بُستانيّ غاضب على حديقة.. وقصائد أخرى

فرانك كونجراخت
ترجمة عماد فؤاد

بُستانيّ غاضب على حديقة
لو أردت الأشياء كلّها على طريقتك يا بستان
فهي كلّها كما أردت
ولو كانت الأشياء على طريقتنا
فهي كلّها.. لنا!
سيّئة هي الأشياء كلّها
ونحن.. لم نعد فرحين كفاية
لكنّها.. الأشياء
لم تصبح كما أردت لها أن تكون
يا بستان!

رغبة
في قطارنا الخاص نجلس
نجلس.. منتظرين وصول قطار «أوستنده»*
حاملاً اثنتين أو ثلاثاً من بنات عمومتنا
بقبَّعاتهنّ العريضة المصنوعة من الخوص
ننتظر في زاوية مقصورة القطار
فيما تتقلّب القطط في كتاب «القوائم الأماميّة للحيوانات»
ونحن نشرب.. ونشرب
نشرب «چنيفر» و»ليكورن»
وبعد برهة نبدأ في الاهتزاز من ضحكنا
وصدقنا في الكلام
ورويداً رويداً
تصبح ضحكاتنا مدوّية
فبنات عمومتنا لم يظهر لهنَّ أثر
في قطار «أوستنده».

تَقَدُّم
لجميع السّيارات التي تئزّ تحت المطر
جوار نافذتي،
مصابيح أماميّة قوية ومُضاءة،
وهي تعبر انحناءة الطّريق،
ما أتمنّاه أن تكون في طريقها إلى مكان ما
وأن تكون السّيارات التي تليها مختلفة
وليست دائرة
تلك التي دون سبب
تُبعثُ من جديد
من قبل المجنون غير مرئيّ ذاته.

1975
سنوات جميلة كانت آنذاك
الرّوح تعصف بالتّجمعات
خلال ساعات عمل الآخرين
بتضخيم الموسيقى إلى أقصاها.
كانت سنوات جميلة
حيث تأسّس ميل الطّبقة العاملة للهرج
بشكل قاطع.
لكن من السّماء الفارغة
سقطت
ربطة عنق هائلة.

لا أستطيع النّوم
لا أستطيع النوم
نهر «ماس»** جديد
قليل أو كثير منه يكفيني
لكن في العتمة المترامية لن أستطيع فعلها
موجة صغيرة تتسلّل من الضّفة
آلاف غيرها يهربن معها
يتصادمن ويتشابكن مع بقعة الماء السّوداء
في الطّريق إلى المصابيح البعيدة
لا أستطيع النّوم
نهر «ماس» جديد
فيما أضطجع
لأفكّر في الفتيات الثّقيلات
اللاتي لا أستطيع حملهنّ
بسهولة.

أبي.. دليل الماء العذب
(1)
ينسى أبي – شيئاً فشيئاً –
كلّ شيء كان يعرفه جيّداً من قبل
عقله
طائره الذي طار بعيداً
وليست ثمّة بقرات لتترك أثراً على الأرض
أحبَّ أبي السّحب
لكنّها كانت جبال نسيانه
لا تصنع أثراً لنفسها في الهواء
ولا أحد سيصارحها بذلك.
حتى المصارحة لن تساعدها في شيء
فالسّحب
لا تعرف ما الذي تفعله.
(2)
يحدِّث عُمّاله وطيوره بالطريقة ذاتها
بنعومة شديدة لا تتناسب مع رجل
الزّرازير، الدّجاجات العتيقة، الجرذان
تتحوّل أمامه إلى أبناء
قال لشحرور في البستان: «وماذا بعد يا بُني»
وحين انتبهتُ
وجدته يُحدّثني!
(3)
تتبدّد جبال السّحب الهادئة في الهواء
أحبَّ أبي هذه الأشياء
برسائلها الغريبة
وهي معلّقة فوق البيوت، الجسور، أسوار الحدائق
وفوق بقع المياه حيث تكمن الأسماك..
(يجب عليك أحياناً أن ترعاها
كما لو كنتَ مسؤولاً حكوميّاً).
(4)
مؤكد أنّ شخصاً ما
شهَّر به.. وذمَّه
وإلا فلماذا يتوقّف بهذه الطّريقة الغريبة في الغرفة
ثقيلاً كأنَّ الرّصاص في قدميه
يقول القانون: «ممنوعٌ أن تصيد الأسماك بطُعْم حيّ».
ويقول أبي: «كنتُ دوماً إنساناً محترماً
أموري جيّدة مع الأسماك البيضاء يا بُني
لا أصطادها أبداً بخطّاف ينغرس في ظهورها
بل بصنّارة دقيقة
في فمها»!
مؤكّد أنّ شخصاً ما
شهَّر به..
وذمَّه.
(5)
هذا هو أبي
بطيءٌ كفاية
ومُعتنٍ بأمنه وسلامته
ببنطال مخبّأة في جيوبه ثمانية وأربعون «خولدن»***
البنطال المشدود بقسوة
إلى أسفل صدره
وخفّته التي
لا تُحتمل.
(6)
على بعد ثلاثة أرباع المتر
تسبح طائرة رمادية مزرقّة
موديل (26×14) سنتيمتر ذات حوافٍّ حمراء
تقودها امرأة صغيرة هشّة
امرأة تستطيع أن تقاومها بسهولة
مصنوعة من قليل من الصّوف.. وجوربين
وسلسلة في الرّقبة
وبالرّغم من نوم الجميع
ووضع الأسلحة جانباً
إلا أنّ الجوّ كان متوتّراً
والصمت يحزُّ الهواء مثل سكِّين
وعلى النّافذة التصق حلزون
جفَّ
واصفرت بشرته.
(7)
وهنت الرّيح.. وهبط الليل
المطر يحبو في الخارج بنعومة فوق المزارع
قلنا سيكون غروباً هادئاً
أمسيّة من البورسلين
وليلة ناعمة مثل أمّ
ستأتي بعد هنيهة بقدميها الكبيرتين
ووجهها الدّقيق.
أُغنية للنَّوم
ذاهب لأنّني نعسان
أفْضل وأجمل ما يمكن لك أن تفعله
هو أن تنام
فالذين يتشبّثون أكثر من اللازم بالحقائق
لا يستطيعون النّوم جيّداً.
بواسطة خرافة صغيرة في اليد الأخرى
تستطيع أن تغفو هادئاً.. كوردة
خاصّة عندما تمطر في الصّيف.
عندما تمطر في الصّيف
تغسل الأمطار بمياهها
حقائق سقفنا الوهميّ.

إبجرام
ماما.. كنت أفكِّرُ فيك (بوب ديلان)
سنذهب، يا أمُّ
سنذهب لو سقطت الثّلوج
وسنذهب لو لم تسقط الثّلوج..
سنذهب في كلّ الأحوال
العتمة واطئة، والنّور مستطيل
الشّرفات تقفز هي الأخرى دون حرب من البيوت:
لكنّنا.. سنذهب، هذا مؤكّد
فها هو قد مات
كنملة على سجّادة السُّلم
لذا أصبحنا بطيئين
بطيئين جداً ككلاب أُسيء تسمينها
ونحن نرقب تأرجح كريستال الثّلوج
على زجاج النّوافذ في الخارج.


فرانك كونجراخت شاعر هولندي ولد بمدينة روتردام في 23 تموز/ يوليو 1945. بدأ دراسة علم النّفس بجامعة لايدن عام 1963، ليعمل منذ ذلك الحين وحتى تقاعده في عام 2009 كطبيب نفسيّ بالمدينة ذاتها. بدأ نشر أولى مجموعاته الشّعرية عام 1971. وقد أصدر حتى اليوم أكثر من خمس عشرة مجموعة شعرية، من أهمّها: «معسكر الحرية» 1976، «أكياس قمامة»، «بريء»، «خمس قصائد» وجميعها صدرت عام 1984، «براغ» 1985، «إبجرامات» 1986، كما أصدر مختارات شعريّة تحت عنوان «اختفاء لايدن» عام 1989، تضمّنت قصائده المكتوبة في الفترة بين (1971 – 1981)، ثمّ مجموعته «سموكنج» 1994، والتي صمت شاعرنا بعدها طويلاً حتى عاد بمجموعته اللافتة «ثلوج مبكِّرة» عام 2003. وكانت آخر مجموعاته الشّعرية قد صدرت في العام 2011 وحملت عنوان «موت لذيذ في أرض الوطن»، واليوم تحتفل الأوساط الأدبية الهولندية بصدور أعماله الشعرية الكاملة، والتي صدرت قبل أسابيع عن دار نشر «ده بازيخه باي» الهولندية المرموقة تحت عنوان «جميع القصائد»، متضمّنة عدداً كبيراً من القصائد التي لم تنشر من قبل.

هوامش:
*أوستنده: إحدى مدن بلجيكا الساحليّة.
**ماس: أحد الأنهار الأوروبية، يبدأ منبعه من فرنسا ويعبر بلجيكا وينتهي في هولندا.
***خولدن: عملة هولندية قديمة سبقت توحيد العملة الأوروبية اليورو.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة