سامي حسن*
عاصرت الزميل الراحل كامل السماوي بعد تعيينه في جريدة «الصباح الجديد» بشهور عدة ، جذبني إليه دفء الحديث والهدوء الذي كان يمتاز به في عمله الصحفي كرئيس لقسم الرياضة، حينما كان يحاول بين ساعة وساعة أخرى أن يطلب فنجانا من الشاي او القهوة.
يومها عرفت مسيرته في الصحافة العراقية، وما يحمله من حزن دفين عما يجري في بلده من محسوبية ومنسوبية وفساد تركز في جميع مفاصل الدولة، لم يطلب سوى حقوقه وحقوق عائلته المسلوبة لكي يعيش بهدوء وسلام ويربي ولده حيدر التربية اللائقة ويوصله إلى ما يطمح إليه في سلم الدراسة، بعد ان فني من عمره الكثير وهو يكافح من اجل النجاح والوصول إلى مبتغاه.
حدثني يوما ان ما يراه من مستقبل مظلم يعيش فيه وبقية اقرانه من الصحفيين، لكنه كان يعيش الأمل الذي يرنو إليه فيرى من خلال ذلك ومضة الضوء في اخر النفق المظلم .. قال انه يريد السفر إلى دمشق العاصمة السورية التي لجأت اليها ابنته وعائلتها ، ويوم اطلعته انني ايضا اطمح إلى السفر إلى هناك لكي ارى احفادي الذين ابعدتهم الظروف الصعبة عن الوطن ، فكانت القشة التي اراد بها ان يطفو فوق سطح البحر الهائج، وفعلا شددنا الرحال الى هناك وقضينا اسبوعا في دمشق .. افترقنا في بداية وصولنا والتقينا في نهاية الرحلة للعودة الى الديار..
كان كثير الخوف والتوجس على عائلته وزوجته ..ولده في بغداد .. وابنته المتزوجة في دمشق مع اولادها لرهافة احاسيسه ودماثة اخلاقه، التي ولدت الصمت .. ثم الصمت المطبق ، فواصل الليل بالنهار من اجل ان يحقق ما يصبو إليه من مستقبل لائق بهم ، فيردد ( لو تجري جري الوحوش .. غير رزقك ما تحوش ).
فكانت له كلمة مأثورة، اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب .. خليها على الله الرب الكريم هو المعطي الرزاق ..
من المصادفات الغريبة التي عاصرتها معه بعد تركه العمل في الجريدة انه بين الحين والحين الآخر يرن هاتفي المحمول ، فارد عليه عيني ابو حيدر .. كان يرد بسرعة لماذا تأخرت عن المجيء إلى بغداد ونحن بانتظارك منذ الصباح الباكر ، عيني ابو حيدر انا سامي ابو احمد زميلك في الجريدة ، فما اسمع منه الا كركرة من الضحك المتواصل وهو يقدم العذر تلو الاخر بانه يتصل بشقيقه سامي في السماوة ، وانه يتأسف مرة أخرى لأنه يسبب لي الازعاج في هذا الامر … فارد عليه لا عليك يا ابا حيدر في الاقل ان هذه المفارقة تجعلني اسمع صوتك بشكل دائم ، وياحبذا لو تكرر ذلك على مر الايام ..
وفي الختام اقول .. انقطعت اخباره في الآونة الاخيرة .. وما بين مشاغل الحياة والعمل ومتطلبات الاسرة فكنت اؤجل زيارته، حتى وافته المنية في غفلة من الزمن الصعب .. فكان ندمي لا يغتفر .. اسكن الله صديقي فسيح جناته وألهم اهله وذويه الصبر والسلوان.
- من أسرة تحرير «الصباح الجديد»