شهدت الساحة العراقية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد على قيام العهد الجديد بتولي السلطة في البلاد انتقال كتلة سياسية مهمة وهي تيار الحكمة الى خانة المعارضة السياسية للحكومة التي يترأسها السيد عادل عبد المهدي. وسيكون هذا الأمر مثار تفكير ومتابعة ومراجعة لو كنا في بلد آخر غير العراق. ففكرة التحول الى معارضة الحكومة كانت ستكون حالة متقدمة بكل المقاييس عن وضع المحاصصة وتبعاتها التي أوصلت العراق الى الحضيض وفرطت بكل المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي كان من الممكن أن تنتقل بالعراق الى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة . لكننا نرى ان الطريقة التي تعاطى بها الفرقاءالسياسيون تنذر بغير ذلك.
فبعد يومين من إعلان “الحكمة” التي يرأسها السيد عمار الحكيم، ظهر بشكل جلي ان المتسببين بالأزمة السياسية المعيقة لعمل الحكومة لا يهتمون ولا يبالون بما يمكن ان تعنيه الخطوة الجريئة للتيار الفتي والشجاع الذي عبر بسلوكه عن نضوج ومسؤولية وعقلانية يفتقر اليها التيار المهيمن على الحكومة ومقدراتها. فالمقابلات الصحفية والتصريحات متنوعة المصادر والكتل المتسيدة على الوضع استهانت بالقرار الذي نتحدث عنه وقالت بصريح العبارة إنها قادرة على مواجهة الوضع والرد عليه واعتبروا أن الحكمة ومعها التيارات التي قد تتبعها لن تشكل أغلبية برلمانية قادرة على إعاقة أي قرارات إضافية ضمن المسار الحالي للحكومة أو مجلس النواب بتركيبته المسيطر عليها من كتلتي “فتح” و”سائرون”.
ويفهم من هذه التصريحات وغيرها ان هاتين القوتين قادرتين على إجهاض أي تحول إيجابي مستقبلي قد ينجم جرّاء سلوك المعارضة المحتمل. وكما تشير توقعات المراقبين فإن احتمالات التوسع في قوام المعارضة قد يمتد بعد كتلة النصر بقيادة العبادي الى كتلة الدكتور اياد علاوي وربما كتل سنية أصغر منهما. ومن سوء حظ المعارضة هذه أنها ستكون من دون مغزى حقيقي وعملي، بل أنها ستكون كتلة صماء لا يمكنها أن تقاوم التيارات الحكومية التي تضم كتلتين كبيرتين. ولن يتمكن السيد عادل عبد المهدي من الاستفادة من مواقف المعارضة وبالتالي ترجمتها الى برنامج حكومي يحل معضلة نقص الخدمات التي قدرت مصادر المعارضة الحالية أنها لم تتجاوز الـ 3% مما التزمت بها الحكومة.
كل هذا يكرس الصيغة الكسيحة للحكم ويسلب العراق أفضل فرصة له للتقدم نحو إنجاز يتماشى مع رغبات وتطلعات الجمهور العريض للمواطنين المحبطين. فضلا عن أن المعارضين كانوا قد شددوا على إعطاء عبد المهدي فرصة تشكيل حكومة خارج المحاصصة. ولكنهم اكتشفوا أن ما تبرعوا به من حصصهم تلقفته الكتل الأخرى واستحوذت عليه من دون أن يرف لها جفن. الأمر الذي سينتهي بالعراقيين الى خسارة فرصة التحول الى نظام حكم أفضل وأكثر جدية في التعاطي مع المعضلات الكبرى التي تواجه البلد.
ولن يفيدنا إلقاء اللوم على إيران ونفوذها أو الولايات المتحدة واشتراطاتها الكثيرة في العراق والمنطقة. فالخلل كله يقع على عاتق الكتل الحاكمة وهي كتلة الفتح التي يقودها السيد هادي العامري وكتلة سائرون بقيادة السيد مقتدى الصدر. ويضاف اليهما الموقف الرمادي للكتل الكردية.
وما لم تحصل تطورات ومفاوضات تسوية قريبة بين الجانبين فالوضع سيزداد تصدعاً والمناكفات لن تتوقف سيما واننا سنواجه كارثة الدرجات الخاصة والمدراء العامين وما يتبعها من احتمالات أخرى قد لا تثبت مواقع المعارضة كما لن تسمح للمتنفذين بمراجعة برنامجهم الحالي.
اسماعيل زاير