حاوره :عباس محسن
فنّان عراقيّ أثبت حضوراً ومكانة متميزة في المشهد التشكيلي العراقيّ، منذ أن بدأ مسيرته الفنيّة طالباً في أكاديمية الفنون الجميلة، وبعد أن انطلق إلى مدن العالم في رحلة من اختبار ألوان الحياة واسعة الجمال. انّه ستار كاووش، من مواليد بغداد العام 1963، حاصل على شهادة البكالوريوس في الفنون التشكيليّة العام 1990، وأقام أوّل معرض له في أكاديمية الفنون الجميلة العام 1986 تلاها بعد ذلك بمعرض في قاعة الرشيد العام 1989، ومعرض آخر في قاعة الرواق العام 1993، وفي كاليري كالارس العام 1996، ومعرض في قاعة المكتبة المركزية ومعرض كلي ايدرمان في رايزفايك بهولندا 2001 – 2002، أما أهم معارضه فهو الذي أقيم في بيت الفنان العالمي فان كوخ وذلك العام 2005. كاووش له عدد من المعارض المشتركة وتوزعت ما بين بغداد وروما وعواصم أخرى في العالم.
وفي العام 2005، تم إصدار دراسة نقدية عن أعماله الفنية حملت عنوان «أطياف تعبيرية» للكاتب عدنان حسين أحمد، كما أصدر عدد من الشعراء الهولنديين كتاب «أصابع كاووش»، وهو عبارة عن قصائد تحاكي لوحات الفنان ستار كاووش وهي تجربة تحمل بين قصائدها نظرة حداثوية ربما تجد لها طريقاً في المستقبل. كانت له في بداياته تجربة أولية وذلك عندما رسم عدداً من اللوحات المستنسخة لفنانين كبار وقام بعرضها في معرض المدرسة آنذاك، فنالت إعجاب الحاضرين لهذا المعرض. تتلمذ على يد أبرز الفنانين العراقيين، ومنهم فائق حسن، وكاظم حيدر، وإسماعيل الشيخلي، ووليد شيت، وآخرون، واكتشفه في بداية مسيرته الروائي عبد الخالق الركابي.
*كيف بدأت الرسم؟ وإلى مدرسة ينتمي أسلوبك، وبمن تأثرت؟
– أحببت الرسم وأنا صغير وقد انتبه لي مبكراً الروائي عبد الخالق الركابي الذي كان يدرسني الرسم في المدرسة. كنت أرسم وجوه المدرسين والتلاميذ الذين حولي، حتى أقمت معرضاً في المدرسة، وكان هو معرضي الشخصي الأول حيث علّقت رسوماتي في إحدى قاعاتها الفارغة، وهكذا بدأت أرسم وأعرض رسوماتي هنا وهناك في أماكن هي في الغالب نوادي يتجمع فيها الشباب، حتى جاءت فترة الدراسة في أكاديمية الفنون التي بدأت فيها مرحلة جديدة من حياتي. أما أسلوبي فقد مرّ بمتغيرات وتأثيرات كثيرة ابتدأت بالتعبيرية وانتهت بعالم خاص بي يمثلني، وفي أثناء هذه الرحلة تأثّرت بفنانين كثر وعوالم ومناخات شتى وعديدة إلى أن توصلت إلى أسلوبي وطريقتي الخاصة في الرسم.
*يقول أفلاطون «أتقن عملك تحقق أملك»، ما طقوسك الخاصة التي تسبق الرسم ومتى تبدأ ذلك عادة؟
– جميلة هذه المقولة، أتفق معك على أن التفاني في العمل والإصرار على المواصلة يمكن أن يوصل الفنان إلى نتائج مبهرة وجميلة. بالنسبة لي أبدأ الرسم مبكراً حيث أفتح باب المرسم في الصباح. أقضي طوال اليوم تقريباً في المرسم، وقبل أن أبدأ أفرش على أرضية المرسم مجموعة من التخطيطات أو الدراسات التحضيرية، لأقوم باختيار واحدة منها لأنفذها على القماشة، ومع الموسيقى التي تصاحب عملي أبدأ بوضع طبقات الألوان واحدة فوق الأخرى، إذ تبدأ الشخصيات التي أحبها بالظهور على قماشة الرسم تدريجياً.
* قلت في حوار سابق أن لوحاتك كلها أحاديث عن علاقة الرجل بالمرأة، هل سيأتي يوم وتلغي هذه الفكرة وترسم لجنس واحد؟
– ليس هناك حدود للرسم، والموضوعات ممكن أن تتغير أو تأخذ منحىً جديداً ومختلفاً، الشيء المهم بالنسبة لي هو أن أرسم، وأن أتمتع بلحظة الرسم وأجعل اللوحة مثل نافذة تطل على العالم الذي أحبه وأنتمي إليه. أرسم أحياناً نساء وحيدات، ساهمات وشاردات الذهن، لكنك حين تمعن النظر في اللوحة وتراقب المشهد جيداً ترى ظلال الرجل واضحة أيضاً، لحظة الغياب هذه أركز عليها كثيراً وأحب أن أرسمها في لوحاتي. بشكل عام ليس المهم فقط أن تكون هناك امرأة أو يكون رجل في لوحاتي، بل المهم أن أنجز لوحة جميلة وأخّاذة ومبهرة.
* أنت دائماً ما تتخذ من المرأة مركزاً للوحاتك، هل مررت بحالة حب عاصفة جعلتك تهتم بذلك وتضع المرأة في هذا المركز؟
– تدرجات اللون، وانحناءات الخطوط وانسيابيتها، وكذلك المساحات التي تتراقص مع الفراغ الذي يحيطها، كل هذا يحيلني إلى المرأة وتناغم حضورها وفتنة وسحر وجودها، المرأة هي طير السعد الذي يرفرف فوق رأسي وأنا أرسم ليمنح قطعة القماش التي أمامي حياة وأبدية فيها الكثير من الغموض والجمال. نعم لقد أحببت في سنوات ماضية امرأة بعمق ورسمت لها معرضاً كاملاً. برأيي من دون المحبة لا نستطيع أن نقدم فناً كبيراً، بل لا نستطيع أن نخطو خطوة إلى الأمام من دونها. أنا أعيش الحب كل يوم ومن دونه يبدو كل شيء صعب وغير محتمل. لهذه الأسباب ترى أن لوحاتي كلها مفرحة وبهيجة وألوانها متناغمة، نعم لهذه الأسباب لم أرسم موضوعاً حزيناً أبداً.
*ينتمي أسلوبك إلى المدرسة الألمانية، بمن تأثرت من الفنانين في هذه المدرسة، وهل ستتخذ هذا بصمة وأسلوب خاص بك؟
– لقد رسمت لوحاتي في فترة الثمانينيات بطريقة تعبيرية واضحة العالم، يظهر فيها تحريف الأشكال وتطويعها لصالح التقنية، كذلك استعمال اللون بطريقة جائرة، فيها الكثير من العنف والجرأة. لكن بعد ذلك أخذ أسلوبي وطريقتي في الرسم بالتغيّر والسير في طرق متعددة حتى تكاد لا ترى شيئاً من التعبيرية فوق سطوح الخامات التي أرسم عليها. التعبيرية كانت نقطة الانطلاق الأولى نحو عالم الفن بما فيه من تجارب وتقنيات مختلفة، فإذا نظرت إلى أعمالي جيداً على امتداد الفترة الزمنية الماضية، فسترى هناك شيئاً من التكعيبية والرمزية والوحشية وحتى الأيقونات الروسية في أعمالي. حاولت دائماً أن أضع كل ما أراه ويؤثر عليّ في بوتقة واحدة وأعطيه صبغة تمثلني وتمثل طريقة رؤيتي للأشياء التي تحيطني، أجتهد على أن أهضم كل ما يمر أمام عيني وأعكسه بعدها بطريقتي الخاصة على قماشة الرسم.
*كتب عنك صالح بستان في جريدة الاتحاد «استعماله للون الأزرق المخضر ( التركواز ) كصفة غالبة تجسد الجو العام للوحاته، ربما يأتي من تأثير المكان الذي يعيش فيه، فهولندا عبارة عن مساحات شاسعة من زرقة المياه وخضرة الطبيعة «، وهنا نطرح السؤال التالي: هل هذا يعني أنك فنان انطباعي بتأثير البيئة المحيطة بك؟ بمعنى تغير ألوانك بتغير المكان؟
– يمكن أن تتغير ألواني وتقنياتي حسب المكان الذي أعيش فيه، لكن هذا لا يعني أنني فنان انطباعي. استعملت الأزرق والأخضر بشكل كبير وفي لوحات كثيرة، هذا صحيح، وجزء من ذلك مردّه إلى المناخات التي تحيطني وتحيط المرسم من كل مكان، لكني دفعت هذه الفكرة إلى أبعد من ذلك، فاللون الأزرق يعطيني درجات متعددة ولا متناهية، كذلك فيه مناخات تحمل الكثير من الغموض والسحر الذي يتناسب مع طريقتي في الرسم الآن، والتي أسميها بـ (الواقعية السحرية ) أن صحّت التسمية. إضافة إلى ذلك فأن لون التركواز يعيدني إلى الشرق ويقرّب بغداد إلى مرسمي وروحي. هنا أود أن أقول أن تغيير المكان يمكن أن يغير اللون والتقنية وحتى زاوية النظر إلى الموضوعات، وليس له من شيء مع الانطباعية. لقد زرت أصدقاء رسامين في جزيرة أمالاند فوجدتهم يرسمون لوحاتهم في الغالب بألوان زرق فاتحة تميل إلى الرمادي، وهي عادة تكون مستطيلة بشكل واضح ويرسمونها بشكل أفقي، وكل ذلك جاء من تأثير البحر الذي يحيطهم.
* لوحة أعجبتك وتمنيت أن تكون أنت الذي رسمتها؟
– تبقى لوحة «الحراسة الليلية» لفنان عصر الباروك الهولندي ريمبرانت، هي أعظم ما رأته عيني على الإطلاق. لكني في الحقيقة لم أتمنى أن تكون هذه اللوحة لوحتي، وذلك ببساطة لأنها من عصر آخر وبتقنيات مختلفة وأسلوب كلاسيكي كان شائعاً قبل 400 سنة. ومن الأشياء التي تسحرني دائماً أيضاً هي اللوحات التي رسمها بيكاسو في فترة الثلاثينات. إنها مدهشة، فإضافة إلى أنها أثّرت على بصري كثيراً، فهي أيضاً تلامس شيئاً في قلبي دائماً.
* يقول البعض أن «الرسم رسالة ناطقة بصمتها» ماذا تقول عن ذلك ؟
– أقول أن الرسم يبقى في جميع الأحوال كذبة بصرية، وعليّ كرسام أن أجعل الآخرين يصدقون كذباتي الملونة هذه. اللوحة قبل أن تكون امرأة عاشقة أو منظر طبيعي أو موديل لرجل مسن أو طفل يلعب في حديقة، هي قبل كل ذلك قطعة من القماش نغطيها بألوان معينة وبطريقة تجعل الآخرين يتفاعلون معها وينسحبون نحوها بعذوبة وجمال ويدخلون إلى عالمها. من كل هذا أود أن أقول أن للرسم لغته الخاصة التي قوامها الخط واللون والمساحات ومعالجة السطوح واختيار زاوية المشهد.
* لوحاتك طافت العالم بمعارض كثيرة، أخبرنا عن آخر مشاريعك المستقبلية ؟
– أنا منشغل الآن بالتحضير لمعرض شخصي مقبل في مدينة دراختن الهولندية، وسأعرض فيه أكثر من 60 عملاً، منها أعمال تقترب من النحت، حيث خرجت من إطار اللوحة التقليدي إلى فضاء القاعة. وسيصاحب المعرض حفل توقيع الكتاب الذي سيصدر عن أعمالي باللغة الانجليزية والهولندية وبطباعة فاخرة، وهو يحتوي على 150 لوحة وقد كتبت المقدمة مديرة متحف العالم في هولندا ( شارلوته هويخنس). كذلك هناك اتفاقات مع عدد من الأماكن في مدن هولندية على إقامة حفل لتوقيع الكتاب. إضافة إلى ذلك مازلت منشغلاً بالجاليري الذي افتتحته باسمي ( جاليري كاووش ) والتحضير لعرض لوحاتي الجديدة.
* زينت لوحاتك أغلفة العديد من كتب الشعراء والكتاب، حتى إن أحد أصدقائك قد جعل واحدة من لوحاتك وشماً على يده، ما شعورك إزاء ذلك؟
– نعم هذا صحيح، تكاد تكون أغلب اللوحات التي رسمتها قد ظهرت كأغلفة لكتب أدباء وبلغات عديدة. أما لوحة الوشم فهي ما قام به صديقي المخرج والممثل طارق هاشم، الذي كلّف صانع وشم دنماركي ماهر بأن ينفذ لوحتي «رجل وامرأة قرب النافذة» على شكل وشم ملّون على ذراعه. وكانت النتيجة مذهلة وهي طبق الأصل للوحتي. وهكذا سنبقى أنا وصديقي طارق قريبين من بعضنا إلى الأبد، يا لها من فكرة أبدية مدهشة.
* كلمة أخيرة ؟
– جزيل الشكر على إجراء هذا الحوار، مثلما أشكرك على استماعك لي وفتح هذه الفسحة الجميلة لأقول أشياء تتعلق بلوحاتي وعالمي والطريقة التي أنظر بواسطتها إلى الرسم.