التشكيلية اللبنانية عبير عربيد:
حاورها ـ سمير خليل:
من بلاد الأرز، من لبنان الذي نهلت من جماله، من ناسه، ضيعته، زهوره واحراشه، تلونت ذائقتها بألوان الجمال، وارتدت الطبيعة ثوبا مزركشا بألوان ضاحكة. فنانة ترسم الانسان، تلون همومه وافراحه، وكما ترسم الازاهير والطيور والفراشات والمرأة بجمالها وعطاءها، فإنها تهتم بأزمات الانسان، وما تخلفه الحروب والإرهاب، ولأنها تؤمن بأن العراق مصدر مهم للإلهام ونهل للمعارف فقد احبت العراق، شعبه، واطفاله، وارضه، وارثه، وتاريخه.
تتغنى ببغداد، بالهور والمشحوف ودجلة والمتنبي والقشلة وليالي شهرزاد وشهريار. كانت ضيفة على مخيمات النازحين في العراق، لعبت وغنت ورسمت مع اطفال هذه المخيمات، زارت الموصل ورسمت فوق ركام المأساة، لوحاتها كائنات تسبح بالألوان. تؤمن بأن الفنان رسالة جمالية وموقف، والا سيتحول الى مرتزق، وبعد مشاركتها في سمبازيوم وورش عمل في سهل نينوى، كانت ضيفة على العاصمة الحبيبة بغداد حيث التقيناها.
التشكيلية المفتونة بالإنسان والطبيعة والالوان عبير عربيد تقول: من لم ير العراق بعينه فسيُفتن بتاريخه ومنجزه الحضاري، فكيف لا افتن به وانا من زرته مرارا، وشاركت اهله افراحهم واتراحهم، عشت معهم في احتفالات انتصاراتهم وواسيتهم عبر لوحاتي باتراحهم».
وتضيف: العراق مصدر مهم للإلهام ونهل المعارف فمن يرى القشلة المطلة على نهر دجلة، والحراك الثقافي في شارع المتنبي، ويطلع على معالم العراق الحضارية، لا يمكن الا أن يتفاخر بذلك التاريخ والاصالة والجمال، من يتأمل من ساحة التحرير نصب جواد سليم، لا بد أن يعشق بغداد، ومن يدخل بيوت العراقيين سيتيقن بأن تلك الحضارة انجبت شعبا أبيّ كريم مبدع، بغداد الف ليلة وليلة، بغداد الرشيد والمتنبي والجواهري وناظم الغزالي، بغداد أبو نؤاس ونسيم دجلة، هذه بغداد في مخيلتي فكيف لا افتن بها؟ وحين أقول بغداد فأنا أعني العراق، فالعراق كله بغداد، وبغداد كل العراق.
* لكل فنان رسالة جمالية، ماهي رسالتك انت؟
– «قد اختلف مع من يقول ان للفنان رسالة جمالية، لأني أؤمن بأن الفنان نفسه رسالة جمالية، إضافة الى ان الفنان موقف، والا سيتحول الى مرتزق، الرسام مجموعة ألوان ينثرها حيث يحلّ وبالنتيجة يضفي على الحياة جمال آخر فالله خلق الجمال، لكنه أيضا خلق الانسان جميلا، ومنحه القدرة على ترجمة ذلك الجمال بالفرشاة حينا، وبالمسرح والسينما وكل ضروب الفن الأخرى أحيانا أخرى. ولا بد للفنان أن يأخذ دوره في التغيير وأن يكون مؤثّــرا وفاعلا في الحياة الاجتماعية والثقافية والمعرفية».
* كفنانة تشكيلية ماهي علاقتك بالنازحين والايتام؟ ماذا قدمت لهم؟
-هنا لا بد أن اتوقف قليلا، وقفتي لأني وشعبي عانينا ما عانيناه جراء الحروب، ذقنا الوان العذابات، عاش أطفالنا في الخيم والكرفانات، فكان لا بد لي كفنانة أن اعبر عن تضامني معهم، ولأني لا املك غير فرشاتي وموقفي الإنساني، لذا تراني مهتمة في زرع البسمة على وجوه المحتاجين للجمال، وفي آخر ورشة لي في بغداد شعرت بألم كبير وأنا أرى أطفال الكرفانات يرسمون بيوتا ملونة، لقد سكنوا بيوتا خلقناها معا على القماش، قد يكون هذا محفزا لهم للمطالبة بحقوقهم يوما ما، ولكن في الوقت نفسه غمرني الفرح، وأنا اراهم كالطيور يتجولون بين الألوان ويبنون اعشاشهم الجميلة.
وتتابع: لقد شاركت في العديد من الورش في اكثر من بلد عربي ما يضفي على روحي السعادة، فأنا بذلك احس باني اسخر فني لسعادة الاخرين، ربما أيضا خسرت الكثير من وقتي لتلك الورش، لكني اكتنزت في مخيلتي صورا جميلة وربما سترون بعض منجزات الأطفال في لوحاتي المقبلة.
* زرت مدينة الموصل ووقفت على تل الخراب فيها، ماذا شكلت هذه الزيارة في نفسك؟ هل تمخض عنها اعمال تشكيلية؟ وما موضوعات هذه اللوحات؟
-ربما هناك قسوة في سؤالك، فحين تقول تل الخراب فلا أرى ذلك وصفا دقيقا لما رأيته، فان كنت رأيت تلا من الخراب ففي المقابل رأيت جبالا من الصمود، جبالا تمثلت في ارادات الشعب هناك عموما، والفنانين على وجه الخصوص، وهم يتحدون ذلك الخراب، لقد رسمنا الحياة التي نريدها، لا الحياة التي يريدها أعداء الحياة، نعم رسمت لوحة أعدها من لوحاتي المتميزة عن نينوى، رسمت أما تحتضن ولدها، كنت أعنى الموصل التي لن تتخلى عن أهلها ولا أهلها يتخلون عنها.
وتضيف «لا استطيع القول بأن لي مشاريع فنية عن الموصل اليوم، لكن ما اكتنزته من صور الموصل سيبقى وبالتأكيد سيترجم يوما الى اعمال فنية، لقد رسمت في الشارع، في الكنائس، لوحاتي هناك على البيوت المهدمة، لن اتوقف عن دعم المظلومين عبر منجزي التشكيلي».
* الناظر للوحاتك يجدها ضاجة بالأشكال والشخوص والالوان، كيف تسيطرين على خطوط هذه اللوحات؟
-سؤال جميل، لوحاتي عبارة عن كائنات تتحرك في ألواني، تلك الكائنات أحيانا تتحرك من دون أن اوجهها، احس انها ترسم نفسها، هي اسقاطاتي التي صادقتني، هي روحي تتشظى عبر لمسات جمالية، وكائنات أحيانا اتعرف عليها بعد أن ارسمها، واصادقها، بل أحيانا تفرض نفسها في أكثر من لوحة، تلك طفولتي، طفولة حرب، تلك أيضا بعض صور لأحلام أطفال عملت معهم في مخيمات اللجوء وكرفانات المهجرين، تلك صور من حياتي، أيضا هناك كائنات أخرى، الحيوانات التي تأخذ مساحة في لوحاتي، تلك الكائنات الجميلة تتمازج مع الكائنات الادمية لتخلق لوحة من كيانات تعيش على الأرض، قد تهجم تلك الكائنات بغتتة على لوحتي وكأنها تقول: اريد مكانا لي في هذا الحيز، في هذه اللوحة.
* ما هو الحيز الذي تشغله المرأة في لوحاتك؟
-المرأة في لوحاتي ليست ثابتة الشكل، لكنها ثابتة الجمال والعطاء، ظهرت في اكثر من لوحة أما، وفي أخرى وطنا، كانت في لوحتي عن (جريمة سبايكر) ذلك الرحم الذي انجب العشرات من الشهداء الذين سالت دمائهم على ارض العراق، وفي لوحة الموصل كانت أرضا تحتضن الأبناء، وهكذا تأخذ المرأة حيزا في لوحاتي، بل أحيانا تظهر المرأة كمهرة جامحة، هكذا تتعدد صور المرأة في لوحاتي وتلخص معنى العطاء والمحبة.
* الملابس التي ترتدينها عبارة عن لوحات فنية متناسقة الالوان، هل هو التميز ام الموضة؟
– انا اعتبر الفنان منظومة متكاملة تتأئر ببيئتها، ملابس وطباع واخلاق وما الى ذلك فأنا مجبولة بالألوان، وأما عن ملابسي قد تكون بيئتي احدى أسباب ذلك فأنا ابنة منطقة غنية بالألوان وغنية بالقيم العربية الاصيلة فحين افتح عيني صباحا أرى الضيعة تعج بالألوان، أشجارا وزهورا واحراش، فحين لبست تلك الطبيعة كنت عبير عربيد المحبة لطبيعة بيئتها.
* هل لعبير عربيد امنية؟ ماهي؟
-أصبحت أمانينا حقوق فنحن نتمنى أحيانا ما كان يجب أن يكون لنتمنى الأفضل منه ، أتمنى أولا لأوطاننا السلام ولشعوبنا المزيد من العمل للارتقاء بحالنا ولعائلتي التي احب دوام الأمان، كفنانة تشكيلية اتمنى أن تقدّر المؤسسات الفنية المختصة منجز الفنان بعيدا عن تأثيرات العلاقات الشخصية وان تحتضن هذه المؤسسات الفنان وتهتم بعطائه.