بعد قرار مجلس النواب بإلغاء مجالس المحافظات، وبروز الاعتراضات الشعبية والنخبوية التي بينت أن مجلس النواب لا يحق له إلغاء تلك المجالس بموجب قرار برلماني، وقيام مجموعة من أعضاء مجالس المحافظات بالطعن أمام المحكمة الاتحادية بقرار مجلس النواب الذي ألغى المجالس، باعتبار أن تلك المجالس شكلت بموجب قانون، وإن إلغاءها يجب أن يكون بقانون، وهناك من يرى أن الدستور نص على وجود تلك المجالس، ولإلغائها لابد من تعديل الدستور أولا.
وفعلا أصدر مجلس النواب قانونا ألغى تلك المجالس. السؤال الأهم الذي يبرز هنا: إن المادة 122 ثالثا من الدستور عرّفت المحافظ: هو الذي ينتخبه مجلس المحافظة. وهو الرئيس التنفيذي الأعلى.. وحيث ان المادة 7 من القانون 21 لسنة 2008 بينت أن من اختصاصات مجلس المحافظة هو انتخاب المحافظ ونائبيه. طيب: من سينتخب المحافظ بعد إلغاء الجهة التي تتولى انتخابه؟ من سيتولى الرقابة على اعمال المحافظين بعد إلغاء الجهة الرقابية عليه؟ أسئلة لابد للمشرع العراقي أن يجيب عليها في المستقبل القريب، خصوصا وإن المحافظين أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات بسبب وجود قضايا فساد بحق العديد من المحافظين الحاليين والسابقين، وتذمر الشارع من سياساتهم. في مجال الرقابة، يمكن القول أن القضاء هو من يتولى الرقابة على أعمال المحافظين عن طريق الرقابة المالية الذي يتولى التدقيق والتفتيش في كافة دوائر الدولة ومن ضمنها ديوان المحافظة في المنطقة التي يتولى مسؤولية الرقابة عليها، وفي حال تبين وجود مخالفة مالية او إدارية تقوم الرقابة المالية ووفقا لقانونها رقم 31 لسنة 2011 بمفاتحة الجهات القضائية وهيأة النزاهة التي تتولى عرض تقرير الرقابة على محكمة التحقيق المختصة بنظر قضايا النزاهة، للنظر في ما ورد في ذلك التقرير.
ولكن في حال وجود اخبار بمخالفة أو فساد مالي في ديوان المحافظة، فكيف سيتم التحقيق؟ غالبا تتولى كوادر هيأة النزاهة التحقيق بنفسها في القضية، وتزود القاضي المختص بما توصلت إليه من نتائج على ضوء تحقيقاتها. ولكن: ألا يجب أن يكون هنالك تحقيق إداري؟ في الفترة الأخيرة، قرر القضاء إحالة أحد المحافظين الى المحكمة المختصة بسبب وجود جريمة تزوير، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المحافظ المتهم، ولكن ذلك المحافظ، لم يحضر في موعد المحاكمة، وتم اتخاذ الاجراء القانوني المناسب. وبرغم وجود امر إلقاء القبض عليه، إلا أنه مازال يمارس عمله بشكل شبه طبيعي، حيث يقوم بتوقيع الكتب الرسمية ويتم نشر تلك الكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في حين يفترض أن يتم سحب يد ذلك المحافظ، ومنعه من مزاولة عمله لحين البت بقضيته من قبل المحكمة المختصة. وبعد العودة الى نصوص القانون، لم نجد انه عالج الحالة المتمثلة بسحب يد المحافظ في حال تم اتهامه بارتكاب جريمة او مخالفة، فأحكام سحب اليد تخص الموظفين وان قرار سحب اليد يتم من قبل الوزير او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة. كما ان سحب اليد قرار اداري يتخذ من قبل لجنة مختصة. إن على المشرع، أن يعالج الثغرات الكثيرة التي تخص عمل المحافظين، خصوصا وأن هنالك الكثير من قضايا الفساد التي جاءت بسبب عجز القانون عن محاسبتهم، وغياب النصوص القانونية الكفيلة بوضع آلية قانونية مناسبة لمحاسبة المحافظين إداريا وقانونيا. وهذا الأمر لا يقل أهمية عن تشريع قانون الانتخابات ومفوضية الانتخابات وغيرها من القوانين المهمة. فوجود مثل هكذا قانون، كفيل بأن يحد من حالات الفساد بشكل كبير.
سلام مكي