المتطرفون ينشرون الخوف أينما حلّوا
الصباح الجديد ـ متابعة:
بعد فرارهم من إرهاب داعش في وطنهم، واجه العديد من اللاجئين الإيزيديين وغيرهم من الأقليات في مخيّمات اللجوء اليونانية عنف المتطرفين مجددا. DW زارت مخيم اللاجئين في مدينة مالاكاسا اليونانية وتحدثت مع الأشخاص المتضررين.
“لو اكتشف الأفغان، أنني إيزيدي، فسيحرقونني حياً. في عيونهم لسنا بشراً”. يلقي خيري زابري، 37 عاماً، بنظرة قلقة على الخارج حيث تحرك الريح ستائر عربته السكنية. فمنذ شهر ديسمبر الماضي، يعيش مع زوجته زيران وبناته الثلاث في مخيم اللاجئين في مدينة مالاكاسا، خارج العاصمة اليونانية أثينا.
المخيم ذو المساحة الصغيرة، مكتظ باللاجئين. العديد منهم ينحدرون من أفغانستان وسوريا. ويعيش الوافدون الجدد في خيام، بينما يجري بناء أماكن إقامة إضافية. في أحد ليالي الشهر الماضي، اندلع شجار أمام عربة خيري السكنية. وشارك في الشجار نحو مائة سوري وأفغاني. وعلى إثره قُتل لاجئ سوري يبلغ من العمر 31 عاماً وأصيب 8 آخرون. كما اعتقلت الشرطة اليونانية العشرات من اللاجئين المتورطين في الشجار.
وعن ما شاهده خلال الشجار قال خيري انه “خلال الشجار الجماعي الذي وقع أمام عربته السكنية، لم يتدخل أي فرد من أفراد الشرطة المتمركزة خارج المخيم أو الجيش من القاعدة العسكرية المجاورة. ويعيش خيري وعائلته الآن في خوف مستمر، كما تعيش بقية العائلات الإيزيدية الثلاث الأخرى في مخيم اللاجئين.
جميعهم ينحدرون من الأقلية الدينية المضطهدة من قبل داعش في العراق. إضافة إلى العائلات، تعيش مجموعات كبيرة من الأفراد الذكور داخل مخيم مالاكاسا. وعن سلوك هؤلاء داخل المخيم قال “إنهم يلعبون كرة القدم في الساعة الثالثة صباحاً، ولا يمكننا حتى الشكوى، لقد تعرض جيراننا للهجوم عندما فعلوا ذلك”.
لكن الأمر تعدى اللاجئين المستبدين، الذين يقومون بتخويف الآخرين داخل المخيم. في العراق، لم يكن خيري خائفاً عندما هاجمت الدولة الإسلامية قريته في الـ 3 من آب 2014. كانت واحدة من القريتين، اللتين واجه رجالها الإسلاميين المتطرفين. وخاض القرويون معركتهم مع التنظيم حتى نفاذ ذخيرتهم. ومات خلال المواجهة أربعون رجلاً، اثنان منهم من أفراد عائلته. كما قطع مقاتلو داعش رأس أحد أبناء عمه في الموصل. ثم غادر مع عائلته إلى مخيم في المناطق الكردية في العراق، لكنه غادر مخيم اللاجئين هناك مرة أخرى، وعلى الرغم من مقتل (غرق) سبعة من أفراد أسرته، وهم يحاولون الوصول إلى اليونان عبر بحر إيجة التركي في عام 2015، إلا أن خيري تغلب على خوفه في العام الماضي، وصعد مع زوجته وأولاده على متن القارب.
وعن تلك التجربة يقول “كنا نظن أنه من الأفضل لنا أن نموت، على أن نعيش في مكان نفتقد فيه للشعور بالأمان”. ويشرح حسين خضر البالغ من العمر 29 عاماً: “الكثير من الأشخاص هنا ينتمون إلى تنظيم داعش، الذي فرننا منهم”.
وتقول زوجة حسين خضر، إلهان “إنهم ينادوننا بالكفار”. في المطبخ ذي المساحة الصغيرة، تعد إلهان وجبة غداء بسيطة من اللحم والأرز، وهي تحكي عن امرأة سورية من المخيم، حذرتها من التنظيم الإرهابي. وكانت المرأة قد فرت من مدينة دير الزور التي كانت ما تزال تخضع لسيطرة داعش، وعنها تقول “لقد حذرتني من الحديث بالسوء عن داعش في الأماكن العامة، لأن الكثيرين منهم هنا داخل المخيم”.
يتذكر زوجها الحديث في الطابور قبل تناول الطعام في مخيم موريا بجزيرة ليسبوس، حيث قضوا أول شهرين بعد وصولهم اليونان. وخلال شهر رمضان، حاول الإسلاميون المتطرفون في موريا معاقبة غير الصائمين. وقد تسبب ذلك في ترك العديد من الأكراد والإيزيديين للمخيم، وتوجه البعض منهم إلى مخيم مالاكاسا.
يتحدث خضر البالغ من العمر 29 عاماً، العربية والفارسية، وكان قد سمع كيف يصف العرب والأفغان الآخرين بغير المؤمنين. “حتى أنهم يصفون اليونان وبلدان أوروبية أخرى ببلدان الكفار. ماذا يفعلون هنا؟ إنهم جاءوا إلى هنا، لأن حكوماتهم تبحث عنهم، أنهم مجرمين”.
أياد خضر خانو، 27 عاماً، وصل مخيم مالاكاسا قبل عام. وكان الشاب “رئيس الطباخين” في جناح المخيم الخاص بالعائلات في ليسبوس. “الوضع هناك هو نفسه كما هو الحال في سنجار”، ويضيف “داعش الموجود في العراق، موجود هنا الآن. يمكنني أن أريك شخصاً قصف الفلوجة”. وكانت الفلوجة أول مدينة احتلها داعش في العراق عام 2014.
لقد عايش، كيف قتل تنظيم داعش27 شخصاً من أفراد عائلته الكبيرة في سنجار. وما تزال ذكرى حمام الدم في آب 2014 حاضرة في مخيلته، وعن تلك المجزرة قال: “لقد استخدموا السكاكين لتوفير الذخيرة”.
من داخل المخيم ينطلق صوت عال لنداء المؤذن للصلاة من خيمة تستخدم كمسجد. “أنا فخور لكوني إيزيدي، لكن ليس هنا. هنا أقول أنا كردي”، يقول إياد خضر خانو. العائلات الأخرى تفعل الشيء نفسه كما يفعل خانو، ولا تفصح عن أصلها الحقيقي، في حالة واحدة فقط، وذلك عند حديثهم إلى مترجمين يثقون بهم، يكشفون عن هويتهم الحقيقية.
لكن جاره السوري من دير الزور علم بأن إياد خضر خانو، من الطائفة الإيزيدية، من خلال الخيوط الحمر والبيض، التي يلفها حول معصمه، وهو تقليد إيزيدي، وعن ما قاله له جاره السوري، عندما علم بهويته الحقيقية: “أخبرني أن نساءنا الإيزيديات في سوريا تحت سيطرتهم، وأن أخاه يحتجز سيدة إيزيدية كجارية لديه”.
ويذكر أن داعش قد قتل أكثر من ستة آلاف رجل، كما تم اختطاف أكثر من ستة آلاف امرأة وطفل من الإيزيديين، الذين تم استعبادهم أو أجبروا على القتال. لقد فر نصفهم فقط حتى الآن، وما تزال معظم العائلات الإيزيدية في مخيم مالاكاسا تفتقد أقاربها.
يقول خانو إنه لجأ إلى منظمات الإغاثة ووزارة الهجرة اليونانية بسبب التهديدات وخوفه على عائلته. “لكن لا أحد يهتم بنا، يقولون لنا بأنه لا يمكنهم فعل أي شيء من أجلنا “. ووفقاً لما ذكرته كارولينا نيكولايدو، المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة في أثينا فإن السلطات اليونانية هي من يصدر القرارات بخصوص تحركات اللاجئين. لكنها تشك في أن تكون العائلات الإيزيدية، التي تتظاهر بأنهم أكراد، قد تسببوا في بعض الارتباك.
من أجل تهدئة الوضع في مخيم مالاكاسا، تخطط الوزارة لنقل اللاجئين من بعض الجنسيات. لكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان هذا التغيير سيشمل الإيزيديين. السلطات اليونانية حققت في الاتهام، بأن الشجار في مخيم مالاكاسا يضم المتطرفين الإسلاميين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، لم يتم العثور على أدلة ملموسة، كما ذكرت وسائل الإعلام اليونانية.
على جزيرة لسبوس، قالت الشرطة اليونانية لموقع”eKathimerini”، المصدر الإلكتروني لصحيفة كاثيميريني في أثينا، بأنه”تم اعتقال 498 مواطنا أجنبياً منذ بداية العام لارتكابهم جرائم مختلفة، لكن لم تكن لدى أي منهم صلة بالإرهاب”.
في مواجهة تهديدات داعش، حاول النشطاء الإيزيديون إخراج أفراد من مجموعتهم العرقية من المخيمات. وساعد أعضاء البرلمان الأوروبي في نقل 700 إيزيدي إلى البرتغال. ومع ذلك، فشل الاتفاق لأن السلطات اليونانية والاتحاد الأوروبي رفضوا منح معاملة خاصة لبعض المجموعات من اللاجئين.