على الرغم من تباعد المسافات بآلاف الأميال بين الاحتجاجات في العالم، فإنها بدأت للأسباب نفسها في عدة بلدان، وكان في بعضها إلهام لأخرى، في طريقة التنظيم، وإدراك الأهداف.
وفيما يلي عرض للقضايا قيد المطالبة، وهي التي تربط كثيرين ممن خرجوا إلى الشوارع.
عدم المساواة
كثير ممن يحتجون هم أناس يشعرون منذ فترة طويلة بحرمانهم من ثروات بلدانهم. وكانت القشة الأخيرة في كثير من الحالات هي ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية.
فقد بدأت المظاهرات في إيكوادور هذا الشهر عندما أعلنت الحكومة إلغاء دعم الوقود، الذي استمر على مدى عقود، في خطوة تهدف إلى تخفيض النفقات، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأدى هذا الإجراء إلى ارتفاع حاد في أسعار الوقود، لم يستطع كثيرون شراءه. وخشي السكان من أن يفضي الإجراء إلى زيادة أسعار المواصلات العامة، والأغذية، وأن أكثر المتضررين منه هم أهالي المناطق الريفية.
وسدت محتجون الطرق السريعة، واقتحموا البرلمان، واشتبكوا مع قوات الأمن، خلال المظاهرات التي طالبوا فيها بإنهاء حالة التقشف، وإعادة دعم الوقود. وتراجعت الحكومة بعد أيام فقط من خروج الاحتجاجات، وانتهى العمل بالإجراء.
الحرية السياسية
شعر المحتجون في بعض البلدان، بالغضب بسبب الأنظمة السياسية التي يشعرون أنهم سجناء لديها.
فقد بدأت المظاهرات في هونغ كونغ هذا الصيف بسبب مشروع قانون كان سيسمح بترحيل المجرمين إلى الصين في بعض الحالات. وهونغ كونغ جزء من الصين، لكن الناس فيها يتمتعون بحريات خاصة، وهناك خوف عميق لديهم من أن السلطات في بكين تريد فرض سيطرة أوسع عليها.
وأدت الاحتجاجات في هونغ كونغ، كما حدث بالنسبة إلى المحتجين في تشيلي ولبنان، إلى سحب التشريع المثير للجدل، لكن الاحتجاجات استمرت. ومن بين مطالب المحتجين، حق الاقتراع، وتحقيق محايد في الفظائع التي قالوا إن الشرطة ارتكبتها، والعفو عن المتظاهرين الذين قبض عليهم.
وقد ألهمت أساليب المحتجين في هونغ كونغ النشطاء السياسيين عبر العالم. فخرج مئات الآلاف من الناس في برشلون معبرين عن غضبهم بشأن سجن قادة الانفصال في كاتالونيا. وكان القادة قد أدينوا في 14 أكتوبر/تشرين الأول بالتحريض بسبب دورهم في استفتاء عام 2017، الذي جرمته المحاكم الأسبانية، وإعلان استقلال الإقليم بعد ذلك.
وعقب صدور الحكم على القادة، تلقى الناس في برشلونة رسالة على خدمة رسائل مشفرة تخبرهم بالتوجه إلى مطار إل برات في برشلونة، مقلدين أسلوبا استخدمه المحتجون في هونغ كونغ.
وخلال توجههم إلى المطار، هتفت مجموعة من الشباب: «سوف نعمل مثل هونغ كونغ»، بحسب تقارير في وسائل الإعلام المحلية.
ووزع محتجو كاتالونيا منشورات مكتوبة في هونغ كونغ تبين للمتظاهرين طريقة حماية أنفسهم من خراطيم المياه، وقنابل الغاز.
تغير المناخ
ارتبط كثير من الاحتجاجات التي ربما سمعتم عنها بالبيئة وتغير المناخ. وظل النشطاء في حركة التمرد على الانقراض يحتجون في المدن في أنحاء العالم، وهم يطالبون باتخاذ الحكومات إجراء فوريا.
ما هي حركة «تمرد ضد الانقراض»
وخرجت تلك الاحتجاجات في بلدان مختلفة، منها الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا والنمسا، وفرنسا، ونيوزيلاندا. وسلسل المشاركون أنفسهم وألصقوا أجسادهم بالطرقات والمركبات، وحاولوا عرقلة مراكز المدن المزدحمة.
وانضم صغار الشباب في أنحاء العالم إلى إضرابات أسبوعية، ألهمتهم بها الناشطة السويدية غريتا ثونبيرغ. واشترك الملايين في إضراب بشأن المناخ قاده تلاميذ المدارس في أنحاء العالم، في مدن، مثل ملبورن، ومومباي، وبرلين، ونيويورك.
الفساد والتردي الاجتماعي
قاسمان مشتركان في الاحتجاجات
اندلعت الاحتجاجات في مختلف أرجاء العالم في الأشهر القليلة الماضية. كان لكل منها ما أشعلها، مع وجود متظاهرين في العديد من البلدان المختلفة يحملون شعارات متشابهة، ويصبون إلى أهداف متماثلة.
شهدت الجزائر وبوليفيا وبريطانيا وكاتالونيا وتشيلي والإكوادور وفرنسا وغينيا وهايتي وهندوراس وهونغ كونغ والعراق وكازاخستان ولبنان ودول أخرى تظاهرات عارمة، وانضمت في الأول من نوفمبر باكستان إلى القائمة الطويلة حيث تجمهر عشرات الآلاف من المتظاهرين في عاصمتها إسلام آباد لمطالبة رئيس الوزراء عمران خان بالاستقالة خلال 48 ساعة.
ولم يشهد العالم مثل هذا التدفق المتزامن للغضب الشعبي منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينياته، عندما اجتاحت حركات «سلطة الشعب» دول آسيا وأوروبا الشرقية.
الأهداف
بعض الموضوعات التي ألهبت الشارع كانت موحدة في عدد من البلدان. على سبيل المثال، توضح باكستان ثلاثة من الأسباب التي دفعت الجماهير إلى النزول إلى الشارع، وهي: الاستياء الاقتصادي (ارتفاع التضخم والتقشف المفروض من صندوق النقد الدولي)؛ الفساد الرسمي؛ ادعاءات التزوير الانتخابي.
التفسيرات
هناك ثلاثة تفسيرات لهذه الاحتجاجات تندرج في ثلاث فئات: اقتصادية وديموغرافية وتآمرية، نعرضها لكم في ما يأتي:
يعود التفسير الاقتصادي إلى تدهور مستوى المعيشة، وهذا ما حصل في تشيلي عندما رفعت الحكومة أسعار التنقل بالمترو أربعة في المئة. وتعليقًا على الموضوع، تشير مجلة «ريد فلاغ»، وهي مجلة اشتراكية أسترالية، الى أنه على مدى أكثر من أربعة عقود، خُربت دولة تلو الأخرى بسياسات نيوليبرالية تهدف إلى جعل جماهير العمال والفقراء يدفعون ثمن أزمة متنامية في النظام.
من تظاهرات تشيلي
يشير التفسير الديموغرافي إلى أن الاحتجاج هو، إلى حد كبير، نشاط للشباب، حيث يبلغ متوسط عمر سكان المعمورة أقل من 30 عامًا، في حين أن ثلث السكان تقل أعمارهم عن 20 عامًا. أخذ المؤرخ نيال فيرغسون في صحيفة التايمز اللندنية هذه الحجة أبعد من ذلك، مقارنًا إياها بفترة ستينيات القرن الماضي، ومشيرًا إلى أنه في الفترتين كان هناك «فائض من الشباب المتعلم»، بسبب طفرة في التعليم العالي، ووجود خريجين أكثر من الوظائف.
أما في ما يتعلق بالمؤامرات، تحبذ الحكومات أن تشيطن الاحتجاجات وتميل إلى وصفها بأنها تُدار من قوى خارجية. وهذا ما حدث في هونغ كونغ، عندما أشارت وزارة الخارجية الصينية في يوليو الماضي إلى أن الاحتجاجات كانت «إلى حد ما من تدبير الولايات المتحدة». وفي أميركا اللاتينية، انتشرت النظريات القائلة إن النظامين الاشتراكيين في كوبا وفنزويلا يثيران الاضطرابات في جميع أنحاء القارة لصرف الانتباه عن مشكلاتهما.
المحفز
على الرغم من جميع المخاطر القانونية والجسدية، يمكن أن تكون الاحتجاجات أكثر إثارة ومتعة من كدح الحياة اليومية؛ وفيها يصبح التضامن هو الموضة الشائعة. مع ذلك، وجود الهاتف الذكي في كل مكان اثر في كيفية تنظيم الاحتجاجات وتعميمها واستمرارها. تُمكّن تطبيقات المراسلة المشفرة مثل تيليغرام المتظاهرين من التنسيق والتكاتف بوجه السلطات.
هناك محفز آخر للاحتجاجات، وهو شعور الجماهير بأن استخدام القنوات السياسية التقليدية يبدو عديم الجدوى. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، نجد أن في احتجاجات أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت الأهداف عادة حكومات استبدادية سمحت في أفضل الأحوال بإجراء انتخابات مزيفة.
في غياب صندوق الاقتراع، كان الشارع هو السبيل الوحيد لإظهار «سلطة الشعب». وفي هذا السياق، حدث بعض الاحتجاجات في هذا العام ضد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، أو الرئيس السوداني السابق عمر البشير، حتى أن الديمقراطيات التي تعمل بشكل جيد تأثرت أيضًا.
الشعور بالعجز
لأسباب عدة، ربما يشعر الناس بالعجز غير العادي في هذه الأيام، معتقدين أن أصواتهم ليست مهمة. نذكر من هذه الأسباب الاهتمام المتزايد بالمسائل البيئية. فانبعاثات الكربون تتطلب حلولًا عالمية بعيدة عن متناول حكومة واحدة، ناهيك عن صوت واحد.
من بين مسببات الشعور بالعجز تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، مع ميلها إلى تضخيم تلك الأصوات التي تتفق معك والتعتيم على الآخرين، وبالتالي فهي تزيد من الشعور بأن القوى المعنية «لا تستمع أبدًا».
أما السبب الثالث فهو نمو مرتبط بالتعصب، تجسده مشكلات في قلب الديمقراطية، حين يوافق الخاسرون الذين قد يمثلون أغلبية الأصوات الشعبية على قبول حكم الفائزين حتى الانتخابات المقبلة.