دارت عجلة الدولة بتشكيل الحكومة الجديدة وانطلقت دورة جديدة ايذاناً ببدء مرحلة اخرى يراد لها ان تكون مختلفة وتعالج اخفاقات المرحلة السابقة ..وسينشغل الجميع في الايام المقبلة بتعضيد هذه الحكومة وترتيب اوراقها وتدعيمها وتوفير السبل والوسائل المطلوبة لتنفيذ البرنامج الحكومي الذي استعرضه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ..
ووسط هذا الاهتمام السياسي والاعلامي بتشكيل الحكومة غابت الاشارة الى دور المعارضة العراقية وبيان اهميتها ودورها في المرحلة المقبلة التي تواكب مسار الحكومة في كل نشاطاتها مثلما تم تغييب هذا الدور الحيوي في الحكومات السابقة ..ومن المؤسف ان التجربة الديمقراطية في العراق اساءت لها كثيراً تلك الحكومات ولم تضع نصب اهتماماتها الدور الرقابي لممثلي الاحزاب والكتل المعارضة داخل قبة البرلمان بل على العكس عملت على تحجيم هذا الدور وتهميشه من دون ان تعلم ماذا يعني ان تكون هناك معارضة تقوّم الاداء وتشخص الاخطاء وتكشف الفساد وتخلق التوازن في صنع البرامج الاقتصادية والسياسية وتعكس تجارب اخرى مناظرة او مخالفة لتجربة الحكومة وتحد من التفرد في القرارات والارتجال ومايجلبه من نتائج وخيمة على أي بلد ..
ومن يستعرض تجارب الدول القوية في بناء انظمتها السياسية ووصولها الى مستوى رفيع في مجال الاستقرار والنضج في اتخاذ القرارات المصيرية والأستراتيجية على المستوى الدولي والقومي والمحلي سيجد ان افضل هذه الانظمة هي تلك التي قامت على وجود (معارضة) شاخصة ومتمكنة وموازية لقيمة وحجم الحكومات المشكلة فيها ..فتلك هي الولايات المتحدة الاميركية التي ماانفك نظامها الاتحادي وتركيبة الكونغرس فيها والادوار التي يلعبها مجلس النواب ومجلس الشيوخ بممثليه الديمقراطيين والجمهوريين يقدم في كل دورة انتخابية مثالا راقيا في التعاطي السياسي الفاعل بين الاغلبية والاقلية وبين الرئيس والكونغرس تضيق فيه مساحات التفرد وتتسع فيه الشراكة الوطنية في التصويت على القرارات ومشاريعها وبرامج الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ..
والمثال ينزاح على بريطانيا وفرنسا وكثير من الانظمة الاوروبية الاخرى ..ولربما يصح القول ان احياء المعارضة وتعظيم دورها في هذه الدول هو بمنزلة احياء للحكومة ونجاح عملها وان القناعة بهذا النهج لم يأتِ عن فراغ بل عن تجارب مريرة وقاسية مرت بها الانظمة السياسية المتشكلة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا طوال التاريخ السياسي والاقتصادي الحديث لهذه البلدان امكن من خلاله استيعاب الدروس ومعالجة الاخطاء وتقويم الاداء السياسي وتفعيل هذه النتائج وجعلها سنة وتقليداً يحظى بالاحترام والتقدير فيما تغيب في بلادنا مثل هذه الافكار ويعمد البعض الى طي صفحة المعارضة وازالتها من القاموس السياسي العراقي تجنباً لاي دور أو حضور حيوي يمكن ان تشغله المعارضة قد تسرق فيه الاضواء والتأثير من الحكومة وحاشيتها ومؤيديها داخل قبة البرلمان واذا جاز لنا توصيف دور المعارضة في اي بلد فاننا نقول ان هذا الدور هو روح الدولة الذي تتنفس فيه مؤسساتها وهي العين الحارسة لاية ديمقراطية في أي بلد.
علي شمخي