«ستيفان زفايغ».. حياة صاخبة و موت هادئ

ليلى عبد الله*

ساعدتنا الترجمات في التعرف على أسماء كثيرة من الأدباء العالميين الذين عايشوا فترة زمنية غير التي نعيشها الآن. ومن بين أهم الفترات التي ميزت القرن العشرين هي فترة الحرب العالمية الأولى و الثانية. ورغم أنها فترة حرب و اقتتال إلا أن المنتج الأدبي كان زاخرا. و من بين الأدباء العالميين الذين عانوا من ويلات الحرب الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ (1881-1942) و الذي يعد من بين احد الكتاب الأكثر قراءة في العالم و الذي تمت ترجمة أعماله إلى جل لغات العالم نذكر على سبيل المثال لا الحصر كلاعب الشطرنج و السر الحارق و أربع و عشرين ساعة من حياة امرأة.
بدأ زفايغ عمله كمترجم لبعض أعمال الروائيين العالميين من أدب و شعر و سيرة ذاتية, ساعده هذا العمل على الانتشار أكثر في الحقل الأدبي الألماني. فقد غادر النمسا مبكرا إلى ألمانيا ثم باريس و لندن فأمريكا و أخيرا البرازيل, اشتهر ستيفان زفايغ بكتابة النوفيلا أو الرواية من الحجم الصغير.

الموت
سنبدأ حديثنا عن زفايغ من خلال الحدث الأبرز الذي وسم حياته وهو الطريقة التي مات بها, قرر الكاتب أن ينهي حياته رفقة زوجته فانتحرا معا من خلال تناول جرعة كبيرة من الأقراص المنومة. يمكننا القول بأن موت زفايغ كان من أكثر الميتات تخطيطا و رومانسية إن صح التعبير, فقبل أن يقدم على الانتحار قام بكتابة بعض الرسائل لتوديع أصدقائه، من بينها رسالة إلى السلطات البرازيلية يعلمهم أن انتحاره كان بكامل إرادته.
ما لدي من طاقات قد استنزفتها أعوام التشرد المديدة, لذلك من الأفضل في اعتقادي أن أختم في الوقت المناسب, و أنا منتصب القامة.» كان هذا جزء من الرسالة التي تركها زفايغ قبل أن يغادر الحياة , فلم يكن انتحار الكاتب النمساوي بسبب الحاجة أو الفقر بل بسبب انه لم يعد يستطيع استيعاب كل هذه الحروب و الخيبات النفسية التي عاشها منذ أن غادر النمسا. غادر زفايغ الحياة خلسة دون ضوضاء أو جلب الانتباه على عكس الحياة التي عاشها و التي شهدت اضطرابات كثيرة.

الحياة
عكس موته الهادئ، كانت حياته صاخبة مليئة بالسفر من بلد إلى آخر, غادر النمسا إلى ألمانيا ثم إلى فرنسا. تشرد زفايغ من بلد أوروبي إلى آخر. فلم يستقر في بلد محدد إلى أن تمت ملاحقته من طرف القوات النازية و ذلك بتهمة عدائه للسامية. تم منع نشر أعماله في ألمانيا وذلك بسبب انه من أصول يهودية بل زاد الأمر سوءا عندما قررت الحكومة الألمانية حرق جميع مؤلفاته. و إثر هذه الحادثة قرر زفايغ السفر بعيدا حيث استقر في البرازيل. إتقانه لعدد من اللغات، مكنه من العيش في أغلب مدن أوروبا، و هو الذي كان يحلم بأوروبا موحدة خالية من الحروب و الضغائن لكن كوارث الحربين العالميتين قد أحبطت هذه الفكرة مثل ما شتت حياته.
مثلت الكتابة العزاء الوحيد لدى زفايغ حيث اتجه إلى كتابة القصة أو النوفيلا. فكان عدد النصوص التي كتبها كبيرا تمت ترجمة الكثير منه و تحويل بعضها إلى أفلام و مسرحيات.

الأدب
عرف زفايغ كشاعر أولا ثم انتقل إلى السرد عبر كتابة الرواية القصيرة. اتسمت رواياته بهيمنة صوت السارد، فكثيرا ما يكون الأبطال هم الصوت الذي يسرد الأحداث و يصف ما يجري مع بقية الشخصيات. من أشهر النوفيلات التي كتبها في ظرف غريب هي «لاعب الشطرنج» فهي لم تتعد 80 صفحة. كتبها زفايغ قبل انتحاره بأيام ثم أرسلها الى صديقه كاتبا له في رسالة: هذا نص لا يمكن أن ينشر في كتاب و لا يصلح أن ينشر في صحيفة. لكن بعد انتحاره تم نشر القصة في كتاب لاقى رواجا كبيرا و تمت ترجمته إلى لغات عديدة.
من بين أهم أعماله أيضا «أربع و عشرين ساعة في حياة امرأة» انتقد فيه العادات البرجوازية و التقاليد التي تقيد حرية المرأة تحت ما يسمى بالأخلاق و الفضيلة. ومن قصصه الأخرى التي تناولت موضوع المرأة هي « رسالة من امرأة مجهولة» و الذي تحول إلي فيلم مصري و القليل هم من يعلمون أن هذا الفيلم قد تم اقتباسه من هذه الرواية لستيفان زفايغ.
كما انه تم نشر أكثر من نوفيلا في كتاب واحد و ذلك بسبب قصرها فهي غالبا لم تتجاوز الأربعين صفحة. و لكن لأهميتها لم يتم إغفال ترجمتها و نشرت في شكل مزدوج مثل «مانديل بائع الكتب القديمة» و «هل فعلها؟.»
لا تزال أعمال زفايغ تترجم حد يومنا هذا و من بين العناوين التي ترجمت حديثا هي «هل فعلها؟» لرمزي بن رحومة و «الليلة العجيبة» لوليد احمد الفرشيشي و «التحول» لأشرف القرقني و قد تبنت دار مسكيلياني على عاتقها ترجمة هذه الأعمال و نشرها.

*كاتبة تونسية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة