مسجد في ميونيخ

النازيون.. وكالة الاستخبارات المركزية وبزوغ نجم “الإخوان المسلمين” في الغرب

الحلقة 12

لا يشير عنوان الكتاب الى ما يتضمنه وهو عنوان خادع للوهلة الأولى ويبدو وكأنه فصلا عن بناء مسجد، ولكن الحقيقة أن الكتاب وثيقة مهمة ومفصلة عن حركة أو أسس تشكيل ما يعرف بالأخوان المسلمين وهم مجموعة سياسيية أصولية تتبنى صيغة خطرة عن الإسلام ولعبت أدوارا مفصلية في حياة وسياسات الشرق الأوسط برمته ابتداء من مصر وانتهاء بالعراق وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية ودول الخليج كلها . ولعل أبرز ما شكلته هذه الحركة قضيتين محوريتين استندت اليها دول المنطقة في ناحيتين أولهما : معاداة الشيوعية في المنطقة ومحاربتها عبر وسائل ترتكز على العنف والنضال الشرس في البلدان التي تسربت اليها تعاليمها . أما الناحية الثانية فهي ارتكزت وانتعشت من خلال المساعي الغربية خلال الحرب الباردة والتي تعمل بنشاط حتى بعد سقوط الحلم الشيوعي وانهيار الكتلة السوفيتية عام 1988.
والكتاب يفصل بطريقة مدهشة كيف أنها عملت بالتنسيق مع دول الغرب لمساندتها في مواجهة الشيوعية وقبلها العمل مع جميع الدول التي نشطت في مواجهة الحرب العالمية الثانية . ومن المثير للدهشة كيف أنها تعاونت مع النازيين أولاً ودعمت جهودهم في تشكيل فيالق من الناشطين من الدول العربية وعملت على تدريب تلك الفيالق على السلاح . ولكن عملها ، سيما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، لم يقتصر أو ينحصر في عملها مع النازيين بل ذهب أبعد من ذلك العمل مع المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات الألمانية والغربية عموماً.
وسيجد القارئ بين يديه في الكتاب الذي تنشره الصباح الجديد كيف أنها مع هذا التعاون تلونت بمكر هائل لتتحول في فترات متأخرة الى التشنيع على التيارات الليبرالية في المنطقة ووصمتها بالتجسس لصالح الغرب والمخابرات المركزية الأميركية، بل كل التيارات التنويرية التي نهضت في منطقتنا في أثناء النضال لتمدين المنطقة وتحويلها الى دول متينة ترتكز على الديمقراطية السياسية.
وتعد حركة الإخوان المسلمين بتقسيم العالم الإسلامي والعربي الى ما تصفه بـ ” الفسطاطين ” فسطاط كافر ينكر الخلافة الإسلامية كما جسدها الوجود العثماني الذي استعمر العرب لنحو أربعمئة سنة ويعد ان الهدف الأساسي للاخوان هو العودة الى عالم الخلافة بكل الوسائل بما في ذلك العنف وتأسيس المنظمات السرية . ومن هنا جاءت محاولاتها المتكررة في تشكيل التنظيمات المسلحة والقيام بالاغتيالات لزعماء المنطقة . وفسطاط آخر هو فسطاط المؤمنين وفي مقدمتهم حركة الإخوان المسلمين.

تأليف: إين جونسون

ترجمة: أحمد جمال أبو الليل

ان ذلك الامتداد من رقعة المعمورة اطلق عليه اسماء عدة فهو تارة العالم النامي وتارة العالم الثالث واخرى الجنوب اذ تقع الغالبية العظمى من بلدانه في نصف الكرة الجنوبي على ان البعض لاحقا سيعتبر لفظة العالم الثالث منطوية على مسحة ازدرائية وكأنما قد حلت بلدانه ثالثة في سباق التنافس الكوكبي بيد ان المعنى الاصلي للفظة هو معنى اكثر بساطة واجدى اثرا اذ انصرف المعنى الاصلي حين نحت الفرنسي الفريد سوفيه اللفظة الى تمييز قطاعات معينة من العالم عن تلك المنخرطة مباشرة في الصراع المنقسم الى عالم اول فيما يمثل الاتحاد السوفييتي وكتلته الشرقية ذاك العالم الثاني وقد ذهب سوفيه الى تعريف العالم الثالث بانه رقعة كبيرة من الارض تمتد لتشمل معظم بلدان اسيا وافريقيا واميركا اللاتينية اما القاسم المشترك الذي ينتظم بلدان تلك القارات فكان ان معظمها باستثناء بلدان اميركا اللاتينية ، كان حديث عهد بالتحرر من ربقة الحكم الكولونيالي وذلك في خمسينيات القرن العشرين ، كذا فأن معظمها بما فيها بلدان اميركا اللاتينية كان يخطو خطوات اولى في مضمار التصنيع انذاك اذ كانت حفنة من القوى الاوروبية وبخاصة بريطانيا وفرنسا تبسط هيمنتها على تلك البلدان وتتحكم في مواردها ومقدرات شعوبها الا انه ومع انقضاء الحرب الكونية الثانية كانت تلك الامبراطوريات الاوروبية القديمة تتداعى متهاوية فيما كانت الاقاليم التي عانت احتلال تلكم الامبراطوريات تنال استقلالها وحرياتها وتباعا كان البلد تلو الاخر ينضم الى قائمة البلدان المستقلة لينخرط في منظومة الامم القائمة.
لقد كانت القوى العظمى تتوق الى جذب بلدان العالم الثالث الى صفها كحلفاء فالغرب والاتحاد السوفييتي كلاهما قد رغبا في شركاء تجاريين ومصادر للخامات اللازمة لتسيير عجلة الانتاج بهما وعلى الرغم من ان معظم بلدان العالم الثالث كانت فقيرة انذاك الا ان اهميتها الاستراتيجية لم تكن موضع اهمال او تغافل من قبل تلك القوى العظمى ويمكن للمرء في هذا المقام ان يفكر فيما كان سيبدو عليه العالم المعاصر لو كان قيض لمنارات اقتصادية سامقة ككوريا الجنوبية او تايوان او سنغافورة او ماليزيا او تايلاند ان تكون بلدانا شيوعية لا ان تكون مرتكزات لنظام التجارة العالمي ودعامات له وحتى البلدان التي كانت ما تزال فقيرة كان يمكنها ان تصوت في الامم المتحدة ان الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفييتي فضلا عن بريطانيا والصين وفرنسا تملك جميعها حق الاعتراض على القرارات (الفيتو) في مجلس الامن. الا ان القوتين العظميين- الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي- كانتا بحاجة الى اصوات لتمرير قرارات اممية بعينها وعلى الرغم من ان كثيرا من الاميركيين اليوم ينظرون الى الامم المتحدة نظرة دونية قوامها الاستخفاف الا ان تلك المنظمة العالمية كانت خلال السنوات الاولى من الحرب الباردة اوفر شبابا وادنى الى المثالية عنها في وقتنا الحاضر وبغض الطرف عما اذا كانت ذات فاعلية ام لا تعدو ان تكون منظمة عقيمة الا انها كانت المنتدى العالمي الاوحد وساحة التنافس السجالي ما بين واشنطن وموسكو.
اما الولايات المتحدة الاميركية فقد اعيقت في تلك الحرب الباردة اذ ابدت خلال الحرب الكونية الثانية ازدراء واحتقارا للكولونيالية الاوروبية وذهب الكثير من المفكرين الاميركيين الى ان المستعمرات الاوروبية سيكون بوسعها نيل استقلالها وحرياتها في اعقاب انقضاء الحرب وان الولايات المتحدة الاميركية ستفيد من الوضع الجديد فالولايات المتحدة بالاساس قد انشأها متمردون ثاروا في وجه الكولونيالية البريطانية من ذا الذي سيتعاطف باكثر من الاميركيين مع تلك البلدان التي ستحرر عما قريب؟
الا ان ما حدث بالفعل كان امرا مختلفا ايما اختلاف فلاستشعارها القلق من ان تتحول البلدان المستقلة حديثا بلدانا شيوعية عمدت الولايات المتحدة الاميركية الى تقديم يد العون الى القوى الكولونيالية ففي اعقاب هزيمة الفرنسيين في معركة ديان بيان فو dien bien phu في فيتنام ارسلت الولايات المتحدة سلاحا الى فرنسا لاعادة بناء جيشها الكولونيالي اما في الشرق الاوسط فقد حلت شركات النفط الاميركية من امثال شركة ارامكو محل القوى الكولونيالية القديمة التي غادرت الاقليم وبتحريض النقاد بالاتحاد السوفييتي ذهب العديد من البلدان حديثة العهد بالاستقلال الى نعت الولايات المتحدة بالمستعمر الجديد.
هذا وقد خلصت القوتان العظيمان الى تدعيم موقفيهما عن طريق توظيف الاسلام كسلاح مشهر وسيف مصلت ففي الولايات المتحدة الاميركية كان اهتمام الحرب الباردة بالاسلام سابقا لاعتلاء ايزنهاور سدة الرئاسة فأثناء ولاية الرئيس الاميركي هاري ترومان كانت الاستخبارات الاميركية- وفقا لما تدوول- تسعى للبحث عن شخصية كاريزماتية تستطيع حشد المسلمين وقيادتهم في حملة مناهضة للشيوعية لذا فقد وضعت لجنة الاستراتيجية السيكولوجية- التي انشأها ترومان- برنامجا للشرق الاوسط شرع في تنفيذه اعتبارا من شباط/ فبراير 1953بعيد تنصيب ايزنهاور رئيسا للبلاد وفي تقرير للجنة ورد المقطع التالي لا يمكن تناول العقلية العربية التقليدية دون الاخذ بعين الاعتبار التأثير الطاغي للدين الاسلامي في نمط التفكير العربي. هذا وقد ذهب التقرير ذاته الى التحذير من ان الاسلام وعلى خلاف نظرة الغرب النمطية اليه ليس عائقا طبيعيا بوجه الشيوعية فالكثير من الاصلاحيين الذين امسكوا بزمام السلطة في بلاد العرب قد افسحوا مجالا للاقتصاد لتكون له الاولوية متقدما على امور الدين هناك الامر الذي ادى الى اضعاف القوة المعتقدية (الايمانية) وما لها من دور بما جعل الاقليم عرضة للتأثر برياح الشيوعية وهنا نشهد حضورا طاغيا لغرهارد فون منده وجماعته ضمن التحليلات الاميركية الباكرة بشأن الزخم الاسلامي ودوره المستقبلي ففي شباط/فبراير 1951 تلقت وكالة الاستخبارات المركزية تقريرا من مصدر للمعلومات باحدى كبريات الجامعات الاميركية مفاده قيام فون منده بحشد اعداد من المسلمين من ذوي الشأن لتأسيس مستجمع للافكار think tank يتناسب ومشاربهم كذا فأ، جهوده نحو اعادة تأسيس الاوستمنستريوم وفريق العمل به لم تكن خافية ولعل التقرير المذكور ذا الصفحات الثلاث لدليل على شروع الاميركيين في التفكير في كيفية توظيف الاسلام لمأربهم ومراميهم.
هذا وقد عمدت الادارة الاميركية ابان ولاية ايزنهاور الى تدعيم تلك الجهود ودفعها قدما اذ كانت ترى ان ادارة ترومان لم تكن قوية بما يكفي كذا فلم تكن جهودها موجهة لتلك الاغراض توجيها كاملا فعلى حين كانت لجنة الاستراتيجية السيكولوجية تتبنى البرنامج الجديد بشأن الشرق الاوسط وذلك في بواكير عام 1953 كان ادوارد ليللي Edward p.lilly احد ابرز استراتيجي الحرب السيكولوجية في ادارة ايزنهاور قد اصدر مذكرة حملت اسم العامل الديني the religious factor والتي دعت الولايات المتحدة الى توظيف تفوقها الروحاني واستخدام ورقة الدين على نحو اكثر سفورا وقد صور ليللي في مذكرته حركة الاحياء الديني الكبيرة الدائرة انذاك في ربوع العالم الاسلامي حيث ذهب الى القول بأن المفكرين المسلمين- على مدار عدة عقود خلت- كانوا يسعون الى تحديد كيفية توظيف الاسلام لانقاذ بلدانهم من براثن الكولونيالية والتبعية للغرب كذا فقد اضاف ليللي ان جماعات كالاخوان المسلمين قد تعهدت بتحقيق الخلاص الوطني بالاستمساك بالقرآن والعض عليه بالنواجذ حيث قام بتشبيه جماعة الاخوان المسلمين بحركة البعث الويزلياني الميثودي في بريطانيا القرن الثامن عشر وفي عام 1953 طلب ليللي الى فريقه بحث امكانية مد يد العون الى المملكة العربية السعودية اثناء موسم الحج باراضيها اذ نظرا لبعض المشكلات اللوجستية لم يتمكن الالاف من المسلمين في ذلك الموسم (1372 هجرية) من الوصول الى مكة.. فكان السؤال هل يمكن لسلاح الجو الاميركي- في قابل الايام- ان ينقلهم الى هناك؟ سؤال طرحه مستشار اداورد ليللي جانا وكتب يقول: بينما تظهر الرغبة في العمل على وحدة العالم المسيحي والاسلام لضمان حرية العقيدة ..الخ واضحة جلية الا انني ارى ان مشروعا كهذا لن يجدي كثيرا اذ سيتم النظر اليه على انه محاولة مصطنعة تم اقحامها من قبل الكفار لتنظيم الشأن الاسلامي محاولة اخال انها لن تؤتي ثمارها بل سيخيب مسعاها وينظر اليها على انها حملة سيكولوجية فجة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة