الأشكال الأولية للحياة الدينية لدوركهايم

صدر عن سلسلة «ترجمان» في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الأشكال الأولية للحياة الدينية: المنظومة الطوطمية في أستراليا، وهو ترجمة رندة بعث العربية للطبعة الخامسة من كتاب إميل دوركهايم المنشورة بالفرنسية Les Formes élémentaires de la vie religieuse – Le systeme totémique en Australie، والصادرة في باريس في عام 1968.
يطوّر دوركهايم في هذا الكتاب نظرية عامة عن الدين بتحليل المؤسسات الدينية البدائية الأبسط، ويجادل بأن الدين مجموعة من العقائد والعادات بينها علاقات متبادلة ومرتبطة بأشياء مقدسة، ويقترح تصوراً جديداً للدين وللقوى الاجتماعية التي ينتجها.
يتألف الكتاب (608 صفحات بالقطع الوسط، موثقاً ومفهرساً) من مقدمة وثمانية عشر فصلاً في ثلاثة أقسام وخاتمة. تضم المقدمة، وهي بعنوان «موضوع البحث: السوسيولوجيا الدينية ونظرية المعرفة»، موضوعي الكتاب، وهما: تحليلُ أبسط دين معروف بهدف تحديد الأشكال الأولية للحياة الدينية، ونشوءُ المفاهيم الأساسية في الفكر وأسباب الاعتقاد أن لها أصلاً دينياً، ومن ثم أصلاً اجتماعياً.

تصورات في الدين الأولي
في القسم الأول من الكتاب، والذي جاء بعنوان «مسائل تمهيدية»، أربعة فصول. في الفصل الأول «تعريف الظاهرة الدينية والدين»، يبحث دوركهايم في الدين المعرّف بما فوق الطبيعي والغامض، ناقداً مفهوم الغامض من حيث هو ليس بدائياً، كما يبحث في الدين معرّفاً بموجب فكرة الله أو الكائن الروحي، والأديان التي لا إله فيها، والأديان الربانية والشعائر التي لا تتضمن فكرة ألوهية. كما يبحث في انقسام الأشياء إلى مقدّسة ودنيوية، والتمييز بين السحر والدين، وفكرة الكنيسة التي تستبعدها الأديان الفردية.
وفي الفصل الثاني، «التصورات الرئيسة في الدين الأولي»، يميز دوركهايم بين الأرواحية وعبادة الطبيعة، ناقداً أطروحات الأرواحية الثلاث: نشوء فكرة النفس مميزاً بينها وبين الفكرة المزدوجة؛ تشكل فكرة الروح قائلاً إن الموت لا يفسر تحول النفس إلى روح؛ وتحوّل عبادة الأرواح إلى عبادة طبيعية. ويخلص إلى أن الأرواحية تختزل الدين إلى ألا يكون سوى منظومة هلوسات.
ويتابع دوركهايم في الفصل الثالث «التصورات الرئيسة في الدين الأولي (متابعة)»، بحثه في عبادة الطبيعة، عارضاً المذهب الطبيعي وفق ماكس مولر، متناولاً التمييز المزعوم بين الدين والميثولوجيا، والنزعة الطبيعية التي، بحسب رأيه، لا تفسر تمييز الأشياء إلى مقدسة ودنيوية.
ثم يقدّم في الفصل الرابع «الطوطمية بوصفها ديناً أولياً»، تاريخاً موجزاً لمسألة الطوطمية، والحاجة إلى منهج سيتطرق من أجله، في الكتاب، إلى الطوطمية الأسترالية.

العقائد الأولية
يضم القسم الثاني المعنون «العقائد الأولية»، تسعة فصول. يستكمل فيها المؤلف أبحاثه مفتتحاً القسم بالفصل الخامس بعنوان «العقائد الطوطمية المحض»، وفيه يبحث دوركهايم في الطوطم بوصفه اسماً لعشيرة، وفي الطوطم بوصفه شعاراً، والرسوم الطوطمية المحفورة في الأشياء أو الموشومة في الأجساد، وينتهي إلى تناول الطابعَين؛ المقدس والاصطلاحي للشعار الطوطمي.
ويدرس دوركهايم في الفصل السادس «العقائد الطوطمية المحض (متابعة)»، الطابع المقدس للحيوانات الطوطمية، وهو، كما يرى، أقل وضوحاً من الطابع المقدس للشعار. كما يدرس قرابة الإنسان إلى الحيوان الطوطمي، والأساطير المختلفة التي تفسر هذه القرابة، قائلاً إن الطوطمية ليست عبادة الحيوانات.
ويستمر في الفصل السابع وبالعنوان ذاته «العقائد الطوطمية المحض (متابعة)»، متناولاً المنظومة الكونية للطوطمية ومفهوم الجنس، من تصنيف الأشياء في عشائر وأفخاذ وطبقات، مروراً بنشوء النوع البشري، وانتهاءً بالمعنى الديني لهذا التصنيف.
وكذا الحال في الفصل الثامن «العقائد الطوطمية المحض (خاتمة)»، والذي يبحث فيه المؤلف في الطوطم الفردي بوصفه اسم علم له طابعه المقدّس، وبوصفه شعاراً شخصياً، وفي الصلات بين الإنسان وطوطمه الفردي والطوطم الجماعي. كما يبحث في طواطم المجموعات الجنسية.
أما في الفصل التاسع الموسوم «أصول هذه المعتقدات»، فيعرض دوركهايم النظريات التي تنسب الطوطمية إلى دين سابق، والنظريات التي تنسب الطوطمية الجماعية إلى الطوطمية الفردية، ونظرية فريزر الحديثة أي الطوطمية المفاهيمية والمحلية، ونظرية لانغ القائلة إن الطوطم ليس سوى اسم، مستشفاً أن هذه النظريات كلها لا تفسر الطوطمية إلا من خلال مفاهيم دينية تسبقها.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

إميل دوركهايم: أحد رواد علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، وذو سمعة عالمية. كان أستاذا للتربية وعلم الاجتماع في جامعة السوربون بباريس، ومن مؤسسي المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع. أسّس مجلة L›Année sociologique في عام 1896، ونشر فيها بحوثه وبحوث طلابه وزملائه الأكاديميين. تأثر بمن سبقوه، ومن أهمهم هربرت سبنسر وأوغست كونت، وكان تأثيره كبيرًا في باحثين أتوا بعده، ومنهم مارسيل موس وبيار بورديو وموريس هالبواخ وكلود ليفي شتراوس. من أهم أعماله: في تقسيم العمل الاجتماعي؛ الانتحار؛ قواعد المنهج في علم الاجتماع.
رندة بعث: مترجمة سورية، حاصلة على ماجستير في الترجمة والترجمة الفورية من جامعة دمشق، وعلى دبلوم في الترجمة من جامعة ليون الثانية. من ترجماتها: أزمة الهويات (كلود دوبار)؛ أزمة الطبقات الوسطى في المشرق العربي (إليزابيث لونغنيس)؛ الباب – مقاربة إثنولوجية (باسكال ديبي).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة