المسرح المدرسي.. روض خصيب للمواهب التي تجلت واشرقت في باحة المدرسة

سمير خليل

المسرح العراقي، كان ومنذ بواكير ولادته غزيرا بتنوعه وتعدد اشكاله. ولعل المسرح المدرسي كان وما يزال صورة زاهية من صور هذا المسرح العريق، والمسرح المدرسي يختلف عن غيره من عائلة المسرح، بانه يعتمد على ادوات غضة من البراعم الموهوبة ويتعامل مع الصغار الذين يشكلون دعامة هذا المسرح، كما ارتبط هذا المسرح بالمدرسة التي تضم هذه البراعم، ويرتبط الاثنان، المسرح والمدرسة برباط تربوي فني اخلاقي يؤطر العلاقة بينهما برباط سليم يمنح الاثنين ديمومة رائعة.
ومنذ نشوء المدرسة ككيان تربوي ومؤسسة اجتماعية تعنى بالنشء وتسهم بتربيته وتعليمه، هذا النظام الحياتي (المدرسة) يلازم حياة الناشئة من سن السنوات الست وحتى الثامنة عشرة، بمعنى ان على الانسان ان يعيش داخل هذه المؤسسة الاجبارية اثني عشر عاما او يزيد.
وعادة ما يكون الطالب خلال سني المدرسة عرضة للمتغيرات والتطورات الفسلجية والاجتماعية، كما يرافق الطالب في هذه المرحلة تفتح وانطلاق ارهاصاته النفسية التي تتلبس اشكالا عديدة جسمانية ونفسية وفكرية، ومن هذه الارهاصات النزوح نحو الفن والادب كتذوق وموهبة، لذلك اصبحت هذه المدرسة مرسما ومسرحا وفضاء للموسيقى والغناء، ولما كانت هذه المدرسة هي ابنة المجتمعات فمن الطبيعي ان تكون مرآة امينة لهذه المجتمعات في تفكيرها وسلوكها، وعادة ما تشع هذه المجتمعات بصفاتها على المدرسة كما تصبح الاخيرة هي المؤشر الحقيقي لانفتاح او انغلاق اي مجتمع.
ولما كان الفن عموما والمسرح خاصة كحرفة وهواية يواجه موانع كثيرة خاصة في المجتمعات الشرقية التي تعتقد ان الفن ومسرحه قد يساعد على التحلل الاخلاقي والاجتماعي لذلك يواجه الطالب صعوبة في اطلاق موهبته ونشرها بين الناس داخل هذه المجتمعات، لكن المدرسة سهلت هذا الامر فصارت الروض الخصيب للمواهب المسرحية التي تجلت واشرقت في باحة المدرسة وسط اعجاب التلاميذ الاخرين الذين يملكون الكثير مما لا يمكن البوح به، من هنا اصبحت المدرسة تحت طائلة المسؤولية برعاية هذه المواهب والحفاظ عليها ومساعدتها كي تنطلق في عالم المسرح الرحيب..
وللأخذ بيد الطالب الموهوب بالمسرح والفنون الاخرى كان على المؤسسة الام التي ترعى الجوانب العلمية والتربوية والفنية والثقافية في المدرسة واقصد هنا وزارة التربية، ان تضع الخطط والبرامج الخاصة بإبداعات الطلبة فأوجدت اقساما خاصة بالأنشطة المدرسية حملت اسم النشاط المدرسي الذي يعنى بارهاصات وابداعات الطلبة الفنية والثقافية ومن صميم عمل النشاط المدرسي رعاية المواهب والاشراف على تفتقها وبلورتها واقعا مرئيا ممتعا، ولم تكتمل مهمة هذا النشاط المدرسي المسرحية تحديدا الا بوجود المشرف الفني ذي الاختصاص المسرحي والذي عادة ما يكون ضيفا عزيزا على طلبة المدارس، هذا المشرف يجب ان يلم بقدر من الخبرة والدراية المسرحية المضافة الى شهادته الاكاديمية مع امتلاكه التجربة التربوية كي تكتمل حلقات مهمته بان يكون عرابا للموهبة المسرحية لدى الطلبة.
ولا نضيف جديدا اذا استعرضنا اسماء لامعة نثرت الالق والابداع في المشهد المسرحي العراقي كانت قد خرجت من رداء المسرح المدرسي وتشهد بذلك الايام الخوالي من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ايام كانت المسارح تزهو بالعروض المسرحية الطلابية اضافة للمهرجانات المسرحية المدرسية التي كانت كرنفالات فرح ينتظرها عشاقها كل عام، كما ان هذه المهرجانات كانت اعلانا شجاعا عن ولادة المواهب المسرحية التي اضاءت خشبة المسرح العراقي الام.
لسنوات مظلمة مرت وفي ظل خفوت اضواء المسرح العراقي التي احاطتها مخالب الارهاب وتراجع الوعي الاجتماعي، تحرك مسرحنا ومبدعوه وسط دائرة حذرة تباعدت فيها العروض المسرحية التي صارت عنوانا للمناسبات والمهرجانات، لكن المسرح المدرسي ظل يمتلك فسحة العمل والتنفس طالما تحميه جدران المدرسة، لما يحمله من براءة ونقاء مؤطرة باطار التربية التي تمنحه سمة المرور الى ذائقة الناس بوصفه يتوهج داخل اطار الهواية وبعيدا عن الاحتراف والتجارة اضافة للدور الذي يلعبه هذا المسرح بالكشف عن المواهب الادبية والتشكيلية والموسيقية المدرسية التي تستظل بافياء المسرح المدرسي.
النشاط المدرسي في وزارة التربية يسعى لترسيخ الق مسرح المدرسة من خلال وضع برنامج سنوي يوزع على اقسام النشاط المدرسي في مديريات التربية على مستوى العراق وهذا البرنامج يتضمن مهرجانات مسرحية قطاعية على مستوى قطاعات كل مديرية تربية على حدة ،اضافة للمهرجانات المسرحية التي تقام سنويا على مستوى مدارس العراق وتشهد تنافسا بين عموم هذه المديريات، كما اقيمت بشكل سنوي مهرجانات مسرحية خاصة بمشرفي اقسام النشاط المدرسي والمعلمين والمدرسين حصرا تعرض فيه مسرحيات بمواضيع متنوعة لا تخلو ثيماتها من قيم تربوية واخلاقية، وجميع هذه المهرجانات المدرسية وان لبست لبوس المنهجية الوظيفية الا انها تبشر بالتماعات فنية تكشف عن مواهب مدفونة من المدرسين والمعلمين والمشرفين والطلبة ومن الجنسين يمكن ان تشكل نواة مسرحية رائعة، الامر الذي الزم مديريات التربية على تخصيص اعتمادات مالية لأقسام النشاط المدرسي من اجل الايفاء بمفردات الخطة السنوية التي تتضمن المشاركة في الانشطة المسرحية، كما ان هذه المهرجانات تحفز وزارة التربية بكونها الجهة الراعية للمسرح المدرسي على ايلاء هذا المرفق التربوي الاهتمام المطلوب وتضعه في المقام الاول من خططها التربوية ليظل المسرح المدرسي ينبوعا للقيم والمثل والاخلاق والوطنية وبالتالي كي ترى المواهب التي تزخر بها صفوف المدرسة النور لتضيء خشبة المسرح العراقي في مقبل الايام.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة