وسط تحديات كبيرة، وبحث عن بريقه المفقود
تحديات كبيرة يواجهها مهرجان برلين السينمائي الدولي خلال فعاليات نسخته الـ70، الذي انطلقت فعالياته الخميس 20 فبراير، وتستمر حتى الأول من مارس في العاصمة الألمانية. حيث يحاول القائمون على الحدث السينمائي الأبرز في أوروبا البحث عن بريق «برليناله» المفقود منذ فترة، وهو اختبار صعب يقع على عاتق الوافد الجديد كارلو شاتريان (48 عاما)، مدير المهرجان الذي شغل المنصب نفسه لمهرجان لوكارنو السينمائي، والمديرة التنفيذية مارييت ريسينبيك (63 عاما)، التي تدير الجانب التجاري من المهرجان، والقادمين خلفا للناقد السينمائي الألماني المخضرم ديتر كوسليك، الذي كان يدير برلين منذ 20 عامًا تقريبًا، وأتهم مؤخراً بمعاداة المخرجين الألمان. وهو إجراء جريء تقول عنه أندريا هاوسمان، الأستاذ بمعهد إدارة الفنون في لودفيغسبورج، أن فكرة تغيير الحكام الاستبداديين الذين يديرون مؤسسات ثقافية بدأت في التغيير. وكان من بين هذه الإجراءات، وقف منح جائزة تحمل اسم رئيس المهرجان الأول ألفريد باور، وذلك عقب خروج تقارير صحفية ألمانية تؤكد أن «باور» كان له ماض نازي، حيث كان قياديا رفيع المستوى في القطاع السينمائي النازي.
يأمل الكثيرون في أن يساعد ذلك الاجراء في إعادة إحياء برليناله، الذي يُعد واحداً من أهم مهرجانات الأفلام في أوروبا، لكنه واجه مؤخرًا اتهامات بعدم القدرة على التنظيم واختيار الأعمال المشاركة بعناية. وقال «شاتريان» في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أن التقسيم الهيكلي الجديد في بنية إدارة المهرجان سمح له بتتبع مقارنة تنسيقية أكثر من سلفه، ديتر كوسليك، الذي أشرف على المهرجان وحده لمدة 18 عامًا. حيث يعمل «شاتريان» على توسع المهرجان بشكل كبير في الحجم والنطاق. من جانبها، قالت «ريسينبيك» أن الجميع كان يدرك أن « كوسليك» كان لديه الكثير من الأشياء العالقة على طاولته. وأضافت: «إذا نمت الأنشطة وقتًا تلو الآخر، فأنت بحاجة إلى تغيير الهيكل حتى يتمكن الأشخاص من التعامل مع حجم العمل».
وعلى الرغم من تمتع «برليناله» بعلاقات عميقة مع صناعة السينما الصينية، حيث يُعد المهرجان الألماني أول حدث أوروبي كبير يعرض فيلماً صينياً في مسابقته الرئيسة عام 1957، وأيضًا أول من يمنح لقب لعمل صيني في عام 1988. إلا أن النسخة المقبلة لن تشهد مشاركة المشترين والبائعين الصينيين في سوق الأفلام الأوروبية الذي يحتضنه المهرجان. السبب في ذلك يعود إلى صعوبة الحصول على التأشيرات بجانب تعليمات الحكومة الصينية لتجنب السفر غير الضروري، في حين أعرب آخرون عن قلقهم من أن السينمائيين الأوروبيين قد يتجنبونهم ويتعاملون معهم كمصدر عدوى محتمل غير مرغوب فيه على أرض السوق، الذي قد يتعرض لهزة عنيفة هذا العام وسط غياب الصين.
وهناك تحد آخر متمثل في موعد عقد المهرجان السنوي، حيث يأتي برليناله بعد أيام قليلة من توزيع جوائز الأوسكار وانتهاء الموسم، ويُعد الحدث السينمائي الأوروبي الأول خلال الموسم ما يدفع الكثير من صناع الأفلام والموزعين لتجنب المشاركة والعمل على طرح المشاريع في أسواق «كان» و»فينيسيا» اللذين يتمتعان بسوق واهتمام أقوى من نظيره الألماني.
ويعرض في «برليناله» هذا العام وعلى مدار 10 أيام نحو 340 فيلما من شتى أنحاء العالم، حيث يشارك 18 فيلما في المسابقة الرسمية للمهرجان ويوزع الباقي على أقسام المهرجان المختلفة.وقد تم استحداث قسم جديد يحمل أسم «Encounters»، مكرسًا للأعمال الجريئة من الناحية الجمالية والهيكلية من صناع أفلام مستقلين ومبدعين.
ويُعد فيلم المخرج الأفغاني الألماني برهان قرباني «Berlin Alexanderplatz» واحدا من أهم المشاريع المرتقبة هذا الموسم. القصة إعادة تكيف للرواية الكلاسيكية التي تحمل الاسم نفسه للكاتب الألماني ألفريد دولبين. تدور أحداثها في أواخر عشرينيات القرن الماضي، حيث تم إطلاق سراح فرانز بيبركوف من السجن ويتعهد بالاستقامة. ومع ذلك، سرعان ما يجد نفسه متورطًا في العالم الإجرامي للمدينة.
ويشارك النجوم خافيير بارديم وإيلي فانينج وسلمي حايك بفيلم «The Roads Not Take» للمخرجة سالي بورتر، وكذلك ويليم دافو في فيلم «Siberia» للمخرج الأميركي أبيل فيريرا، وكذلك جوني ديب كمصور يكشف النقاب عن الدمار البيئي في اليابان بعد الحرب في فيلم «Minamata» لآندرو ليفيتاس. والاستثناء الوحيد التجاري هذا العام هو فيلم الرسوم المتحركة الأميركي «Onward»، والذي يقوم ببطولته الصوتية كريس بريت وتوم هولاند، حيث سيكون العرض العالمي الأول له في منافسات أفلام برلين هذا العام. وسيعرض المخرج الإيطالي المخضرم ماتيو جاروني فيلمه «Pinocchio» للنجم روبرتو بينيني في دور «جيبيتو»، وهو الفيلم الذي حقق نجاحًا هائلاً في إيطاليا، وأرباحا تقدر بـ16.5 مليون دولار، وسيكون العرض الدولي الأول له في برلين ليتم تسويقه بعدها إلى السوق الأوروبي.
ويقام عرض للسلسلة الوثائقية «Hillary» للمخرجة نانيت بورشتاين، التي عرضت لأول مرة خلال مهرجان صندانس السينمائي الشهر الماضي. تلقي السلسلة نظرة على حياة وأعمال هيلاري رودهام كلينتون، التي تقدم مزيجا من فصول سيرتها الذاتية مع لقطات من وراء الكواليس لحملتها الرئاسية عام 2016، إن هذه السلسلة تغوص في صعود كلينتون لتصبح واحدة من أكبر الأسماء في العالم السياسي، وهو اسم يحظى بالإعجاب والتشهير في وقت واحد.
اختير فيلم الدراما «My Salinger Year» للمخرج الكندي الشهير فيليب فالاردو، لافتتاح النسخة الـ70 من مهرجان برلين السينمائي. أحداث الفيلم مستندة الى رواية تحمل الاسم نفسه للكاتبة الأمريكية جوانا سميث راكوف، تدور حول شاعرة طموحة تسمى جوانا (مارجريت كوالي)، تعمل كمساعدة لأديبة شهيرة تدعى مارجريت (سيجورني ويفر)، تتمثل وظيفة جوانا الرئيسية في الرد على بريد المعجبين الموجه إلى الكاتبة، المعروفة باسم «J.D. Salinger».
وقال كارلو شاتريان، المدير الفني للمهرجان عن الفيلم، أنه يقدم قصة تأخذ وجهة نظر البطل الذي يتمتع بمنظور جديد، ليس ساذجًا بأي حال من الأحوال. وذكر أن فيليب فالاردو، يصور العالم الأدبي الصغير لمدينة نيويورك في التسعينيات بروح الدعابة، لكنه لا ينسى أبدًا القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه أو الدور الموحد الذي يلعبه الفن في كل حياتنا.
وسيختتم المهرجان فعالياته بعرض شريط المخرج الألماني المخضرم مايكل فيرهوفن «O.K»، الذي عرض نسخة «برليناله» لعام 1970، حيث أثار جدلاً واسعا وسط أعضاء هيئة التحكيم الذين عدوه معادية لأميركا. وقد أدى ذلك إلى عدم منح جوائز كبرى خلال المهرجان.