مافيا المولدات، فساد الحكومة.. والتدافع السياسي
هانم التمساح*
مشكلة الكهرباء في “العراق”، العائم على بحر من “البترول” والثروات الأخرى الثمينة، صارت مستعصية بفعل فاعل وأمر دُبر بليل من قِبل الطبقة السياسية الحاكمة؛ التي لم تُحرك ساكنًا كأنها غير معنية بانقطاع التيار الكهربائي، فهم موزعون مع عائلاتهم في شتى أصقاع الدنيا، كما أن خطوط الطوارئ تغذي بيوتهم على مدار الساعة، فلا يشعرون بما يعانيه المواطن المغلوب على أمره.
وخرجت دعاوى تطالب الشباب المثقف الواعي وشيوخ العشائر، من أبناء قضاء “الكميت” والقرى المجاورة، إلى مظاهرة كبرى للمطالبة بحقوقهم؛ وخصوصًا إنقطاع التيار الكهربائي لصيف كامل في جو لاهب تزداد حرارته يومًا بعد الآخر، وترويع عائلاتهم وأطفالهم وكبار السن ومخاطبة الدوائر المعنية بالحسنى.
وقال السيد، “عدنان”، أحد الداعين للتظاهرات: “نحن في شهر محرم الحرام، شهر الشهادة والثورة، ومحاربة الظالمين والمنافقين والفاسدين؛ نرجو أن يكون عدد المتظاهرين كافيًا وإيجابيًا حتى تصل أصواتنا لأصحاب القرار، الذين لا يضعونا في حساباتهم ويعجزون عن حل مشكلة كهذه، برغم أننا بلد بترولي، لكن ثرواتنا تُنهب مرة للأميركان ومعاونيهم؛ ومرة لطهران، ونحن لا حيلة لنا”.
الأزمة منذ 2003
ومنذ عام 2003، و”وزارة الكهرباء العراقية” تُعلن عن توقيعها عقودًا مع شركة “أويل فيلد سيرفيسز” الإماراتية، من أجل تزويد “العراق” بالطاقة الكهربائية عن طريق بارجتين متخصصين في هذا المجال، سترسوان في “ميناء المعقل”. وبكل جدية، وأن فترة سريان العقد هي عامان فقط.
منذ ذلك الحين؛ وحمى العقود والوعود المستمرة لم تتوقف، لكنها في الغالب هي مجرد دعاية إعلامية للاستهلاك الانتخابي، ويتخبط المسؤولون في القرارات من دون حل للأزمة؛ بل وأهدرت الحكومات المتعاقبة ما يزيد على الـ 27 مليار دولار من دون إحداث أي تقدم، واقر وزير الكهرباء أنه، منذ عام 2005، لم تدخل “العراق” أي معدات خاصة بإنشاء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية.
مافيا المولدات وفساد الحكومات
من جانبه؛ قال عضو البرلمان، “محمد الكربولي”، إن هناك إشكالية في ملف الكهرباء لا تنسجم مع ما أنفق من أموال طائلة، طوال السنوات الماضية، على هذا الملف، ولا مع ما يتوقع أن نواجهه خلال الصيف المقبل.
وأضاف أن نحو 4 مليارات دولار يدفعها المواطن العراقي لأصحاب المولدات الكهربائية الأهلية، وهو ما يعني وجود مصلحة لهؤلاء في عدم تحسين ملف الكهرباء في “العراق”، موضحًا أن هناك مافيات تسيطر على هذا الملف وتمثل واحدة من أهم عناصر الفساد التي من شأنها عرقلة مشاريع الطاقة الكهربائية في البلاد، وهي مرتبطة بجهات أكبر منها.
وتدخل الحسابات السياسية كلاعب رئيس في الأزمة وفي تعاملات الحكومة مع دول الجوار، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على حل الأزمة، وفي النهاية المواطن البسيط هو الخاسر الوحيد.
الوزارة تنفي الاتهامات
ورفضت “وزارة الكهرباء العراقية” ما عدته مساعي، من جهات وأطراف سياسية، بشأن وجود تدخلات وإحتكارات سياسية في استيراد الطاقة من دول الجوار. وقالت الوزارة، في بيان لها، إن “المجلس الوزاري لشؤون الطاقة” يقوم بواجبه بشكل مؤسساتي في مجال استيراد الطاقة من دول الجوار من دون تدخل سياسي، مبينة أن المجلس يحتفظ بحقه القانوني في محاسبة من أطلق ويطلق هذه الإدعاءات المغرضة، التي تهدف إلى تضليل الرأي العام، والعمل على تأجيج الشارع العراقي.
في سياق متصل؛ وجه رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، بإتخاذ سلسلة من الإجراءات السريعة بهدف الحد من أزمة الكهرباء مع دخول “العقوبات الأميركية”، ضد “إيران”، مرحلة جديدة، في وقت لم يتضح بعد ما إذا كان “العراق” سينال فترة استثناء أخرى لشراء كميات من الغاز والكهرباء الإيرانية بما يعادل 4 آلاف ميغاوات؛ أم سيجري شموله بوقف الاستيراد، وهو ما يعني مواجهته واحدًا من أكثر الفصول سخونة. خاصة مع موجة الحر الشديدة التي تضرب البلاد هذه الأيام.
ووجه “عبدالمهدي”، الوزارات والجهات المعنية، بالاستمرار في إعطاء ملف الطاقة الكهربائية الأهمية القصوى، وإتخاذ إجراءات استثنائية من أجل ضمان استقرار الطاقة الكهربائية وتحسين الإنتاج والتوزيع وتوفير مصادر الطاقة المطلوبة، وموقف صيانة محطات الإنتاج؛ وفك الإختناقات وعقود الشراكة لقطاع التوزيع، إضافة إلى بحث عروض شركة “سيمنس” الألمانية المتضمنة تجهيز وتنفيذ محطات كهربائية.
وفي مسعى لطمأنة الشارع العراقي، كان وزير الكهرباء، “لؤي الخطيب”، قد أعلن أن “وزارة الكهرباء” وصلت إلى مراحل متقـدمة من المـباحثات مع “السعودية” و”الكويت” ودول الجوار، لتفعيل الربط الكهربائي المشترك، وقال “الخطيب” إن الربط مع دول الجوار سيسهم بخلق سوق واعدة بين جميع دول المنطقة. إلا أن المواطن لم يلمس أي تقدم ووجد أن التصريحات الحكومية محض مسكنات لتهدئة الرأي العام.
من جهته؛ أكد “هيبت الحلبوسي”، عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان، أن عدم استثناء “العراق” من العقوبات المفروضة على “إيران” يكلفه خسائر كبيرة، مبينًا أن: “العراق يمر بأزمة حقيقية”.
وأوضح أن: “التقديرات تشير إلى إعتمادنا على توليد 7 آلاف ميغاوات من الكهرباء؛ من إجمالي 15 ألف، مما يعني أن العراق سيفقد نصف طاقته الإنتاجية.
متابعًا “الحلبوسي”؛ أن المحطات الكهربائية تعمل على “الغاز الطبيعي” ولا يوجد أي وقود بديل عنه أو خطوط نقل للغاز من الدول الأخرى أو حتى في البلاد، مما سيؤدي إلى توقفها بشكل تام، خلال الصيف المقبل، في حال عدم وجود حلول جدية.
وإذا نظرنا لخريطة الأزمة وبدايتها؛ يتبين لنا أن ظروف “العراق” وطبيعة إرتباطاته مع “الولايات المتحدة الأميركية”، على أصعدة مختلفة سياسية واقتصادية وأمنية، تجعله غير قادر على مقاومة الأزمة، فالعلاقة هنا لا تُحسب طبقًا للميزان التجاري فقط، بل هناك علاقة متينة مع “الولايات المتحدة” ماليًا وسياسيًا، إذ إن “الولايات المتحدة” تتولى تدريب وتجهيز القوات العراقية، فضلاً عن شراء الشركات الأميركية كميات كبيرة من “النفط العراقي”، اضافة الى أنماط من الحماية الأميركية، سواء للأجواء العراقية أو حتى للأموال العراقية في الخارج، والتي بموجبها تستنزف “نفط العراق” وخيراته بزعم الحماية.
غضب شعبي
وعادت دعوات التظاهر تتجدد مرة أخرى في المحافظات العراقية، خلال الأيام المقبلة، لتُعرب عن رفضها للتراخي الحكومي، وكانت قد شهدت عدة محافظات عراقية تظاهرات احتجاجية على تفاقم أزمة الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة، إذ وصلت إلى مرحلة نصف الغليان، مع استمرار القطع المبرمج للكهرباء الذي يتفاوت من منطقة إلى أخرى أو ينعدم لساعات طوال في بعض الأحياء السكنية بـ”بغداد”، علاوة على المرضى بالمستشفيات، الذين يغرقون في ظلام دامس ودرجات حرارة عالية، وأظهر مقطع مصور؛ طوارئ “مستشفى أبي الخصيب العام”، في “البصرة”، وهي بلا كهرباء.
فيما تعلق الحكومة فشلها على شماعة الإرهاب؛ معتبرًة أن الحرب على الإرهاب قد أثرت على المنظومة، إذ دمرت 25 بالمئة من الطاقة الإنتاجية، و18 بالمئة من خطوط النقل إلى جانب شبكات التوزيع التي دُمرت في أربع محافظات، ما أثقل كاهل المنظومة بشكل عام، وأن مشكلات النقل والتوزيع تحتاج إلى بنى تحتية وأعمال مدنية كبيرة وإلى مبالغ كبيرة تصل إلى ما يقارب 20 مليار دولار لتطوير شبكات التوزيع فقط.
*عن موقع: كتابات