حوار مع القاص العراقي علي السباعي:
أمجد مجدوب رشيد ـ المغرب:
علي السباعي قاص عراقي،الولادة والمنشأ إنساني الهوى،عرفته منذ 2014 هذا القاص المتميز تعرفت عليه من الفضاء الأزرق،وامتدت هذه الصداقة سنوات وقرأت له،وشغفتني كتابته بدأت ثمارها تنضج، فكان كتاب ((السرد ومرايا الذاكرة)) ط1-2016.وفي هذا الكتاب الذي جعلت له نصيبا منه درست قصصا من مجموعته:»مدونات أرملة جندي مجهول» وركزت على نضاله ضد مسح الذاكرة،وهذا يكاد يكون مشروعه الوجودي، وظهرت له مجموعته :»إيقاعات الزمن الراقص» ولم يكن الكتاب قد ارسل للطبع ،فأضفت دراسة عن هذه المجموعة وكانت بعنوان:»العجائبي والرمزي في الكتابة القصصية ،قصة عرس في مقبرة» .وحضر في كتابي الجديد (( السرد :الأنساق السيميائية والتخييل)) ط 1/2019 بالعراق..حيث تناول الكتاب تجربته القصصية في سياق تجارب قصصية عربية أخرى ( خمس تجارب خليجية و سبع أخريات من باقي الدول العربية) وهكذا تم مقاربة أعماله القصصية ومن أهمها مجموعته: ( ( مسلة الأحزان السومرية )) .
نقدم للقارئ الكريم قبسا من تجربة هذا المبدع من خلال الحوار التالي والذي يحمل خبر فوزه بالمرتبة الثانية في مسابقة للقصة القصيرة جدا والتي عل إثرها تم إصدار كتابه القصصي: ( ( ألواح .. من وصايا الجد )).ط11/2019.
كيف يُعرفُ علي السباعي الكتابة القصصية؟
- فن أدبي قديم رفيع جامح مراوغ عالمي، أبصر النور حكاية مكتوبة مستمدة من الواقع تسجل أحداثاً مر بها الإنسان فتح فيها عينيه على مشهد الكوارث وعايش الحروب الطويلة في فترة معينة من الفترات سواء كانت أحداثاً كبيرةً أم حدثاً واحداً، وهذه الكروب والكوارث تركت في نفس المبدع أثراً، فكتبها لتعبر عن حياته ومشكلاتها، لتلبي حاجاته الإنسانية والاجتماعية والنفسية بسردها للأحداث والوقائع، ولكونها فن مراوغ وحصان جامح، لابد لها من فارس بارع وماهر يكبح جماح فرس القصة القصيرة، هذه الفرس الحرون المشاكسة المراوغة الجميلة الرائعة جعلت مهمة المبدع أن يربطنا بالآم الإنسان الرئيسة في هذا الكون. حصلت مؤخراً على المركز الثاني في مسابقة القصة القصيرة جداً دورة نظمتها منشورات أحمد المالكي بالعراق. ماذا حملت هذه المناسبة لك؟
- حملت لي آلاماً جديدةً وأحزاناً إضافيةً وأعباءً كبيرةً وقارئاً نابهاً جديداً يقرأ هذا الفن الأصعب بعد انحسار الضوء عن القصة القصيرة. « ألواحٌ . . . من وصايا الجد « مجموعة قصصية تضاف إلى مجاميعك القصصية:( إيقاعات الزمن الراقص، زليخات يوسف، بنات الخائبات، مدونات أرملة جندي مجهول، ومسلة الأحزان السومرية . . . )، وغيرهن. هل تقترح في هذه المجموعة نمطاً آخر للكتابة؟
- رفعت راية القصّة القصيرة جداً خفاقة مرفرفة بقصص مفعمة براهنية العراق الذي أعيشه قصصاً كتبت كل يوم حياة العراقيين، وعشت بكتابتها مليئاً بالعراق، حاولت بكتابتها أن لا أسجن نفسي في نمط قصصي معين لجأت إلى البراءة الصافية في تدوينها، و» غاية الأدب هي أن لا يطلق الغبار بل الوعي « مثلما علمني صديقي « وول سوينكا « بذلك يكون جوهر القصة التي أكتبها يتمحور حول عذابات الإنسان في عالمنا الموغل في الخراب والاضطراب والحروب والمجاعات والمذابح والممتلئ بالمأزومين والموتورين والمتوترين والمضطهدين والهامشيين هو عالم القصة القصيرة المثالي باعتبارها أداة متميزة فنياً وإبداعياً على مقاربة هذا العالم، إنه عصرها، عصر قصص بمنزلة برقيات من الجحيم العراقي وتعتبر بامتياز ملحمة الإنسان المتمدن في هذه الحياة. إن الأساس في الأجناس الأدبية هو الإبداع، والدافع لوجودها هو المكان الملائم للحديث عن قضايا الإنسان، ويملك كتابها صفة كونهم باعثي الحياة في نصوصهم الإبداعية، لأنها تفتح باباً للإطلاع على المعاش وتمزقات الواقع، وأعتبرها أقرب ما تكون لما يقوله العرب البلاغة في الإيجاز، معرباً فيها عن اعتقادي بأن القصة القصيرة جداً في شكلها الحقيقي تجسيد للبلاغة في الإيجاز. اعتمدت ما اعتمدته العرب قديماً الحبكة الحكائية حتى في التوصيف وبث الرسائل والأخبار، لأنها تعبر عن الحالة العراقية ليس من واقع سياسي ثوري فقط، وإنما انعكاس الحالة السياسية على الإنسان في حياته الاجتماعية وسلوكياته، لكنها مازالت تحتاج إلى غاية واهتمام اكبر من المثقفين باعتبارها الصورة اليومية التي تعكس مفارقات مجتمع مليء بالمتناقضات، القصة القصيرة جداً هنا تمثل حالة وطن معذب.
ما سر هذه العودة إلى التاريخ والحضارة العراقية القديمة؟
« ألواحٌ . . . من وصايا الجد «
«زليخات يوسف «
«مسلة الأحزان السومرية « - …لأن الحاضر سيء وعائم وبلا جذور، هي دعوة للعودة إلى الجذور حتى لا نكون سطحيين لأننا أصحاب حضارة عريقة وكل ما هو قديم أصيل وجيد وخلوق وخلاق ومبدع … وهي محاولة مني لللفت نظر الشبّان لماضيهم العريق ولجعلهم يتكؤون على أرث حضاري عميق وغني وثر وعريق.. ماذا يمكن أن يقول القاص علي السباعي عن واقع القصة في العالم العربي؟
- تراجع جنس القصة القصيرة في العالم العربي مؤخراً إلى مراتب متدنية مقارنة بالرواية التي باتت تعيش ذروتها، هجر الكتّاب للقصة القصيرة جعلها تعاني من أزمة حقيقية، يلمسها كل مشتغل ومهتم بالكتابة الإبداعية، رغم وجود الكم الكبير من المجموعات القصصية على رفوف المكتبات العامة والتجارية، إلا أن اهتمام القراء محدود جداً بها، فالأولوية للرواية، كما انحاز النقاد لتناول الروايات والكتابة عنها، فهي موضة العصر، وسيدة الرفوف، وحلم كل كاتب أن يقال إنه روائي. لمن يقرأ علي السباعي؟
- أعتبر نفسي قارئاً للشعر وللسرد العراقي والعربي والعالمي ، وأقرأ لكبار كتاب القصة والرواية في العالم اللذين تفتح كتاباتهم على روحي وعوالمها أبواباً، أقرأ عراقياً لفؤاد التكرلي وعبد الملك نوري ومهدي عيسى الصقر ونزار عباس وغائب طعمة فرمان والشاهق محمد خضير وعبد الستار ناصر وعبد الرحمن مجيد الربيعي وكاظم الأحمدي وعبد الخالق الركابي واحمد خلف وجليل القيسي وعبد الإله أحمد وفهد الأسدي وغيرهم من كتاب العراق فضلاً عن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ويوسف السباعي وعبد الرحمن منيف والشاهقة نوال السعداوي وادوارد الخراط وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وصبري موسى وزكريا تامر وعبد السلام العجيلي وواسيني الأعرج وياسمينة خضرا والطاهر وطار وأحلام مستغانمي، ولعبد الكريم برشيد وعبد الكبير الخطيبي ومحمد شكري ومحمد زفزاف وغيرهم من العرب، فضلا عن الكبير دوستويفسكي وتشيخوف وكوكول وبوشكين وأدغار ألن بو وموبسان وميلان كونديرا وارنست همنغواي وجون شتاينبك وديفيد سالينجر وغابريل غارسيا ماركيز وكاليفينو وباتريك زوسكند، وغيرهم من كتاب العالم وروائييه. هذا التلاقح العراقي والعربي والعالمي، هو الذي تمثلته كي يكون معيناً لي في عملية الإبداع، فضلاً عن تجارب حياتية، وما قد يصلنا من تجارب الآخرين على المستويات كلها، ويجب أن لا ننسى موهبة الكتابة وهذا الإصرار الشغوف بأخذ موقع في هذا الخضم الهائل من مختبرات الإبداع وعوالم الكتابة المعذبة والجميلة في آن معاً. بماذا تحلم أيها القاص؟
- أَنْ أُخَلَّدَ كما خُلِّدَ الأُلى من قبلي.