من يكسب الرهان

صادق الشافعي

قال كاتب إسرائيلي: مع اقتراب إعلان صفقة القرن فإن الإدارة الأميركية تتبع طريقة جديدة لإدارة عملية السلام تقوم على أساس أنه في حال عارض الصفقة أحد الطرفين ( الفلسطيني أو الإسرائيلي) فسيتلقى ضربات على رأسه ثم يتم تدبير الأمر.
كل المؤشرات والدلائل الواقعية وعالية الصدقية تؤكد أن الطرف الإسرائيلي لن يرفض الصفقة بكل عطاياها شديدة الكرم، وإلا كان جاحداً بالنعمة التي يغدقها عليه العم ترامب. وهو بالتأكيد ليس كذلك.
أما الطرف الفلسطيني فقد عارض، بل رفض الصفقة وتلقى ضربات ثقيلة على الرأس وويلات وتهديد بضربات أثقل وويلات أكبر، وما زال يؤكد رفضه للصفقة.
وبالتالي وصل الى محطة «تدبير الأمر».
«تدبير الأمر» بالفهم الأميركي يقوم على رهان أصبح معروفاً تقريباً. إنه الرهان على كسب النظام العربي، او الأنظمة المؤثرة فيه، للدفع باتجاه التطبيع الكامل والعلني مع دولة الاحتلال، في ترافق مع الوعد بطفرة اقتصادية عامة.
كسب الرهان يؤدي بالمفهوم الأميركي، بالتوازي او بالنتيجة الى تليين الطرف الفلسطيني، او الى عزله وإضعاف دوره ودفعه الى موقع المتلقي.
الرهان الفلسطيني هو نفس الرهان ولكن من الاتجاه المعاكس، المضاد، والمتصدّي.
الرهان الأميركي يقوم على مجموعة من الركائز:
أولها، دولة الاحتلال وقوتها المتميزة في كل المجالات واستمرار وثبات احتلالها لسنين طويلة، وما تفرضه بقوة الاحتلال من حقائق الأمر الواقع على الأرض، وما تصطنعه من متغيرات بهدف تأبيد احتلالها، أهمها الاستيطان وانتشاره وتشريعاته.
وثانيها، ضعف وضع النظام العربي العام وانشغال بعض دوله في مصاعبها ومشاكلها الخاصة، او فيما بينها.
وثالثها، حالة القناعة التي تنتشر في العديد من دول النظام العربي، ان العدو الأول والمركزي هو الآن النظام الإيراني، بما يدفع العداء لدولة الاحتلال الى الخلف. وبما يمكن ان يفتح لدى البعض القليل حتى الآن احتمال التسكين معها لصالح أولوية العداء مع إيران واحتمالات المواجهة المشتركة لها.
ورابع الركائز، هي الركيزة الاقتصادية وتتمثل في التصعيد الملحوظ للتعاون الاقتصادي بين أميركا وغالبية الدول العربية، وبأمل فتحه باتجاه دولة الاحتلال.
هذه الركيزة هي العنوان الرئيسي الثاني لصفقة القرن الى جانب العنوان السياسي، والعنوانان يشكلان معا جوهر ومحتوى صفقة القرن.
وهذه الركيزة هي التي تتصورها أميركا المدخل المباشر للتعامل مع الطرف الفلسطيني.
في رؤية ركائز الرهان الأميركي لا يمكن إغفال الانقسام الفلسطيني وإمكانية المراهنة على تجييره لصالح تمرير صفقة القرن او تسهيل تمريرها، ولو في حدود إضعاف الشرعية الفلسطينية.
ولا يمكن أيضاً تجاهل ضعف وتراجع دور وفعل الجماهير العربية وقواها السياسية والمجتمعية.
الرهان الأميركي وباستثناء صحة قراءته لركيزة دولة الاحتلال، فان قراءته للركائز الأخرى تبدو على درجة من التفاؤل أعلى مما تقول او تسمح به بالذات، وان الأمر يتعلق في جوهره ونتيجته بنسف القضية الوطنية الفلسطينية من أساسها وشطب كل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ونضالاته لعشرات السنين لتحقيقها.
ويتعلق أيضاً، بتكريس دولة الاحتلال على الأرض الفلسطينية بقبول واعتراف النظام العربي بأغلبيته المؤثرة إن لم يكن بكليته.
الرهان الفلسطيني، يقوم على التضاد التام مع الرهان الأميركي في كل ركائزه المذكورة. ويبدو واثقاً من الكسب.
إنه يقوم على القناعة المطلقة أن القضية الوطنية الفلسطينية مغروسة عميقاً جداً في ضمير ووجدان وإرادة الشعب العربي، وأنظمته أيضاً.
هذا ليس كلاماً عاطفياً إنشائياً، بل كلام واقعي بدرجة كبيرة. فحتى الآن:

  • لم يعلن النظام العربي أو أي من دوله اعترافه بدولة الاحتلال أو نيته القيام بذلك (باستثناء من ربطتهما اتفاقات قديمة معه).
  • لم يتنصل أي نظام عربي من تبني الهدف المركزي المرحلي للنضال الوطني الفلسطيني، وهو حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولا من تبني منظمة التحرير إطاراً وطنياً لكل الشعب الفلسطيني وقائدة لنضالاته.
  • لم يتنصل أي نظام عربي من «المبادرة العربية» التي تشترط لأي علاقة مع دولة الاحتلال الأولوية المطلقة لانسحابها من الأراضي المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية.
  • لم يعلن أي نظام عربي تبنيه لصفقة القرن ولا استقباله الإيجابي او المتوافق مع أي من العديد من عناوينها الأساسية كما تم تسريبها.
    الكلام الواقعي لا يلغي رؤية مواقف وممارسات تثير القلق.
    وتبقى كذلك برغم تبرير وتفسير بعضها بضرورات العمل الدولي واشتراطاته.
    يؤكد القلق أن البعض يتخذ من هذه المواقف والممارسات غطاءً لآراء فردية تغرد نافرة خارج السرب.
    هنا تأتي ضرورة إكساب الرهان الفلسطيني المزيد من الفاعلية، واهمها ثلاثة:
  • التمسك بالموقف المتصادم وغير المهادن مع صفقة القرن بكل ضرباتها وويلاتها الحاصلة والمعروفة، أو تلك الموعودة.
  • الحرص على وحدة الموقف الوطني الفلسطيني الرافض لصفقة القرن ولو على حساب تنازلات بين التنظيمات وبعضها البعض.
  • تنشيط الفعل الرافض للصفقة وويلاتها بين حركة الجماهير العربية وقواها السياسية والمجتمعية.
  • زيادة فاعلية العمل بين دول العالم وفي المؤسسات الدولية ولتقوية الموقف الدولي المناصر للحق الفلسطيني، والسعي لإكسابه مضموناً عملياً وآليات تنفيذ إلى جانب مضمونه السياسي المبدئي.

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة