الصمت الرهيب

-1-
من الأعراف الأدبية التي كانت سائدة عند عامة العلماء والأدباء ، المبادرة الى إزجاء الشكر لمن يهدي اليهم شيئا من كتبه واصدارته.
-2-
وكان بعض الشعراء يحرص على ان يكون الشكر (شعراً) متى ما كانت الهدية (ديوانا) أهداه صاحبُه الى ذلك الشاعر
ومن ذلك ما كتبه سماحة السيد الوالد – العلاّمة السيد محمد هادي الصدر – رحمه الله – الى المرحوم الدكتور محمد مهدي البصير إثْرَ إهدائِهِ ديوانه (البركان) والذي صدر كمُلْحق لمجَلة المعلم الجديد –
قال السيد الصدر :
أعادَ لي (البركانُ) ذكرى محافلٍ
بها خلّدَ التاريخُ موقِفَكَ الحُرّا
وإنْ أنسَ لا أنساكَ فيها مُجَلِيّا
بجامعةٍ نثراً ورائعةٍ شِعْرا
تؤججُها في السامعين حماسةً
أُقيمتْ على بُرْكانِها الثورةُ الكبرى


بعثتَ لي ( البركان ) أغلى هديةٍ
فمن واجبي أَنْ أبعثُ الحمد والشكرا
خواطر وسوانح شعرية / ص120
وحين أهدى الدكتور البصير كتابه المسمّى (سوانح) للعلامة الصدر كتب في الاهداء يقول :
الى سماحة القاضي الصدر شرح الله صدره للقاء محبيه .
فعلّق العلاّمة الصدر على الإهداء بالقول :
اني لأنشد ما حييتُ
سعادةَ الدنيا بِقُرْبِكْ
ويهزني شوقي فيخفقُ
نابضي بجمِيل حُبِّكْ
أنا لستُ منقبضاً بصدري
عن لِقا صِحبي وصَحْبِكْ
ولئن نأى جسمي فَسَلْ
عَنْ لاعجي دقّاتِ قَلِبْكْ
تُنبيك عن وجدي و
أخلاصي واعجابي بِكُتِبْكْ
المصدر السابق /ص125
-3-
واذا كانت المساجلات بين العلماء والأدباء ظاهرة معروفة ، فانها غالباً ما تكون بين طرفين يتصل احدهما بالآخر بأواصر من الصداقة والمحبة … ولكن ذلك لا يعني عزوف الآخرين جميعا عن السير وفق هذا النهج الجميل .
لقد أصدرنا في أواخر سبعينيات القرن الماضي حُزمةً من القصائد تحت عنوان ( أسبوع شعري ) – وهو ما سمح بطبعة الرقيب آنذاك من قصائد عديدة نظمت في اسبوع واحد – وأهديتُ نسخة منه الى الشاعر المرحوم “صالح الطاهر الحميري) – ولم تكن بيني وبينه أية صلة ، وكان همزة الوصل بيننا هو الدكتور السيد جودت القزويني – فكتب الحميري يقول :
( أسبوعك الشعري) آياتُه
تطال في أهدافها الفرقدينْ
أنرتَ فيها للهدى شعلةً
قبستها مِنْ ألق النيّرينْ
فهام في أجوائها مُعجبٌ
مُبَرءٌ مِنْ كلّ ذامٍ وشينْ
وارتد عمن أنوارها خاسئا
وَغْدٌ من العفة صفرُ اليدينْ
أعربتَ في شعرك عن ثائِرٍ
سلاحُه أصداء صوت (الحسينْ)
الروض الخميل / ج2 / ص262
للدكتور السيد جودت القزويني
-4-
ونأسف ان نقول :
ان الكثيرين ممن يعدون انفسهم من رجال الفكر والثقافة والادب يستكثرون على أنفسهم ان يشكروا من أهدى اليهم بعض كتبه واصدارته والصمت هنا صمت مريب .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة