محمد عبد الرحمن
دخل فيلم “صاحب المقام” تاريخ السينما المصرية من باب غير مرتبط بالمحتوى أو تفاصيل العمل نفسه، فقد أصبح أول فيلم مصري يعرض عبر منصات المشاهدة حسب الطلب، وبالفعل انطلق قبل ساعات على منصة شاهد vip التابعة لمجموعة mbc الإعلامية واسعة الانتشار، ليمكننا القول بأن للشريط من روحه نصيب، فالفيلم كان من المقرر عرضه لأول مرة في يناير الماضي ليتأجل لموسم ما بعد عيد الفطر، ثم جاء يد كورونا وأظلمت مصابيح دور السينما، ليتلقى منتجه أحمد السبكي عرضا لم يرفضه من منصة شاهد، ليذهب الشريط في إتجاه مختلف كما فعل البطل “يحيى حسين الرمالي” عندما غير كل مساراته إثر إصابة زوجته بنزيف مفاجئ في المخ بعد أيام من هدمه ضريحا لولي يدعى “سيدي هلال” منتصرا للمادة على الروح، ضاربا بكل التحذيرات عرض الحائط.
نرشح لك: 16 تصريحًا لصناع فيلم “صاحب المقام”
بدون أي حرق للأحداث، فيما يلي أبرز الملاحظات الناتجة عن أول مشاهدة للفيلم وأقول الأولى، لأنه رغم افتقاد مقعد السينما وعبوة البوب كورن، لكن تظل لمنصات المشاهدة ميزة إمكانية إعادة الفرجة في وقت قصير والتحقق مما قد فات المتابع من تفاصيل.
– الفيلم يتحدث عن تأثير الصوفية وأولياء الله في المصريين، وهو بالفعل موضوع جديد تماما يستحق الإهتمام، وفي نفس الوقت نحن أمام فيلم اجتماعي مناسب للأسرة العربية ويحكي “حدوتة” بسيطة من خلال رحلة البطل الروحية لإنقاذ زوجته بعدما صدق أن الإنقاذ لن يكون طبيا فقط.
– إبراهيم عيسى في ثالث أفلامه يتفادى لأول مرة الاتهام المتكرر بأنه يكتب ليضع كلامه الشخصي على ألسنة الأبطال، فالتجربة الثالثة مختلفة كثيرا عن “مولانا” و”الضيف”، وتقديري أن الأعمال المقبلة للكاتب الكبير ستذهب في اتجاهات أكثر تنوعا مع الاحتفاظ بميزة تقديم قصص وشخصيات غير محروقة سينمائيا، حتى الآن عيسى لا يعيد نفسه وغير متأثر بسينمائيين سبقوه إلى بلاتوهات الفن السابع.
– العنصر الوحيد المشترك بين “الضيف” و”صاحب المقام” هو اسم البطل “يحيى حسين” مع اختلاف العائلة بين “التيجاني” و”الرمالي”.
– الفيلم هو الثالث للمخرج محمد جمال العدل في 10 سنوات، ومن خلال “صاحب المقام” يخطو “ماندو” خطوات واسعة للأمام كمخرج سينمائي خطفته الدراما كثيرا، نجح العدل في الحفاظ على إيقاع الأحداث مشدودا طوال الـ 100 دقيقة، رغم كثرة التفاصيل والشخصيات والانتقال بين المستشفى حيث زوجة البطل ومكتبه وباقي الأماكن التي ذهب إليها لحل المشاكل التي بالجوابات.
نرشح لك: ضريح سيدي هلال.. بين الحقيقة وفيلم صاحب المقام
– موسيقى الفيلم أحد عناصر جاذبيته وقدمها خالد الكمار دون التأثر بموسيقى صوفية شهيرة، كنت أتابع الحوار وأجد الموسيقى تشدني بدون صخب وكأنها رسالة للبحث عن صاحبها، ولم أندهش أنه الكمار الذي قدم العديد من الأعمال المميزة في الأونة الأخيرة، كما أضاف صوت وائل الفشني الكثير للأحداث.
– كادرات مدير التصوير الفنان سامح سليم ومهندس الديكور رامي دراج ومعه مونتير الفيلم رانيا المنتصر بالله، ساعدوا عيسى وماندو في تقديم رؤيتهما للحالة العامة للأحداث والتداخل بين الطبقات والفئات الاجتماعية دون أدنى شعور بالاستسهال أو التكرار، ومستوى الإنتاج بشكل عام يحسب للمنتج أحمد السبكي.
– آسر ياسين يعود لـ”يحيى” مرة أخرى، لكنه ليس “يحيى” الذي يجد رسالة في البحر يبحث عن معناها، وإنما “يحيى” الذي لم يكن يؤمن بالرسائل والعلامات، بذل ياسين مجهودا واضحا في أداء الشخصية وأعتقد أنه كان الخيار الوحيد والأفضل لهذا الدور.
– يسرا ليست بطلة العمل بل سيحتار المشاهد إذا كانت “روح” حقيقية أم متخيلة، خصوصا مع الإفراط في ظهورها للبطل في كل مكان يذهب إليه لحل مشكلة، رغم ذلك فإن النجمة الكبيرة إضافة قوية للفيلم، إضافة تؤكد أن خبرة الممثل الحقيقية تظهر في اختياراته، وليس في قياس مساحة الدور بالمازورة.
– لفتة عظيمة طبعا أن يتصدر اسم يسرا التتر رغم أن البطولة لآسر ياسين، وكان من الممكن كتابته بطريقة تناسب اسمها لكن حسب ما علمت فإن ياسين هو الذي طلب ذلك بنفسه تقديرا لمكانتها الفنية الكبيرة.
– لا أعرف رد فعل بيومي فؤاد عندما عرض عليه لأول مرة أن يظهر كتوأم وكأن انتشاره بات أيضا داخل العمل نفسه، لكنه كالعادة أجاد في الشخصيتين اللتين عكستا تناقض النفس البشرية، وكان مصدرا الضحك في الفيلم.
– أمينة خليل لم تحظَ بمساحة تكفي للحكم على قدراتها كممثلة تتطور باستمرار، لكن اختيارها جاء موفقا كونها الشخصية التي يتسبب غيابها في عودة البطل إلى نفسه.
– في الفيلم نوعان من ضيوف الشرف، من يظهر في لقطة أو مشهد، ومن يستمر بعد الوقت مع البطل، من الصعب التفضيل بينهم فكلهم نجوم كبار قدموا أفضل ما لديهم، لكن الظهور الأخير للراحل إبراهيم نصر كان بمثابة مشهد وداع رفيع المستوى بينه وبين الجمهور.
– إيمان السيد كالعادة قنبلة ضحك، رغم ظهورها الخاطف، وفي رأيي أن عليها تشكيل دويتو مع محمد ثروت تحديدا حيث التناغم بينهما واضحا على الشاشة وفي أكثر من عمل.
– رغم أن طبيعة الفيلم تعتمد على أن المنطق وتسلسل الأحداث في حياة الإنسان لا يمكن أن يسير كما هو طوال الوقت، لكن صناعه حرصوا على ربط الأحداث تمهيدا للوصول لمشهد المواجهة بين آسر ياسين ومحمد لطفي لإنقاذ الفتاة “أمل” غير أنني لم أقتنع بخط “محسن محيي الدين” بالكامل، رغم تبرير تصرفاته بصداقته بالأب، ثم اقتناعه المفاجئ بأن آسر ياسين هو من سينقذ الفتاة وتفكيره في كتابة خطاب بسرعة، كل هذا افتقد للإقناع من وجهة نظري، رغم أنني اقتنعت مثلا بصفعة هالة فاخر وكونها واردة الحدوث.
– كان مهما أن ينتهي الفيلم بإرسال البطل نفسه جوابا للإمام الشافعي، وإلا كانت الجوابات الجديدة ستذهب لعنوان يحيى حسين الرمالي أو آسر ياسين نفسه.
أخيرا.. بعد دقائق من بداية العرض الأول للفيلم عبر شاهد التي وفرت له حملة دعاية غير مسبوقة، أعلنت إحدى منصات قرصنة الأفلام عن توافر الفيلم لديها، لأجدني أسمع آسر ياسين بعد سرقة حذائه في مسجد الحسين “والحسين يزعل مني ليه ما يزعل من اللي سرق الفيلم”.