين القسوة والرقة.

خيانة آمال وبراءة سعاد
تُصور آمال التي تنخرط في علاقة غرامية «بريئة» مع حسن في صورة الملاك الذي انخرط في الخطيئة نتيجة لتعامل الزوج، في حين تُدان سعاد في عقل مرسي ويحلم بها نور، رغم طهارتها وانتظارها بشغف لعودة زوجها، حيث تُصور سعاد كحواء التي أخرجت أدم\مرسي من الجنة والشيطان الذي أغوى أدم\نور بأكل الفاكهة المحرمة، ولا تظهر براءة سعاد رغم نصاعة أفعالها، ويتم احتواء فعل آمال والتستر عليه وعودتها لزوجها في رد فعل لحسن تعامله وتغير معاملته معها.
لا تعتبر الأدوار النسائية في كلا الفيلمين ذات قرار واضح وملحوظ، في لوعة الحب تكون آمال رد فعل لكل ما يحدث، تنفر من زوجها حينما يعنفها وتقبله حينما يعاملها بلطف، فهي سيدة لا حول لها ولا قوة في هذه الدنيا ولا تستطيع أن تكون سيدة قرارها، في حين تهيم سعاد في حب مرسي وتنتظره في الوقت الذي يفكر هو أنها قد تطبق غوايتها مع نور، تلك الغواية التي لم تمارسها إلا مع زوجها، لكنه أسير ماضيه الملوث.
على صعيد السرد والصورة السينمائية، اعتمد صلاح أبو سيف السرد الخطي لتطور أحداث فيلمه، واحتفظ بالمساحة الآمنة لشخصياته وفيلمه، وهو النهج الذي امتازت به أفلام أبو سيف، خاصة في ظل المدرسة الواقعية وصورة مدير التصوير وديد سري، المعروف بنقاء صورته وجمالها البصري، في حين اعتمد مرزوق على السرد غير الخطي الأشبه بالديكوباج البصري، لحكي أحداث فيلمه وتوظيف الإضاءة والصورة السينمائية واللغة البصرية واستخدام تقنية الفلاش باك بكثافة لخلق عالم خاص وأكثر ذاتية وداخلية في عقلية مرسي، فمنذ افتتاحية الفيلم يقدم مرزوق ومدير التصوير عبد العزيزي فهمي، منتج الفيلم أيضا، صورة بصرية تعكس حالة التوجس التي تنتاب مرسي بعد قضاء لحظات سعيدة مع زوجته سعاد.
كما استعان كل من المخرجين بالرمزيات، في فيلم «لوعة الحب» تمثل القطة رمزية للزوجة آمال، التي تخشى من الزوج محمود ولا تستسيغ تصرفاته معها وتنفر منه، أما الكلب والذي يشكل الشق الثاني من عنوان فيلم «زوجتي والكلب» والذي يحضر كرفيق دائم كمرسي وصورة لنور الذي قد يخون في أي لحظة، في مفارقة بين الخيانة المتوقعة والوفاء المعهود به الكلاب تجاه أصحابهم.
لسنا بصدد تقييم الفيلمين أو تجربة صلاح ابو سيف في لوعة الحب وتجربة سعيد مرزوق في زوجتي والكلب أو قولبة أي من الفيلمين في قالب بعينه، فكل فيلم له خصوصيته وملامحه المرهونة بالفترة التي عرض بها، كما أنه نتاج حركة فنية وتصور للسينما مغاير، أبو سيف نتاج ومؤسس لمدرسة وجدت لها طريق وتقبل جماهيري حيث تصوير الواقع بصورة درامية قريبة من المشاهد، في حين ركز مرزوق على النفس الداخلية وما يدور بها من صراعات وتخبطات قد لا يلاحظها أحد إلا المشاهد ذاته، وذلك قبل توجهه لنقد المجتمع بصورة لاذعة في أفلامه التالية، فكل منهما قدم تيمة تكررت ومازالت تلقى رواجا سينمائيا رغم اختلاف المعالجات والرؤى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة