إليف شافاك وعُقدة الإسم

كه يلان مُحَمَد

تختارُ الكاتبة والروائية التركية إليف شافاك مِنطقة جديدة لروايتها المعنونة ب(البنت التي لاتحب إسمها) الصادرة بترجمتها العربية من دار الآداب فبدلاً من الإشتغال على التراث الصوفي أو المُقتنعات العقائدية المُتعددة أو الإختلاف في الهويات تتناولُ مشكلة مُعاصرة إنطلاقاً من سرد حياة طفلةٍ تكره إسمها.لاتسمي الكاتبةُ المدينة التي تعيشُ فيها الصغيرةُ بل تكتفي بوصف العمارة التي تقيمُ فيها مع الإشارة إلى ماتفضله من الفواكه وأمنيتها بأن يكون لديها قط أو حصان أو ماعز أو كلب لكن الأم لايعجبها وجودُ هذه الحيوانات في البيت .نتيجة مُطالبة الإبنة المُلحاحة بإمتلاك حيوانٍ يهديها أبوها سلحفاتين مائيتين تطلق عليهما تسمية «الليل والنهار» غير أنه لايوجدُ مايميزُ بينهما.وبما أنَّ هذه الفتاة تهتمُ بقراءة الكتب وتصفح الموسوعات وسماع الموسيقى واللعب بالكرة إلى جانب تخيل أشكال مألوفة من الغيوم لذا سرعان ما تعرف أن سلحفاة تأكل الديدان فتجمعُ عدداً منها في القارورة لتطعمَ الليل والنهار لكن والدتها خيال ترفض ذلك أيضاً ومايكونُ الحل سوى إطعام السلحفاتين بمايأكله أفرادُ الأسرة.تأتي هذه التلميحات إلى إهتمامات زهرة ساردونيا وأجواء البئية الأسرية فضلاً عن تبيان بعض مواصفتها الخارجية.قبل الإنتقال إلى الحلقة الأساسية في مدماك العمل وهي عقدة الإسم إن صح التعبير.حيثُ ينقلُ الراوي كلي العلم مشاعر الفتاة عندما يلفتُ نظرها خبرُ منشورُ في الصحيفة التي يتابعها الوالد حول الأسماء الغريبة أطلقها مشاهير الفن على أبنائهم وبهذا تدركُ بأنَّ إسمها ليس إستثناءً بيد أنَّ هذه الأسماء غير المألوفة أقلُ غرابةً مع مايشيرُ إلى شخصها زهرة الساردونيا.

الجدل
تقومُ الرواية على بنية جدلية تنتظمُ من خلالها العلاقة الكائنة بين الطفلة والعالم المكون من المفردات والسلوكيات التي قد تبدوُ مُتناقضةً بالنسبة إليها.ومايشغلها أكثر من أي شيءٍ آخر هو تركيبة إسمها لذا تسألُ الأمَّ عن إمكانية إستبداله بإسم جديد غير أن موقف خيال لايتغيرُ أمام أسئلة ومطالب إبنتها مُحذرة ساردونيا من خسارة إسمها بحيثُ تصبحُ شخصاً لايًمكن التعامل معه إلا عبر الضمائر.والمستغربُ في كلام الأم وتفسيراتها هو إضفاء الصفات الإنسانية للأشياء والأطعمة فحبات الأرز تبكي إن تركتها في الطبق وهذا ما لاتفهمهُ ساردونيا وبناءً على هذا المنطق تسألُ هل يتألمُ التُفاح إذا تمَ تقشيره؟ ومن ثُمَّ تعللُ إستخدام الأمِ لمُستلزماتها بالإستمرار على المنوال نفسه.يذكرُ أن المتلقي يتقيدُ تماماً بمستوى رؤية الراوي في مُتابعة يوميات الفتاة الصغيرة فبعدَ معرفة شخصية ساردونيا ضمن بيئة الأُسرة يتحركُ بندول السردِ نحو فضاء المدرسة.هناك تتفاقم المشكلة ماعدا معلمة العلوم التي تذكر إسمها كاملاً دون أن يتجرأ الطلاب على السخرية فإنَّ بقية المعلمين ينادونها إما ب(ساردونيا) أو (زهرة) أكثر من ذلك تهتمُ المعلمة ليلى على أسئلة زهرة ساردونيا مايشدُ الأخيرة إلى مادة العلوم أكثر بينما لا يطيبُ لها درس الحساب.وتنكبُ على مُطالعة الأطلس عوضاً من الإستماع إلى المُعلم سنان المشهود له بصرامته متتبعة خريطة اليابان فهي واقعة في الشرق الأقصى بالنسبة لبعض الدول وفي الشمال الأقصى لغيرها.طبعاً الغاية من إيراد هذه المعلومة هي الإبانة عن إختلاف وجهات النظر وفق موقع المرء فالبتالي أنَّ الأحكام لن تكونَ مطلقةً.طبعاً تعبرُ هذه الفقرة عن مبدأ الإنفتاح والتسامح الذي تعالجه مؤلفة (بنات حواء الثلاث) في رواياتها.

تناقضات
الوحدة التي فُرضت على ساردونيا لم تدفع بها نحو الإنطوائية صحيح منعتها الأمُ من الإختلاط بالأخرين لكن عوضت الصغيرةُ فراغها الإجتماعي ببناء عالمها الخاص.وكانت ترمي أسئلتها الممنوعة في الكيس الذي سمتهُ بكيس الأسئلة.وتميزت ساردونيا بقدرتها على تجاهل مُشاكسات الطلاب ومواصلة السؤال عن الأشياء وإدراك التناقضات القائمة في تصرفات الكبار فهم ينظفون بيوتهم ومكان إقامتهم ويهملون نظافة المدينة.ضف إلى ذلك مابرح هؤلاء يؤكدون على أهمية القراءة دون أن يقرؤوا الكتب متذرعين بضيق الوقت. والمثير في عالم الكبار هو غرابته ومايتمتعُون به من الحرية لذا تتشوقُ الصغيرة للإنضمام إليهم.تقتنصُ ساردونيا الجمل والعبارات التي أصبحت لازمة للكبار وإذا رأت أحدهم أبعد بنظره فهذا يعني أنه يريد إخفاء أمر ما.هكذا يتوالى السردُ إلى أن تأتى لحظة سفر الوالدين على الرغم من عدم إعلان الغرض لكن تعرف ساردونيا بأنَّ والدها يحتاج للمُعالجة خارج البلد تنتقلُ الإبنةُ إلى بيت الجدة في الضاحية.وهذا التطور يصحبه إكتشاف سر الكرة التى وجدتها بين رفوف مكتبة المدرسة.إذ داهمها مرض الوالد قبل أن تخبر الأهل بما أخذته أو تعيده إلى المكتبة.تدونُ ساردونيا في مذكراتها الموسومة بالشجرة خبر إنتقالها إلى بيت الجدة موضحة السبب مع الإشارة إلى المدةِ التي من المفترض أن تمضيها هناك.تمررُ شافاك على لسان الطفلة أسئلةً عن التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة حينَ ترتشفُ ساردونيا الشاي فكرت هل يمكنُ أن تصبح الفتيات باشا يوماً ما؟ مايمرُ كثيرُ من الوقت على مكوثها في الضاحية حتى تخرجَ ساردونيا من عزلتها وتكتسبُ أصدقاء يرافقونها في رحلاتٍ وكل ذلك بفضل مجسم الكرة التي رُسمت عليها القارة الثامنة وهذا ما أثار إعجاب ساردونيا لأول وهلةٍ.

لعبة ذهنية
تتعرف ساردونيا على زهرة وأخيها أصوتاي الذي تسأله عن معنى إسمه فيردُ بأنه بمعنى صغير الحصان العصبي ومن ثمَّ تُكْشفُ عن هوية بلدهما (أفهما) وخصوصياته.وأن مايقومُ به الإثنان هو جمع الأفكار من بلاد مُتعددة ونقلها إلى أفهما لتُصنعَ منها القصص والحكايات وبذلك تقيضت فرصة التواصل بين أفهما وبلدان أخرى.وتضيفُ زهرة مشيرة إلى دور القراءة في إزدهار الطبيعة كلما قرأُ الطفلُ قصة تتفتحُ زهرةُ ويغردُ عصور في القارة الثامنة وما يهددُ تلك القارة العجيبة بالجفاف هو عزوف الأطفال عن القراءة وإدمانهم بالآلكترونيات ولم يعدْ لديهم أحلام وخيال مايعني غياب المُغامرة والإبداع.وتكمنُ أهمية الإثنين في القيام بإنقاذ موطنهما عبر جمع مزيدٍ من الأفكار قبل أن تحلَ الكارثة والأغرب في الأمر أن زهراء وأخاها يتبعانِ الإشارات المنبعثة من الكرة الموجودة لدى ساردونيا ويتمُ شحنها بالطاقة خلال وضعها بين الكتب وتضعفُ طاقة الكرة عندما تنتقلُ ساردونيا إلى بيت جدتها الفارغ من الكُتبِ.وتسمعُ الصغيرة بأنَّ هناك عدداً من المؤلفين والرسامين قد سافروا إلى القارة الثامنة لذا تتشجع لمرافقة صاحبيها في رحلة العودة قبل ذلك يتطلبُ السفرُ شحن الكرة فتتكفلُ ساردونيا بإيجاد حلٍ من خلال قرطاسية السيد نظمي بينما ينشغلُ الأخيرُ بتلبية مطالبها تضعُ زهراءُ الكرة بين الكتب ثمَّ تبدأُ الرحلة تعبرُ ساردونيا برفقة الإثنين بغابة الخيارات ما يصادفها يُضاعف لديها الشعور بالذهول وتتحقُ رغبتها بتناول الشكولاتة إلى أن يجدُ الأصدقاء أنفسهم أمام طرق مجهولة (التراب، الماء، والنار ،الهواء) فيتمُ إختبارُها وفي هذا الإثناء تضيعُ الأفكار التي جمعتها زهراء مع أخيها بفعل هبوب الرياح بدورها تقدمُ ساردونيا لهما حلاً بتوزيع الأوراق والقلم على أطفال القارة الثامنة وبذلك لايكلفهما الأمرُ عناء جمع الأفكار في بلاد بعيدة وما يوفر عنصر التشويق في رحلة الأصدقاء الثلاثة هو اللعبة الذهنية المتمثلة بالأحاجي التي يجبُ الإجابة عليها مايجبُ الإشارة إليه هو ذكاء إليف في نحت شخصية الطفلة ومستوى اللغة القريبة للحكايات التراثية ومقاربة مشكلة البيئة وغزو الآلكترونيات للحياة إضافة إلى إعلاء قيم التسامح والحوار دون أن ينطبع نمطها بالوعظية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة