ولاء الصواف: الشعر له مدنه الفاضلة ويوتوبياته الخالصة وأبراجه العاجية وخياله الممتد الى البعيد

حاوره: سلام مكي

  • عرّفت «كاميكاز» بأنها « نصوص» ، وعباس عبد جاسم، الناقد المعروف، قال: بأنك كاتب نص مجتهد، وصوت متفرد في الكتابة الجديدة.. لِمَ لم تقل عن كاميكاز بأنها شعر؟ وهل الكتابة الجديدة برأيك ليست شعرا؟ هل يؤمن ولاء الصواف بوجود ضوابط وأسس للشعر؟
  • لم أقل عن (كاميكاز) الديوان الأول الذي صدر عام 2000 بأنه شعر لأنه نصوص مفتوحة لها خصائص مختلفة عن الشعر الحر وقصيدة النثر وكي لا أقع في شرك المصطلح عنونته بـ (نصوص)
    وحسب بارت فهو « نص ما بعد حداثوي يتسم بتعدد القراءات والتنوع في الإستجابة , وهو ما يمنح النص الحيوية والجدالية المستمرة « .. النص من مفردات الكتابة الجديدة يمتاز باللاتحديد مفردا والمعنى الخاص إذا كان مقروناً بالإضافة والكتابة عندي عابرة للأجناس لإطلاق اللاتحديد هذا ، هي كتابة حرة خارج المعايير المدرجة في كتابة الشعر وهي رؤية للحياة بعين ما سيأتي لا بعين ما مضى ، انها ممارسة لفعل الحياة بصيغ متقدمة ، النص كمفهوم هو غير القصيدة فهو عندي يمتاز بسمة الانفتاح على بقية الاجناس الابداعية متجاوزاً لمفهوم ( نقاء الجنس) الذي لم يعد يمثل رؤية مبتكرة لحياة جديدة ، طيف الشعر بألوان متعددة منها ما يقع ضمن دائرة القوانين الملزمة بصرامة كالشعر العمودي ومنها ما هو أقل حدة من ذلك كشعر التفعيلة ومنها ما هو متحرر من شرطي الوزن والقافية كالشعر الحر ومنها ما يقع ضمن دائرة الفنون السردية واستخلاص الشعر منها كما هو الحال في قصيدة النثر ، والنص المفتوح على التأويل والذي يقع بين دائرتي الشعر والنثر ، والخ من انواع الكتابة غير المحددة باطار كتابي معين، كما نجد الآن محاولة استعمال المفردات الشعبية الدارجة في بنية الكتابة كنزعة تجريبية جديدة لإظهار نمط كتابي مختلف عن السائد وهو ما يمثل ميزة المرحلة الآن الداخلة في صراع الهوية واثبات الذات والعولمة الثقافية خاصة بعد استحواذ التواصل الاجتماعي على كل المهيمنات الاخرى.
  • «كاميكاز» وكما تعرفها الويكيبيديا بأنها الرياح المقدسة، وكذلك، الكاميكاز، هم الطيارون الذين شنوا هجمات انتحارية ضد القوات الاميركية في اليابان. فهل ثمة نص خفي، غير مرئي للرقيب آنذاك، كتبه الصوّاف دلالة على أن الرياح ستهب ذات يوم وتقتلع الدغل من تربة البلد؟ وهل اللون الأحمر داخل الغلاف يشير الى الجهة التي ستطلق تلك الرياح؟
  • العنوان أول ومضة كاشفة لما يضمره النص فكان شفرة الدخول الى المغايرة وكسر طوق التقليد ، ولإعطاء إشارة أولية للمتلقي على أن المجموعة تمتاز بصفة الخروج عن السائد المألوف، نصوص الكاميكاز ذيّلت بعنوان داخلي ( اموت ويحيا الوطن) وهذا له دلالة واضحة جدا تتفق مع التعريف أعلاه .. النص التسعيني كان نصا رمزيا واستخدم آليات كتابة مختلفة منها التشكيل البصري والفراغ المنقوط والتقطيع الحروفي لغاية ايصال الرسالة المضمرة في داخل النص الى جمهور التلقي بعيدا عن أعين السلطة ومقص الرقيب .. كانت النصوص التسعينية وبنسبة عالية جدا تقع ضمن دائرة النص المضاد لتوجهات النظام لذا كان لزاما عليها أن تتخذ مسارات مختلفة لغاية الوصول الى بث الرسالة فكانت الكاميكاز مشفرة وبرمزية تجاوزت الرقيب ووصلت كمنشور سياسي الى المتلقي ، ومن الطبيعي ان يكون للون الاحمر الهيمنة لأنه لون الدم المراق خاصة وكما هو معلوم ماذا فعل النظام الدكتاتوري البائد من اباحة الدم العراقي بمناسبة او من دونها وكأنه الماء فالرأس المقطوع على الغلاف يمثل ذلك وهو دليل ادانة وهو النص الاول الذي استطاع أن يقول الكثير رمزيا وصوريا قبل الولوج الى عالم النص المفتوح على دلالات واسعة وتأويل لا يقف عند واحد أو أكثر .
  • « من ذكر وأنثى.. شعوبا وقبائل.. لذة للشاربين.. أرى أنك اغترفت في النص الأول من كاميكاز، من القرآن كثيرا، هل تعتقد أن التناص مع القرآن أو أي مصدر ديني أو تراثي آخر يغني النص؟ وإلى أي حد يسمح للشاعر أو الناص بذلك؟
  • النص المفتوح نص ابستمولوجي ينفتح على العديد من الثقافات والاحداث التاريخية والمعرفية وينهل من الجميع ، مفردات اللغة مباحة ، ولكني بالضد من تثبيت النص المتناص معه بصيغته ومعناه إلا إذا اقتضى التنصيص ذلك ، استثمار بعض المفردات التي تعطي دلالات واضحة واستفزازية في أحيان كثيرة للفت نظر وعقل المتلقي الى منطقة قد تكون غائبة عن ذهنه ، استعمال مفردات ذات ثراء لفظي أو معنوي وتمثلها في نص آخر هو بعيد كل البعد عن النص الاصلي وربما يأتي بالنقيض منه ، في (الكاميكاز) وفي (كفن شهريار) بطبعته المحدودة عام 2007 أو في (أغاني الصموت) الذي صدر عام 2018 .. أسعى الى استثمار عامل اللغة بأقصى سياق ممكن عن طريق بث حيوات تعبيرية مركزة تؤدي الى تفجير المعنى ، لغة النص ذات طبيعة تركيبية تتداخل فيها الخلايا السردية والوصفية مع الشعرية لتؤسس نسيجاً نصياً ينطلق من نقطة التقاء الحقيقة مع الخيال مع الدهشة لينفتح فضاء النص الى مستويات عدة من التأويل، لغة النص يتآصر بها الثبوتي مع الحركي الصوت المجهور مع الهمس المتدفق من العمق الانساني ، الفراغ المنقوط مع الجمل المبتورة قهراً ، وفي لحظة الهمس يتدفق الشكل البصري مخترقاً تخوم البياض ليتفاعل مع بنية السواد في منح النص عالمه الأثيري الخاص ، النص عندي تتقدم فيه لغة الصمت لتحاور المسكوت عنه باسلوب رمزي ، هو عندي نص تعددي يقترب من الفكرة المراد تمثيلها من دون التماس معها مباشرة ، ذو احالات مرجعية ودلالات حافة ، يربط الاصالة مع المعاصرة على وفق مهيمنات التخليق الجمالي كـ ( رؤية) يطيح بالمكان الوضعي ويعيد تمركزه بمواصفة كونية.
  • النص مكانه الخارج، السماء، النهر، الفضاء الفسيح.. في حين أجد أن نصك حبيس في داخلك أو على الأكثر حبيس أوراقك الخاصة. هل تخشى نشر نصوصك؟
  • لا خشية في الأمر ، لم يكن نص الصوّاف حبيس أوراقه قط ففي عز الطغيان الدكتاتوري تم نشر النصوص في مجلات وصحف النظام آنذاك وأثارت الكثير من اللغط والتساؤلات ، وتم نشر نصوص عديدة في جريدة الاهرام المصرية وفي الصحف التونسية والاردنية والعشرات من النصوص نشرت في الصحف المحلية قبل وبعد الاحتلال ، للشاعر رسالة ينبغي ايصالها للمتلقي لا أن تكون حبيسة أوراقه .
  • ما هي المسافة الفاصلة بين الشعر والنثر؟ هل تجنيس الكتابة مهمة لديك؟ أم الأثر الذي تتركه تلك الكتابة لدى المتلقي أهم من تجنيسها؟
  • فيما مضى كانت الحدود بينهما ملتهبة أما اليوم فبرأيي لا مسافة حادة ، لا أسلاك شائكة ، الأدب يتداخل مع العلوم والفنون الأخرى فكيف مع بعضه ، وهذا ما أشرت له سابقا حول مفهوم تجاوز( نقاء الجنس) ، عندما لم تكن هناك قصيدة نثر ، كان الأمر مختلف تماما ، كان هناك شعر عمودي وتفعيلة وحر وكانت الرواية والقصة ، وبعد أن دخلت وبقوة قصيدة النثر في العالم العربي أحدثت خللا وهزت المفاهيم القارة وعملت على زعزعة الحدود المتجاورة والمتشاطئة بين فنون الادب ، شخصيا أميل الى كتابة النص المفتوح الذي يتيح لي حرية الحركة عبر الحدود بلا وصاية من شكل معين ولا تبعية لجنس من دون آخر، النص يتسم باللعب الحر ، أرى التجنيس ضرورة فنية خالصة ، لكن الأثر هو الأهم وهو ما يحاول الاديب أن يصل اليه بكل السبل الفنية المتاحة.
  • 18 عاما هي المدة بين المنجز الأول والمنجز الثاني لك.. كم ستحتاج من مدة لنشر المنجز الجديد؟ ومتى سترى المخطوطتان» كفن شهريار ومطر مايو النور»؟
  • مطر مايو سيرى النور قريبا وكفن شهريار تم اصداره في طبعة محدودة عام 2007 وبطبعتين باللغة الفارسية ، وتمت دراسته أكاديميا في جامعة ايرانية ، وأغاني الصموت صدر عام 2018 باللغتين العربية والانكليزية وترجمت نصوص منه الى اللغة الاسبانية وصدرت ضمن انطولوجيا الشعر العراقي والعربي المعاصر ، وفيما يخص الفترة الزمنية اعتقد هذا الامر غير مهم للشاعر ان يصدر قصائده في ديوان في وقت كل النصوص منشورة في صحف ومجلات محلية وعربية ودولية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ، هي مسألة فنية لا غير ، برأيي هذا الامر لا يستوجب أن يسأل سائل كم تحتاج من الوقت لتضم قصائدك في ديوان بقدر ما يجب أن يكون السؤال كم وصل تأثير ما تكتب في المتلقي، وما مدى تأثير ما تكتب على الارتقاء ببنية المجتمع ، وما أفرزته الكتابة من اضافة واسهامة للأدب .. هكذا أرى الأمر .
  • أين تجد مكانة الشعر الآن؟ هل تعتقد بصحة ما يقوله الناشرون من أن الشعر غير مقروء وأن الرواية هي المطلوبة من قبل القرّاء اليوم؟
  • ربما القول المتداول اليوم هو أن الشعر بضاعة كاسدة والرواية تستحوذ على رغبة القراء .. ربما ميزة العصر الآن تقتضي ذلك ، ولأن الشعر له مدنه الفاضلة ويوتوبياته الخالصة وأبراجه العاجية وخياله الممتد الى البعيد وفي غمرة الاحداث المتصاعدة والتوتر الناشئ في العالم من سنوات خلت جعلت من ترف الشعر يتراجع الى المرتبة الثانية في وقت هو يستحوذ دائما وأبدا على المرتبة الاولى هكذا أراه لكوني اعرف الشعر أن يكون دائما وأبدا على رأس الفنون
  • كلمة أخيرة، تقولها للقارئ؟
  • القراءة سر ديمومة العقل وغذاءه الروحي والروح إن سلبت من الجسد أمسى خشبة والقراءة إذا سلبت من العقل أمسى عضوا غير فعال في جسد هو خشبة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة