كيف تستطيع مدينة سياتل القضاء على داء السل

بيتر م. سمول

وجابرييل فيتزجيرالد

سياتل

كشف تقرير حديث عن مجلة «ذا لانسيت» الطبية البريطانية أن وجود عالم خالٍ من مرض السل ليس أمرا مستحيلا. على الرغم من أن مرض السل لا يشغل تفكير الكثيرين في مدينة سياتل، فإن العديد من المؤسسات الرائدة في المدينة تبذل جهودا جبارة لخفض حالات الوفاة الناجمة عن داء السل والتي تصل إلى 4400 حالة كل يوم.
داء السل مُعد وقاتل يعمل على تدمير أنسجة الجسم، ويُصيب الرئتين بنحو خاص. بوصفه مرضًا منقولا عبر الهواء، يمكن أن ينتشر عند قيام أي مُصاب بالسعال أو العطس أو حتى التحدث. على الرغم من أن السل قابل للشفاء باستخدام المضادات الحيوية، إلا أنه في حالة عدم تناول الدواء بنحو صحيح، فقد تظهر أنواع من المرض أكثر خطورة وأكثر مقاومة للعقاقير -والتي يطلق عليها البعض اسم «الإيبولا بالأجنحة».
على الرغم من حجم تهديدات مرض السل، فقد تجاهل ممولو البحوث وصناع الأدوية هذا المرض إلى حد كبير على مدى السنوات الخمسين الماضية. السبب بسيط للغاية: يؤثر داء السل بشكل كبير على الفقراء والمُهمشين، الذين غالباً ما لا يستطيعون دفع تكاليف العلاج.
نظرا إلى نقص الاستثمار في مكافحة مرض السل، لم يتم إحراز أي تقدم، حيث تشمل سبل الوقاية لقاحا عمره 80 عامًا بفعالية محدودة. استمر التشخيص في الاعتماد على فحص عمره 125 عامًا والذي فشل في اكتشاف نصف الحالات المُصابة بالمرض. كان العلاج عبارة عن أدوية لمدة ستة أشهر وظل بدون تغيير لمدة 60 عامًا.
ونتيجة لذلك، يستمر داء السل في قتل شخص واحد كل 20 ثانية. وفي عام 2017، تسبب في 1.6 مليون حالة وفاة -وهي أعلى نسبة للوفيات الناتجة عن أي مرض معدي.
في العقد الماضي، بدأ السل يثير العديد من المخاوف، سيما بين المنظمات الصحية في مدينة سياتل. يُعمق العلماء في جامعة واشنطن ومعهد بيولوجيا النظم ومعهد سياتل لبحوث الأطفال فهمنا لبيولوجيا داء السل. يعمل معهد «نمذجة الأمراض» ومعهد «القياسات الصحية والتقييم» على تحسين تتبع الأمراض. ويقوم معهد أبحاث الأمراض المعدية و «جلوبل جود» ومركز فريد هتشينسون لأبحاث السرطان بتطوير اختبارات وأدوية ولقاحات أفضل. وتعمل المنظمة الدولية لمحاربة داء السل «PATH» على إيجاد طرق أفضل لمعالجة مرض السل في أكثر بيئات العالم صعوبة.
بفضل جهود هذه المنظمات -إضافة إلى دعم وبراعة مؤسسة «بيل وميليندا جيتس» الفنية -أصبح يتوفر الأطباء الآن على فحص جديد وأكثر دقة لتشخيص داء السل، وعلى أدوية أكثر فعالية لعلاج السلالات المقاومة للأدوية، وعلى لقاح فعال. لكن تطوير هذه الأدوات هو مجرد خطوة أولى. هناك حاجة أيضًا إلى الابتكار لتمكين توصيلها إلى من هم في أمس الحاجة إليها. وعلى هذه الجبهة، كان التقدم بطيئا للغاية.
وفقًا لتقرير مجلة ذا لانسيت، تتوقف الفوائد الأخرى في مكافحة داء السل على تقديم الخدمات لعشرة ملايين شخص سيصابون بالمرض في العام المقبل. لا يمكن ترك هذا الأمر للمجتمع الصحي وحده. يتعين على شركات سياتل في مجال التكنولوجيا -التي تعمل بالفعل على تغيير الطريقة التي يعيش بها الناس ويتواصلون ويستخدمون التقنيات الحديثة -أن تسهم بخبرتها ونظريتها.
تخيل عالماً يتمكن فيه مسؤولو الصحة العامة في أكثر المناطق فقراً من الاستفادة من براعة التسويق عند أمازون، وقوة «تابلو» التحليلية، وفهم «بيمكو» للسلوكيات الصحية. تخيل إذا كأصبح بإمكانهم الاستفادة من الخدمات المستندة إلى مجموعة النظراء من ميكروسوفت، وتدفقات بيانات جوجل، والوصول إلى موقع فيسبوك، وقدرة التسليم والنقل لدى «أوبر».
في عالم مماثل، يمكن أن يساعد التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي في ضمان الرعاية لأربعة ملايين شخص لا يتم تشخيصهم كل عام. يمكن لعلب الدواء أن تساعد مرضى السل على تناول الأدوية الخاصة بهم. قد تساعد مراقبة السعال التي تعتمد على الهواتف المحمولة مقدمي الرعاية الصحية على ضمان استجابة المرضى للعلاج بشكل مناسب.
علاوة على ذلك، يمكن أن تساعد الخوارزميات القائمة على الذكاء الاصطناعي العاملين الصحيين على توفير الرعاية المثلى للمرضى وبيانات في الوقت الفعلي حول عبء داء السل الذي يتحمله مسؤولو الصحة العامة. تُمكن الأنظمة المستندة إلى تقنية «بلوك تشين» مساعدة المرضى على الوصول إلى المعلومات الطبية الخاصة بهم. وعند الحاجة، يمكن للقوى العاملة المُساهمة في النقل والدعم اللوجستيكي.
بحلول ذلك الوقت، سيكون هذا العالم خاليًا من مرض السل. لتحقيق هذه الرؤية، يجب على قادة الصحة في مدينة سياتل التعاون مع شركات التكنولوجيا في المنطقة. يمكن للمديرين التنفيذيين للشركات إقامة شراكات مع هيئات الصحة العامة لتحديد الفرص للوفاء بوعودهم المتكررة في نشر التكنولوجيا لتعزيز الصالح العام. يمكن لموظفيها بعد ذلك التعاون مع الباحثين في مجال داء السل لتطوير مشاريع ومنتجات فعالة.
تتمثل الخطوة الأولى في وضع إستراتيجية شاملة لدمج البحوث الطبية الحيوية والتقنيات الرقمية في العقد المقبل. وبخلاف ذلك، بحلول عام 2030، يمكن أن يودي السل بحياة 15 مليون شخص آخرين. هذا ليس عالما يرغب أي منا العيش فيه.

بيتر م. سمول: زميل في مؤسسة روكفلر وعضو في لجنة «ذا لانسيت» لمكافحة داء السل. غابرييل فيتزجيرالد: مؤسسة ومديرة تنفيذية لبانوراما، وهي مؤسسة مقرها مدينة سياتل، ورئيسة مجلس إدارة التحالف العالمي للصحة في واشنطن.
بروجكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة