وداعاً أيها الفقر..
متابعة الصباح الجديد:
نشرت مجلة «وايرد» الاميريكية تقريرًا أوردت فيه ستة توقعات لما يمكن أن يكون عليه العالم في عام 2030، تتوقع فيها أن تقام مستعمرة على القمر، ويستعمل العالم محطات نووية صغيرة للغاية، وينتهي الفقر على ظهر الكوكب، وتنظم الرحلات للمريخ، وتتوافر الكثير من المواد الجينية على نحوٍ يسهل نوعًا من المراقبة الوراثية الجماعية.
غير أن كل ذلك ستخيم عليه ظلال قاتمة سيفرزها التغير المناخي، الذي ربما يجعل الحياة صعبة على الأرض، ما لم تخفّض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف.
في البداية تقر هيئة تحرير المجلة بأن التنبؤ بالمستقبل أمر صعب، لكن هذا لا يمنع الناس من المحاولة، وخاصة من يدعى إيلون ماسك، فهو خير من يعلم أن الجرأة هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تُحِيل القلاع المتخيلة إلى قلاعٍ من الخرسانة (أو الخشب أو القرميد أو المعدن).
في هذه القائمة جمعت مجلة «وايرد» حفنة من الأهداف بعيدة المدى التي تشكل إطارًا لما يمكن توقعه في العقد المقبل. مثل مستعمرات الفضاء، والتوسع الهائل في تسلسل «الجينوم»، ومحطات الطاقة النووية الصغيرة، وليس من السابق لأوانه أبدًا البدء في تحميل صُنَّاع الوعود المسؤولية عن مزاعمهم. على أية حال حتى الملياردير يحتاج إلى صديق يضعه موضع المساءلة.
قاعدة القمر
عندما غادر آخر شخص القمر في عام 1972 لم يتنبأ سوى قليل من الناس بأن البشر لن يعودوا إليه لمدة 50 عامًا أخرى، لكن وكالة «ناسا» تقول: «إن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة».
تخطط الوكالة لإرسال بعثة مأهولة إلى القمر في عام 2024، وهذه المرة تريد أن تبقى البعثة هناك. تدور فكرة بعثة «أرتميس (Artemis)» حول وضع الأساس لوجود بشري دائم على سطح القمر وحوله، وهذا سيكون بمنزلة نقطة انطلاق لرحلة الوكالة إلى المريخ.
ليس من الجنون الاعتقاد بأن «ناسا» قد تنشئ قاعدة دائمة على القمر بحلول عام 2030.
عندما أُعلِن عن «أرتميس» لأول مرة أثارت شكوكًا عديدة؛ فالوكالة تريد استعمال صاروخ لم يخضع لتجربة الطيران بعد، وهي تفتقر إلى الأموال المطلوبة لبعثة القمر. وهناك قائمة طويلة من الأسباب الأخرى، ولكن هذا العام خطت «ناسا» خطوات كبيرة باتجاه البعثة. اختارت الوكالة حفنة من الشركات لتصنيع مكونات لبوابة القمر، وهي محطة فضائية ستكون في مدار حول القمر، وطلبت تصميمات لمركبة تهبط على القمر.
وإذا نجحت «ناسا» في الوصول إلى هدفها في عام 2024 بإرسال بعثة مأهولة إلى القمر، فليس من الجنون الاعتقاد بأنها قد تنشئ قاعدة دائمة على القمر بحلول عام 2030.
نهاية العالم بسبب المناخ
في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 حذرت الأمم المتحدة من أن المهلة المتاحة أمام البشرية لتجنب التغير المناخي الكارثي لا تتجاوز 12 سنة. هذا يعني أنه بحلول عام 2030 سوف نحتاج إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية إلى النصف، وهي ليست مهمة صعبة، بل بالغة الصعوبة بالنظر إلى أن الانبعاثات ما تزال ترتفع عامًا بعد عام.
وإحقاقًا للحق فإن العالم لن ينتهي فجأة في الأول من يناير (كانون الثاني) 2030، إذا لم نحقق هذا الهدف. لكن التقرير صحيح ودقيق في شعاره: فكلما أسرعنا في التحول إلى اقتصاد عالمي يجري تشغيله باستعمال الطاقة المتجددة، كان بإمكاننا تخفيف العواقب التي تتمثل في عواصف أقوى وارتفاع مياه البحار وحرائق الغابات الشديدة.
فماذا يمكننا أن نفعل؟ أولًا، نحن نحتاج إلى فرض ضرائب الكربون في جميع أنحاء العالم: «إذا أردت إطلاق غازات الاحتباس الحراري فسوف تدفع رسومًا»، مما يحفز على اعتماد الطاقة الخضراء. كما ينبغي علينا أن ندعم على نطاق واسع استعمال ألواح الطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.
ويتعين علينا أيضاً تعزيز النقل العام وإعادة تصميم المدن لتقليل استعمال السيارات. وتحتاج وحدات تكييف الهواء أيضًا إلى إعادة تصميم أساسية لتكون أكثر كفاءة أو تقوم بعزل ثاني أكسيد الكربون عند 22 درجة، حيث يرتفع الطلب عليها تماشيًا مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
ملايين الجينومات
إذا كنت تعتقد أنك تعيش حاليًا في العصر الذهبي لأبحاث الحمض النووي عاود التفكير مرة أخرى؛ إذ سيشهد العقد المقبل طفرة تفوق مائة ضعف من الناتج العالمي للبيانات الوراثية البشرية. وسيعمل انخفاض التكاليف على نقل اختبارات الحمض النووي من مختبرات البحوث إلى الممارسة الطبية السائدة.
ومن المتوقع أن تنتج هذا النوع من المشاريع القائمة على السكان في أكثر من عشرة بلدان، ومن بينها الولايات المتحدة، 60 مليون جينوم بحلول عام 2025. وبحلول عام 2030، تأمل الصين في إضافة 100 مليون أخرى من مبادرة الطب الدقيق الخاصة بها.
تشبع العالم بالبيانات الوراثية
تأثير هذا الأمر يصعب حتى تخيله. فحتى الآن، لم يُسجَّل تسلسل الجينوم بالكامل إلا لنحو مليون شخص. وهي ليست مجموعة شديدة التنوع. لكن ستسمح المزيد من البيانات من جميع أنحاء العالم بإجراء تحليلات أكثر قوة ودقة لكيفية تشكيل الجينات للصحة والسلوك. وتعد مجموعات البيانات الجينية الكبيرة جدًا مثالية بالنسبة لأسلوب جديد يسمى العشوائية المندلية (Mendelian randomization)، والتي تحاكي التجارب الإكلينيكية، مما يسمح للباحثين بتفكيك الأسباب والروابط. كما أن العينات الأكبر ستمكّن أيضًا من التنبؤ بالسمات المعقدة من الحمض النووي مثل الطول أو القابلية للإصابة بأمراض القلب.
غير أن تشبع العالم بالبيانات الوراثية على هذا النحو سيأتي بمخاطر جديدة. إذ بدأت تلوح في الأفق حالات المراقبة الوراثية ونهاية الخصوصية الوراثية. وربما يساعد التقدم التقني في تشفير الجينوم في تخفيف بعض هذه التهديدات. ولكن القوانين الجديدة سوف تحتاج إلى الحفاظ على مخاطر وفوائد ذلك الكم الكبير من المعرفة الجينية في حالة من التوازن.
محطات الطاقة النووية
الصغيرة جداً
بحلول عام 2030 ستكون محطة «فوجتيل» للطاقة في جورجيا، وهي المحطة الوحيدة للطاقة النووية قيد الإنشاء حاليًا في الولايات المتحدة، قد عملت لبضع سنوات. من المحتمل أن تكون محطة الطاقة النووية الجديدة الوحيدة على هذا النطاق التي تبدأ العمل خلال العقد، لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة تتخلى عن الطاقة الانشطارية. بدلًا عن ذلك، توقع أن ترى بداية ظهور مفاعلات نووية صغيرة.يمكن بناء هذه المفاعلات المتقدمة بأعداد كبيرة، ونقلها بسهولة في أي مكان بالبلاد، بغض النظر عن مدى بعدها.
ولأنها لا تزيد على جزء صغير من حجم مفاعل نووي أنموذجي، يمكن بناء هذه المفاعلات المتقدمة بأعداد كبيرة، ونقلها بسهولة في أي مكان بالبلاد، بغض النظر عن مدى بعدها. ويجب أن تبدأ المفاعلات الصغيرة الأولى، التي طورتها شركة تدعى «نيوسكيل باور (NuScale Power)»، في تقسيم الذرات في مختبرات إيداهو الوطنية في عام 2026. وتعمل وزارة الطاقة أيضًا على الحصول على مفاعلات أصغر حجمًا، تُعرف باسم المفاعلات الدقيقة، تعمل على إنتاج الإلكترونات في منشأة فيدرالية بحلول عام 2027.
الطاقة النووية لها سمعة سيئة في بعض الأوساط البيئية الأمريكية، وليس من الصعب معرفة السبب. إن الانصهار النووي في جزيرة ثري مايل والجدل المستمر منذ عقود حول تخزين النفايات النووية في جبل «يوكا» قد جعل الناس قلقين بشأن آفاق هذا المصدر للطاقة الخالي من الكربون، لكن الأمم المتحدة والعديد من الخبراء يقولون إن الطاقة الانشطارية ستكون مفتاح تحقيق أهدافنا المناخية. ولأن العالم يحتاج إلى خفض انبعاثاته الكربونية إلى النصف بحلول عام 2030، فربما يكون تبني الجيل الجديد من المفاعلات النووية مفتاح تحقيق ذلك.
خطة إيلون ماسك للمريخ
كان إرسال كائنات حية إلى المريخ هدفًا لإيلون ماسك (الرئيس التنفيذي لشركة «سبيس إكس») منذ اليوم الأول، وهذا هو العقد الذي حدده للهبوط على الكوكب الأحمر.
في البداية أراد ماسك أن يشحن بعض النباتات في مستنبت زجاجي، ولكن مع سيطرة شركة «سبيس أكس (SpaceX)» على صناعة الفضاء الجديدة، ارتفعت طموحاته لتشمل إلى جانب ذلك إنشاء مستعمرة كاملة على المريخ. وفي عام 2019 عرض لأول مرة الصاروخ الذي يمكن أن يجعل هذا الحلم حقيقة. الجدول الزمني لماسك فيما يتعلق بالمريخ مراوغ كما هو متوقع. ففي عام 2017 توقع أن ترسل شركة «سبيس أكس» بعثة شحن إلى المريخ بحلول عام 2022. وفي العام التالي قال: إن أول بعثة مأهولة إلى المريخ سترسل في غضون سبع إلى 10 سنوات، أو في موعد لا يتجاوز 2028. وماسك معروف بجموحه في تقليل قدر الوقت الذي يستغرقه لتحقيق أهدافه الطموحة، لذلك لا داعي لتحديد موعد لحفلات الإطلاق الخاصة به مبكرًا. ومع ذلك فهو يميل إلى الوفاء بوعوده في نهاية المطاف.
وداعًا أيها الفقر
تنبؤات المستقبل غالبًا ما تميل إلى أن ترتدي ثوب روايات الخيال العلمي: حزام الطيران، والسيارات الطائرة، والهجائن التي تجمع بين الدماغ والحاسوب. من المفترض أن تتمسك الأمم المتحدة بأرضٍ أكثر صلابة، لكن بعض أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 تبدو خيالية تقريبًا. ففي غضون 10 سنوات فقط تخطط الأمم المتحدة للقضاء على الفقر «بجميع أشكاله في كل مكان».ليس هذا بالأمر الجلل. إذ أعلنت الأمم المتحدة بالفعل يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) «اليوم الدولي للقضاء على الفقر». لكن الارتفاع بمستوى معيشة أولئك الذين يعيشون بأقل من 1.25 دولار في اليوم سيستغرق أكثر من ذلك بقليل.
يذكر البنك الدولي أن عدد من يعيشون في فقر مدقع قلَّ عددهم 1.1 مليار شخص مقارنة بعام 1990.والخبر السار هو أن الفقر المدقع على مستوى العالم انخفض انخفاضًا ملحوظًا؛ إذ يذكر البنك الدولي أن عدد من يعيشون في فقر مدقع قلَّ عددهم 1.1 مليار شخص مقارنة بعام 1990. ويعمل البنك مع البلدان لتحسين التعليم والمساواة بين الجنسين والأمن الغذائي والخدمات الاجتماعية، وأكثر من ذلك. لكن هذه المكاسب موزعة توزيعًا غير متساو، ويهدد تغير المناخ الآن بتقويض الكثير من التقدم، وبدفع ملايين الناس مرة أخرى إلى الفاقة وإنشاء «فصل عنصري مناخي». وهذا يحدث بالفعل في أميريكا الوسطى وأفريقيا؛ حيث تسبب الجفاف في أن يترك الملايين ديارهم. وهنا يبدو أن احتمال القضاء على الفقر ضعيف.
توقعات تخيب أحيانًا..
وتصيب في أحيان أخرى
ولكن دعونا نواجه الأمر، المستقبل غير معروف. تنبأت «ليديز هوم جورنال (Ladies’ Home Journal)» عام 1900 بأنه خلال القرن سوف تقوم الأنابيب الهوائية (خطوط الكبسولات) بتسليم البضائع إلى المنازل وأن الحروف «C وX وQ» ستسقط من الأبجدية. ومع ذلك فقد تنبأت أيضًا بالهاتف المحمول والتصوير الملون. إن العلم القوي إلى جانب الإرادة السياسية قد يغير من «تدهور المناخ»، ويحول تنبؤات الأمم المتحدة من حلم إلى واقع.