الفن التشكيلي.. خلق كيان متفرد لواقع مفترض

تسعى أغلب الفنون والكتابات، أما للتماهي مع الواقع من خلال جعل النصوص واللوحات تمثل انعكاسا لذلك الواقع بكل تجلياته تناقضاته التي تكون على تماس مع حياة الفنان أو الكاتب، وتؤثر فيه لدرجة أنها ترغمه على إيجاد منفذ للهرب منه، ويتمثل ذلك المنفذ بالأدب أو الفن. الفن التشكيلي، بدوره يسعى لخلق كيان متفرد، ولد من رحم الواقع، كيان يمثل تجسيدا مثاليا لواقع مفترض، خال من النتوءات والتناقضات والاخفاقات. ذلك الكيان وإن لم يكن مثاليا عند البعض، أو يمتاز بالغموض التطرف أحيانا، لكنه في النهاية يسعى لتأسيس واقع مختلف، بعيد عن الواقع الموجود، واقع متخيل، اسهمت الظروف في إرغامه على التشكل في مخيلة الفنان ومن ثم تجسيده ليكن واقعا مفترضا جديدا، أو ما ينبغي أن يكون. الصباح الجديد، وإيمانا منها بأهمية الفن التشكيلي، ودوره المؤثر في حركة الفن بصورة عامة، تحاول من خلال هذا الملحق، أن تسلط الضوء بشكل أكبر على هذا الفن، من خلال نشر مادة مهمة وقيمة عن الفن التشكيلي. تمثلت تلك المادة بحوار موسع مع الفنان التشكيلي ضياء العزاوي، حاوره الكاتب الناقد خضير الزيدي. ثم مادة مجتزأة للفنان والكاتب إسماعيل زاير، تحدث فيها عن حداثة الحركة التشكيلية العراقية. ثم مادة للفنان العراقي عمار داود عن التكعيبية ودورها في الفن. ثم خبر عن معرض تشكيلي لفنانين عراقيين هما حسن عبود وفاضل نعمة. وثمة مادة عن نقاد القطيعة بين الأدب والفن للكاتب أسعد عرابي. والذي جاء فيه أن تراجع سلطة النقد الأدبي هو نتيجة طبيعية لفشل الأدباء في التقارب مع الحساسية التشكيلية. ونلاحظ بروز دور مهم للفن التشكيلي في الحركة الاحتجاجية التي يشهدها البلاد، حيث نجد أن أغلب الجسور والتقاطعات والجدران تزينت برسومات جميلة ورائعة لفنانين وطلبة الفنون الجميلة، الهدف من تلك الرسومات هو توثيق التظاهرات وتجسيد الايقونات التي أفرزتها التظاهرات من شهداء ومغيبين دفعوا حريتهم وأرواحهم ثمنا لإعلاء صوت الجمهور. يقول الدكتور المصري أحمد حسني رضوان «عند دراسة الفنون الجميلة في المجتمعات الغربية، مثلا، كان الفن في فترة تاريخية معينة – على سبيل المثال لا الحصر- يؤكد على القيم الآلهية والجمال الطبيعي، أي أن الله كان المحور الوحيد للفن، وفي فترة تاريخية أخرى كان للفن دور في بناء الروح المعنوية والاستقامة، وفي فترة ثالثة يدافع الفن عن الفكر الشمولي، وبالعكس في فترات أخرى كان للفن دور فاعل في محاربة الظلم والنظم البائدة، وفي فترة تاريخية أخرى أصبح الفن من أجل الفن.
ويضيف «هذا التفاعل المتبادل بين الفن والمجتمع كان وما يزال مستمرا في الدول الغربية، ويتغير دور الفن والفنان حسب تطور هذه المجتمعات وحركتها، بمعنى أن الفن جزء فاعل ومهم من حركة المجتمع وتطوره، أي أن هناك حركة حية متحركة وجدلية والفن هو رسالة سامية، يحاول هذا الجيل الذي تشكل من داخل خيم الاعتصامات والتظاهرات أن يجعل للفن التشكيلي الدور الأساس في توثيق أهم مرحلة وأخطرها فـي حيـاة العراقييـن، مرحلـة فاصلة بين الحرية والفوضى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة