د. صالح الصحن
تستمد النظرة الغربية لأغلب مخرجي السينما ازاء العالم وبالذات الشرق من الثقافة الغربية ومن المعتقدات والإرث الديني والعرقي والحضاري والتاريخي السائد في اوروبا واميركا وغيرها من البلدان، وهذا ما تمثّل بالمعالجات الاخراجية للنصوص والقصص التي تناولت موضوعات لها كبير الصلة بالشرق وبالعرب وبالإسلام، فكثير من الأفلام تناولت قضايا الشرق (الأنا) من وجهة نظر الغرب (الآخر)، منها قصص شرقية أو عربية وادب الرحلات وحكايات ألف ليلة وليلة، وموضوعات تتعلق بشخصيات واحداث عربية، شرقية، اسلامية، كشخصية النبي الكريم محمد (ص) وكذلك بعض الخلفاء ورجال التاريخ، وشخصيات انموذجية في سماتها كحاتم الطائي او السندباد وشهرزاد وشهريار وغيرها.
ويعتقد ان الثنائية الجامعة للانا والآخر، هي في تطلع لمعرفة كيف تم تجسيد هذا الـ(أنا) من قبل (الآخر) سينمائياً، فمنذ نشأة السينما ونحن نرى الصورة التي يظهر فيها العربي، الشرقي، المسلم في افلام الغرب ومازالت كذلك وبخاصة افلام هوليوود التي تناولت الحرب ضد العراق، أفلام قصيرة وطويلة روائياً، صامتة وناطقة، وثائقية وروائية، وأفلام رسوم متحركة اعدت للكبار او الصغار اشتغلت على معالجات بصرية وسمعية اتخذت من الشكل والمضمون وسيطاً تعبيرياً في التجسيد مع تمثل العديد من الاشارات والعلامات والرموز لنقل المعنى سيمائيا والحامل للدلالات، وبعد فحص العديد من عينات الأفلام المختلفة، يتضح ان هناك اهتماماً كبيراً ومخططاً انتاجياً عالياً لتجسيد صورة الشرق بقصوره وفضاءاته ودواوينه ومساجده واجواءه الضخمة، وتنوع لافت من الشكل المتفق في الأزياء والملابس والديكورات والاكسسوارات وما يمت بعميق الصلة من معرفة في تفاصيل البيئة والمجتمع وطريقة العيش واسلوب الحياة، ولكن اسلوب الاظهار لا يخلو من النظرة الغربية العامة للشرق المشبعة بالغرور وتجاهل الآخر وتقليل قيمته لحد السخرية والاستهجان، (كان صناع الصور المتحركة مثل الفرنسي جورج ميليس يقدم صور الراقصات من الحريم ومن العرب بأشكالهم القبيحة، ففي هذه الصور الاسطورية التي روج لها ميليس كان العرب يظهرون في حين يمتطون الجمال ويلوحون بالسيوف المعقوفة، ويقتلون بعضهم بعضاً، بينما يسيل لعابهم على البطلات الأوروبيات ويهجرون نساءهم، وفي شريط ميليس (ليالي القصور العربية) 1905 تطل الفتيات الصغيرات الجميلات الخانعات وهن يرفهن عن الملك الجشع ذي اللحية السوداء، وعلى مقربة منهن يقف الحراس وهم يمسكون بمراوح من الريش عملاقة لتلطيف الجو من حوله).
وان الصورة التي نبحث عنها، أي صورة الأنا في افلام الآخر، تكاد تحتل نسبة كبيرة من السلب قياساً الى القليل من الاعمال التي انصفت الشرق الأنا ففي كتاب جاك شاهين الذي بحث في الصورة الشريرة للعرب في السينما الاميركية حاول فحص وتحليل (900) فيلم، ومنها (12) فيلما تحمل الصورة الايجابية للعرب. فيما وجد (50) فيلماً يقدم صورة تكاد تكون متوازنة، اما ما تبقى فقد حملت الصورة السلبية في معالجتها الصورية والمعنوية، (لقد تعرض الاسلام بصورة خاصة الى معالجة ليست عادلة، واليوم يربط صناع الصور بانتظام بين العقيدة الاسلامية والسيادة الذكورية، والحرب المقدسة، وعمليات الارهاب التي تصور العرب المسلمين بوصفهم أعداء ودخلاء غرباء واشرار فاسقين، ومشايخ للبترول يتجهون نحو استخدام الاسلحة النووية، وعندما تظهر على الشاشة صور المآذن تقطع الكاميرا حتماً الى العرب وهم يسجدون، ثم مباشرة وهم يصوبون بنادقهم نحو المدنيين مثل هذه السيناريوهات اصبحت معتادة واعتيادية.
وهذه الصنعة الفنية في النص والفيلم تجسدت في عدد من الأفلام، كفيلم (العملة السوداء) 1936 الذي يظهر فيه شخصية عربية ارهابية تمارس دور خطف طائرة والتهديد بالانفجار. وفيلم (عملاء فيدراليون ضد شركاء عالم الجريمة) 1948 الذي يظهر البطلة الشريرة نيلا، بدور ارهابية في الفيلم، وتحاول اقناع اصحابها بغزو اميركا والثورة ضد الغرب. وكذلك فيلم (علاء الدين) 1992 فيلم رسوم متحركة، وفيها اجحاد قاسٍ ضد قيمة العرب حيث تضمن مقدمة الفيلم اغنية تتحدث بعبارات اساءة وتصف العرب هي بلاد تقطع الأذن للشخص الذي لا يعجبها شكله، وفيه يظهر العرب نماذج كريهة وان الاسلام دين متوحش واناسه انماط بلحى طويلة وانوف كبيرة مشوهة مع الراقصات. مع ظهور الاطفال وهي تنشد بألفاظ بربرية، مع قصدية واضحة في تغيير طريقة نطق الحروف والكلمات وبشكل مشوه وتافه للحط من القيمة وهيبة العرب، ونظراً لكثرة الافلام المسيئة للأنا، الذات، الشرق، العرب، الاسلام، فقد حاول الباحث الاشارة الى أهم الافلام التي تناولت موضوع موقف ونظرة الآخر بشكل عميق وليس هامشيا، ومن هذه الأفلام منها قديمة تتناول حياة الشرق والعرب قديماً ومنها حديثة التنفيذ تطرقت بتجسيد مريب ومشوه لحياة النبي محمد (عليه السلام) وكذلك مواضيع تناولت الحرب ضد العراق، والموقف الغربي الاميركي منه، فضلاً عن تناولها لبعض القصص والروايات والمواضيع العربية.
ومن هذه الأفلام، فيلم (عرب حقراء) 1933 للمخرج هال روش، وفيه يظهر العرب يرتدون أزياء نساء، ومشهد آخر ينزع فيه شعر لحية الشيخ العربي تحقيراً له، وفيه ايضاً مشهد لملهى اميركي يتوافد عليه الشيوخ العرب لمنادمة الراقصات، وفي فيلم (مغامرة في العراق) 1943، وفيه يظهر الشيخ احمد وعبدة الشيطان من اتباعه ضد الحلفاء. ويظهر العراقيون وهم يمسكون بطيار بريطاني واثنين من الاميركان ويحتجزونهم كرهائن وتوصف القبائل بالقتل والسطو ويكرهون الأوروبيين (الآخر) بوصفهم في الفيلم ضيوف غير مرغوب بهم. اما الشيخ احمد فيعترف ان شعبي بدائي ويفضل الخرافة لأننا برابرة، وفيلم (مغامرة في صحراء) 1938 وفيه يظهر فيلق الجيش لسحق عرب الصحراء المتخفين في الكمائن كلصوص وخطف وسرقات، وفي فيلم (مغامرات هاجي بابا) 1954– وفيه يظهر النساء العربيات والعشق ومشاهد الحب ويظهر أحد الحراس بقوله: وحياة ذقن الله والهاجي يردد: أقسم بذقن الله فيما يقول الخليفة ملفقاً عن النبي الكريم: قال نبي الله محمد ان أعظم قوة في العالم هي الحب.
وفي فيلم (مغامرات الامير احمد) 1925 يظهر مشهد الأذان وبقصدية واضحة يحجب ذكر اسم النبي محمد فيه إذ يقول: لا اله الا الله لا أمان لا سلامه الا من عند الله المجيد العظيم – وفي فيلم السندباد فيه يظهر السندباد بدور النذل الجبان والشخصية المهزوزة، بل ويلقب بـ (حثالة الشرق الأوسط) في الفيلم. وفي فيلم (وردة الف ليلة وليلة) 1974 للمخرج الايطالي بيير باولو بازوليني، تناول قصة من قصص الليالي العربية، بعد التصرف في متن القصة مع تحميلها مشاهد جنسية واشتغال على لغة الجسد بشكل خرق المحظورات والتحريف الحاد في انماط الشخصية وافعالها مع التركيز على سوق النخاسة وسمة التدني التي الحقت بالمرأة مع توظيف مرئي سيميائي مشفر يستدف فيه التجاوز على القيم والعلامات الروحية للمجتمع الشرقي العربي الاسلامي، مع تحولات عجائبية خضعت للتخييل والمعالجة الفكرية والصورية للقصص والحوادث، التي تضمنت مشاهد اختطاف وفجور وخناجر وشذوذ وشنق على الاعمدة وخيانة، واجواء شرقية وافعالاً منحرفة عن القيم العربية والشرقية والاسلامية. أما الفيلم الفرنسي (شهرزاد 1990) للمخرج الفرنسي فيليب دي بروكا، وبطولة كاثرين زيتا جونز، وفيه تصرف واجتهاد وتحريف في أصل الحكاية العربية، ففي الفيلم تظهر شهرزاد هاربة من سلطة القتل والاغتصاب الذي عانت فيه لدى شهريار، ويطاردها حتى دكة الاعدام الذي تتخلص منه وبذات التكييف يظهر في الفيلم سوق الجواري، والخيانة والجنس وتبديل العمامة الى قبعة، ومشهد الفارق الشاسع بين طائرة غربية وحمار عربي كعلامة للحط من القدر الشرقي وادانته.
وفي هولندا عمل المخرج خيرت فيلدز فيلم (فتنة)عام 2006، فيلماً وثائقياً بوقت 15,00 دقيقة لتجسيد صورة العنف والقتل ولصقها بالعرب بحسب الثقافة الأوروبية وفي الفيلم يظهر عمامة لرجل دين ومحشور فيها فتحة لمسمار قنبلة، وهذه اشارة بغيضة ولقطة لآية قرآنية تتبعها لقطة للطائرة وهي تخترق برج التجارة العالمي. وفيه أيضاً مشاهد لخطب دينية تحرض على القتل مع صور لملثمين، مع صور لتمزيق القرآن الكريم مع لقطات جثث واغتصاب وتشوهات ودعوات لذبح اليهود.
وكذلك هنالك فيلم (خضوع) هولندي روائي قصير بوقت 12 دقيقة انتج سنة 2004 من اخراج: ثيوفان كوخ، ويبدأ بلقطة لامرأة عارية وقد ارتدت ثوباً شفافاً جداً لتظهر مفاتن جسدها قصدياً بشكل واضح، وهي تؤدي الصلاة الاسلامية، اضافة الى ظهور لقطات قريبة جداً لكتابة عبارات غير لائقة على جسدها وهي تصلي، وهناك لقطات لفتاة عارية ومكتوب على جسدها آيات قرآنية وهي تتعذب بالسياط جراء ما اقترفته من فعل الزنا، وهناك اهانات وعذابات قاسية، وهناك ايضاً لقطات تحرش محارم واستهزاء بالأب والابن، وبالسخرية من كلمة (الله)، وكذلك تظهر المعذبة انها غير راضية بعدالة الله الالهية، اما الفيلم الاميركي (براءة المسلمين) 2012 بوقت 120 دقيقة الا انه انتشر بـ13 دقيقة فقط.
من اخراج: سام باسيل، وهو فيلم بني على معاداة الاسلام وللنبي محمد (ص) وقد تناول الفيلم مشاهد هزيلة مفبركة ومفككة، وبتقنيات بسيطة غير متقنة، وغير احترافية، وهناك تركيب ساذج في المونتاج في توزيع حوار الشخصيات، غير قابل للصدق والاقناع، وفيه يظهر النبي محمد (ص) وهو يحمل السيف على ان الاسلام يلوح بلغة العنف والقتل والدماء، وهناك مشاهد الخيمة وهناك لقطات نساء يدخلن الخيمة التي يتواجد فيها النبي في اشارة الى المشاهد المشينة. وهناك امرأة تعرض نفسها له، وهي متزوجة، وتظهر كذلك لقطات لمشاهد اباحية لا تمت بأدنى صلة لثقافة الاسلام والعرب والشرق ويظهر كذلك النبي وهو يتكلم بأعلى صوته (اما الاسلام واما القتل). و(اما دفع الجزية) وما الى ذلك من استهداف بغيض لشخصية الرمز العربي الاسلامي المتمثل بالنبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.