شكيب كاظم
منذ سنوات كتبت في جريدة (العراق) مقالة تناولت فيها أساليب المنشئين، وعددت الأستاذ عبد المجيد الشاوي أحد أصحاب الأساليب المميزة في عالم الكتابة، الى جانب أستاذيّ الراحلين؛ الدكتور علي جواد الطاهر، والدكتور جلال الخياط فضلا عن الأستاذ مدني صالح.
إذ ثمة قول للناقد الفرنسي (سانت بيف) مفاده: إن الأسلوب هو الرجل، اي بالإمكان التعرف على المنشىء من خلال أسلوبه في الكتابة، ومما يؤثر عن سانت بيف قوله-كما يذكر ذلك الراحل الناقد الكبير مارون عبود ( ١٨٨٦-١٩٦٢) في كتابه الممتع ( على الطائر)-ليس عندي وقت للفراغ، ففي يوم الأحد من كل أسبوع ارفع رأسي قليلا وقت الظهر، واتنفس ساعة أو ساعتين ثم يغلق الباب لأظل في سجني أسبوعا!!
لقد كنا نتعرف على المنشىء من خلال إنشائه وأسلوبه في الكتابة، وأسلوبهم الدال على شخصياتهم، وكانت المدرسة الأسلوبية- كما يذكر الناقد الدكتور صلاح فضل-نشأت في الفكر العربي منذ جيلين، منذ أمين الخولي، احمد الشايب، احمد حسن الزيات وعدد من الذين رغبوا في تخليق أسلوبية عربية.- تراجع مقالته ( هل توجد نظرية نقد عربية؟) مجلة ( العربي) العدد ٥٦٠ تموز/ يوليو ٢٠٠٥- فكان لطه حسين أسلوبه في ما يملي والذي يغلب عليه الاطناب وايراد المترادفات وللعقاد أسلوبه الجزل المعقد كأنه يقد من صخر، وللمازني عبارته الرقيقة الرشيقة، والرافعي بفخامة العبارة واعتنائه بالشكل إلى جانب عنايته بالمضمون، او ما يعرف بالمبنى والمعنى، فانت إذ تقرأ ومن غير أن تطالع اسم الكاتب، تحدس إنها من إنشاء طه حسين، أو أو، أما في السنوات والعقود الأخيرة، فلقد انتهى أو كاد التميز الأسلوبي في الكتابة عدا قلة قليلة كان منهم مهدي شاكر العبيدي، والراحل حميد المطبعي ( ت٢٠١٨) وأستاذي الدكتور علي جواد الطاهر،( ت١٩٩٦) الذي كان يدير مقالاته بأسلوب الحوار، فالطاهر يبتدع محاورة قوامها الكاتب ومحاوره، فضلا عن الأستاذ عبد المجيد الشاوي، الذي كان هو الآخر ذا أسلوب في الكتابة مميز.
ما يميز كتابات الأديب عبد المجيد الشاوي، إضافة إلى الأسلوب المحبب، إنه يختار شخصا أو حدثا أو حالة، ويظل يدير حديثه عنها،وهو يجوس في بطون الكتب، ولا سيما كتب التراث، مقلبا صفحاتها، ناهلا منها، معززا رأيه بنصوصها، وهذه فضيلة من فضائل الشاوي على الثقافة العربية، انه يضع كتب التراث العربي الإسلامي في متناول القراء، ويشدهم إلى أصولهم الثقافية، في وقت نشهد عزوفا عنها، تشدقا بالحداثة وما بعد الحداثة وركوبا لموجاتها، ولقد كنت عزمت على الكتابة عن الأستاذ عبد المجيد الشاوي، راجيا منه جمع هذا المتناثر من كتاباته الرصينة والجميلة، والذي يثوي في بطون الجرائد والمجلات العراقية، وانتقاء ارصنه، وإصداره في أكثر من كتاب، فما كتبه الشاوي يشكل مجلدات معرفية وثقافية ضخمة، وكل الذي كتبه رصين وعالي المستوى، لكن هي مشاغل الحياة تأخذنا في أحيان عديدة بعيدا عما خططنا له، إذ حسب علمي وانا الذي واكب كتابات الشاوي منذ الستينات، يوم كان يكتب مقالته الجميلة في مجلة ( العاملون في النفط) وكنت مشتركا فيها، والتي كانت تصدرها شركة نفط العراقi.p.c وقد حولها وبجهد المبدع الكبير الراحل جبرا إبراهيم جبرا (ت١٩٩٤) إلى واحة معرفية ثرة، إنه لم يصدر كتابا قط.
وها نحن نقرأ نعي الأديب الكبير عبد المجيد الشاوي يوم الأحد ٢٤ من تموز ٢٠٠٥ فأسفت على ذلك مرتين؛ الأولى خسارتنا الجسيمة بسكوت هذا القلم المبدع، الذي ظل يجوس خلل تراث العرب وخلاله لا يكاد يغادره يلتقط لنا الثمين من لؤلؤه، والرائع من حكمه، والبديع من مروياته، وثانية أني لم استطع ان اوصل صوتي إليه، مقترحا عليه العناية بتراثه الفكري الباهي، رهين الجرائد والمجلات، واختيار باقات عطرة من هذا التراث المتناثر، ووضعه بين عيون القراء، إبقاء للذكرى وإدامة للصلة بعد الرحيل الجسدي، لأنني مؤمن بأن من لا يهتم بإرثه الفكري في حياته، فلن يهتم به ذووه من بعده، الذين غالباً ما تكون أذواقهم وتوجهاتهم في الحياة بعيدة عن اهتماماته وتوجهاته، وكثيرا ما باع الأبناء مكتبات الآباء وفرقوا إرثه بددا، وهل نسينا بيع مكتبة المؤرخ العراقي الكبير عباس العزاوي بالمزاد العلني، بعد تلقف الورثة لهذه الغنيمة! وقد نشرت الصحف إعلانا بذلك سنة ١٩٧٢كاي إعلان اعتيادي؟!
ترى هل سيكسر ذوو الراحل الكبير عبد المجيد الشاوي هذه القاعدة، ويحاولون جمع بعض هذا المبثوث من تراثه الثر ونشره؟!