أحلام يوسف
ان استطعت ان تؤلف بين روحين تسلل اليهما البغض، فانت بذا فنان كبير. الفن مهارة لا يجيدها الا من حباه الله بموهبة ما، وكلها تصب في خانة التعبير عن المكنون من أحاسيس وانفعالات.
تقول الشاعرة الغنائية والممثلة الفرنسية كاميلي «ان الفن شكل من أشكال الكفاح من أجل الاستيقاظ من كابوس الطبيعة». الكثير منا يلجأ الى ممارسة هوايته للاستمتاع بوقت يكون خلاله في دائرة فنه وموهبته، لتكون مسكنه المؤقت الذي صممه وشكّله حسبما يريد ويطمح، وكأنه يمنح نفسه اجازة من الواقع او الحياة التي يعيشها، مهما تكن طبيعتها، فليس الحزين والمكتئب وحده من يطمح الى تغيير حياته وايجاد نمط جديد لها.
كذلك الشاعر الذي يترجم انفعالاته سواء الايجابية منها او السلبية، من خلال كلمات تنزل على خياله كالمطر لتزهر بستانا من جمل شاعرية تنساب على لسانه لتدونها اصابعه، وهو بذا قد يكون نفض بعضا من حزنه، او يكون قد عزز شيئا من سعادته.
الفنان التشكيلي يهرب احيانا من واقع، الى واقع آخر، يحاول من خلال لوحاته ان يضفي شيئا من الجمال اليه، بواسطة اللون، او الانحناءات التي يختارها لتفاصيل لوحته، فيمزج ما بين الواقع المعاش والواقع المتخيل، ليعلن ولادة حياة اخرى تتمثل بلوحته.
تتجلى روح الفن الحقيقية اينما وجدت الحرية، فالحرية تتيح لك التعبير كيفما تشعر وتحس وكيفما تريد، وتمنحك فضاءات شاسعة لا تحدها حدود، فضاءات كونية تستطيع بها ان تنشيء عالما خاصا بك من الالوان والكلمات والجمل الموسيقية.
لذلك فقد يكون الانسان القديم الذي دوّن تفاصيل حياته، وقص حكايات لمن خَلَفه على جدران الكهوف اكثرنا ابداعا و..فنا. فلم تقيده اعراف، ولم تكبله تقاليد، ولم تخفه سلطات، فكان ان دوّن، معاناته وفرحه وحروبه مثلما اراد ومثلما وجدهـا واحسّهـا.
الفن احساس يشذبه ويعمقه الوعي والادراك، ويحيله الى عجينة طيعة، يشكلها بالطريقة التي يريد ويمد خيوطه الملونة التي يغزلها حتى من أحلك الالوان لتصل الى اعماق نفسه، كما اعماق محيطه، ليعرف تماما كيفية الوصول الى حياة اخرى من خلال لوحة او قصيدة غنائية او ربما رقصة باليه.
كلنا تتلبسنا روح الفنان بصورة معينة من دون ان نعي حقيقة ما يحدث، يتراءى ونحن نخفف من الم شخص ما، وحينما نعثر على عكاز وقت الشدائد ليمنعنا من السقوط، كما يساعدنا على النهوض من جديد.
في كل مرة تكبو وتنهض من جديد، تكون قد استدعيت روح الفنان داخلك.