يحفل المجتمع العراقي بمجموعة من المتغيرات الاجتماعية وهذه المتغيرات هي انعكاس للأحداث السياسية التي مر بها العراق طوال العقود الماضية وقد ذكر الكثير من المؤرخين تفاصيل المحطات التاريخية التي عصفت فيها الاحداث الداخلية والخارجية بالاستقرار والامن في العراق فيما انبرى علماء الاجتماع لتحليل الظواهر السلوكية التي رافقت هذه الاحداث ويقف في مقدمتهم عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي الذي تحدث كثيرا عن اصول البداوة في المجتمع العراقي وجدلية العشيرة والسلطة والقانون والتجاذبات بين هذه المفاهيم وتأثيرها على السلوك الحضاري للفرد والامة وفي كل الاحوال لايمكن فصل التطورات السياسية في التاريخ السياسي الحديث للعراق عن الحركة المجتمعية فسنوات الاستبداد والحكم الشمولي ومغامرات الحروب التي خاضها النظام الديكتاتوري افرزت سلوكا اجتماعيا متشظيا ومشتتا وازدواجيا ماتزال الدولة تعاني كثيرا في معالجته وعلى الرغم من مرور اكثر من خمسة عشر عاما على انهيار النظام الشمولي الا ان مظاهر ثقافة ذلك النظام ماتزال ظاهرة في سلوك مجموعات من العراقيين في الداخل والخارج وتتجلى هذ المظاهر في الانقسام الكبير بين افراد المجتمع العراقي على منابر التواصل الاجتماعي وتباين مواقفهم من المواقف والاحداث واندفاعهم نحو اجراء المقارنات بين منهج واساليب تعاطي النظام السابق مع المشكلات والتطورات وبين الاداء التشريعي والتنفيذي للنظام السياسي الحالي فيما يخوض رجال دين متشددون ونخب ثقافية مختلفة الاتجاهات سجالات دينية وسياسية وثقافية واجتماعية في مساحات اخرى لتفسير مايجري في العراق وتصل بعض هذه السجالات الى حد التشاتم وتبادل الاتهامات والتكفير والتفسيق وثمة صراع آخر يدور داخل المنظومة الاجتماعية حول دور العشيرة وتجاوز حدود تأثيرها لسياقات القانون ومايهمنا كوسط عراقي واع ومثقف ان تنتهي هذه السجالات وهذه الاختلافات عند نقطة مهمة تتعلق بحاضر العراق ومستقبله فليس عيبا ان تتشكل الدول من امم مختلفة في الاديان والمعتقدات والتقاليد ولكن العيب ان تفشل هذه الامم في بناء دولة قادرة في اداء مؤسساتها وفي ثقافة شعبها على العبور نحو ضفة النجاح وتمثيل جميع مكونات الدولة بعدالة ولايمكن تحقيق ذلك من دون ان يكون هناك خطاب ديني متنور يقف على منبره في المساجد رجال دين معتدلون يحترمون دين الاخر ومعتقداته وشيخ عشيرة واع يخاف الله ويكره الظلم وينصر المظلوم وسياسي محنك يمثل حزبه او قوميته او مذهبه او مدينته وعينه على الوطن اولا.. مثل هذه الوسطية ومثل هذا الاعتدال عاشها العراقيون من الناحية الاجتماعية خلال الحكم الملكي على مدى اكثر من اربعة عقود اسهم فيها المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي والعربي والكردي والشيعي والسنة في بناء الامة العراقية قبل ان تختطفها الانقلابات العسكرية وتقضي عليها قبضة البطش والتهديد والاجرام والتهجير والحروب العبثية ..ومايحتاجه العراقيون اليوم هو استلهام ذلك الارث الخالد وتلك الروح القوية والمؤمنة بالتعايش والحب ونبذ الاحقاد والكراهية والتزمت والتشدد.
د. علي شمخي