إيهاب علي النواب
الكهرباء في هذا البلد باتت أشبه بالحلم المستحيل، حتى سأم العراقيون من تلك الوعود والاتفاقيات وكلام الفضائيات، فيا ترى من الذي يقف عقبة بوجه تحقيق هذا الحلم؟ فمع كل ماتم صرفه على هذا القطاع الذي يمثل شريان حياة العراق، حتى وصلت المبالغ المصروفة قرابة الـ 50 مليار دولار، الا ان البلد ما يزال يعاني شحة على مستوى الاستهلاك والانتاج في توفير الكهرباء المطلوبة لمواطنيه الذين تستمر معاناتهم مع الكهرباء لا سيما في فصل الصيف.
الا ان البعض يرى ان العراق قد دخل مرحلة جديدة في ظل حكومته الجديدة، والتي قد يصفها الكثير بالضعيفة، لا سيما بعد توقيع الصفقة الجديدة مع العملاق الالماني سيمنز والتي وصلت قيمة العقد فيها الى 14 مليار دولار، والتي الهدف الاساس منها هو امكانية بناء قدرة توليد جديدة وتطوير محطات كهرباء قائمة وتوسيع شبكات نقل الكهرباء في العراق. مع تأكيد الشركة التزامها أيضا بدعم العراق في ترتيب تمويل المشروعات وخلق وظائف جذابة وفرص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
واوضحت التقارير ان سيمنس أعلنت أنها وقعت بالفعل ثلاثة عقود بقيمة إجمالية 700 مليون دولار، ويشمل المشروع بناء محطة طاقة تعمل بالغاز لتوليد طاقة كهربائية بمقدار 500 ميغاواط في مدينة الزبيدية، والمشروع يشمل أيضا منح عقود لتحديث 40 قطعة من توربينات الغاز بأنظمة تبريد وتركيب 13 محطة كهرباء فرعية بطاقة 132 كيلوفولت و34 محولا، وتبدأ إجراءات البناء في موعد أقصاه صيف العام المقبل.
ويبقى السؤال هو، هل سيتحقق من ذلك شيء؟
فكما نعلم ان ثمة هناك عقود سابقة كانت تضاهي ذات المبالغ المتفق عليها في هذه الصفقة وأكثر. اذ يشير الكثير الى ان هذه الصفقة كحال سابقتها من الصفقات التي سيأكل ثمارها الفساد الذي يضرب بالبلد منذ 2003، في حين يرى الاخرون ان أزمة الكهرباء لا تتوقف بشأن الفساد بقدر ماهي سياسية في الغالب، فمثلاً هناك رغبة واصرار من العديد من الدول لا سيما الجوار، ترى في العراق سوقا خصبا لمنتجاتها السلعية والخدمية، مع علمنا بأن العراق يستورد الكهرباء منها أما بشكل طاقة فعلا او بشكل وقود للكهرباء وهكذا دواليك، وبالتالي فأن العراق محط صراع وسوق مثالية لهكذا استثمار، ومن شأن هذه الدول ان تعرقل هكذا صفقات واتفاقيات لحل مشكلة العراق.
كما ان مشكلات وعقبات على صعيد الداخل، تتمثل في فساد الاحزاب والعشائر التي تقف بوجه العديد من المشاريع، بل ودخل في الامر حتى اصحاب المولدات وبعض الساسة المستفيدين من وجود هذه المولدات المحلية. وهذا يعني ان أزمة الكهرباء اكبر من ان يجري احتوائها في اطار اقتصادي وحسب، بل وضرورة احتواء الموضوع من كل جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فهناك ضغط اجتماعي على قطاع الكهرباء بشكل يفوق الانتاج نفسه، وهذا يلقي بظلاله على انتاج وتوليد الكهرباء، فبحسب المعطيات يدفع النمو الاقتصادي السريع الطلب على الطاقة بنحو أكرب في المستقبل، اذ يتضاعف أربع مرات خلال السنوات المقبلة، ليرتفع بزيادة هائلة في 2035، ولا يمكن للقدرة الاضافية التي تعمل عليها وزارة الكهرباء أن تسد حاجة استهلاك الطاقة الكهربائية والمياه في ضوء الخطط السكانية الطموحة في المستقبل القريب؛ وهـذا يعنـي عـدم تمكن العراق من تلبية الطلب على الكهرباء، ولكنه قد ينجح في سد الفجوة.
وفي الاخير يبدو ان أزمة العراق لايمكن معالجتها بحل سحري مهما كانت ضخامة المبالغ المصروفة عليها ففي ظل حاجة تصل الى 30 الف ميغا واط، لن يكون من السهل وضع منظومة متكاملة في ظل عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي فأن حل أزمة الكهرباء هو الاستقرار السياسي في هذا البلد، وبدونه لايمكن معالجة أزمة الكهرباء مهما وصل عدد الصفقات والاموال المنفقة على هذا القطاع الذي يجعل العراق دولة متخلفة قياساً ببقية الدول الاخرى، التي اكثرها تخلفاً لا يعاني مثلما يعاني العراق من سوء الكهرباء قياساً بموارده المالية.