سحر لم أدرك مداه الا بعد ان رددت تحية على أحد الأصدقاء وقلت “صباحك ورد” فأغدق عليّ من عبارات الثناء والمديح مالم أكن اتوقعه او انتظره، وعرفت ان تلك التحية على بساطتها اثرت به الى حد كبير، وقد يكون السبب ان لا أحد يرد عليه التحية بمثلما رددت، مع بساطة الرد.
السحر هو الكلمة، فما الذي يدفع بعض النسوة الى البحث عن دجال ليقوم بأفاعيل ساذجة، وكتابة كلمات أكثر سذاجة وغير مفهومة، والصفة الأخيرة كأنها اثبات على انها من قوى غيبية. لم لا تفكر اولئك النسوة بسحر الكلمة، التي هي ابسط ما يمكن لنا فعله، وتحويلها الى فعل ملموس، ولا تحتاج الى تكبد عناء البحث عن مثل هؤلاء المشعوذين، ولا تكلف نفسا اكثر من وسعها.
يمكن ان نمارس سحر الكلمة مع مديرنا في العمل، ليس بغاية التملق، بل لغاية أسمى، ان نوصل له رسالة اننا محبون لعملنا ومخلصون له، كما اخلاصه هو، وذلك يرفع من شأننا عنده ليقدر ما نفعله مستقبلا بغض النظر عن بساطته من عدمها، لان افتراض سوء النية، او سلامتها يتوقف عليه الكثير من ردود الأفعال.
كلنا نحتاج الكلمة الطيبة، لكن هناك البعض، وبسبب موروثات متخلفة، بات يخجل من الكلمة الطيبة الا مع امه، ولولا ان الدين بارك بالأم، وجعل الجنة تحت اقدامها لخجل من نطق عبارات الحب والثناء لها أيضا، غير ان الدين قال ايضا ان الكلمة الطيبة صدقة، فلم لا يكون هذا دافعا للالتزام بها ولتطبيق فعل الصدقة من خلال الكلمة مع كل من يحيطنا من افراد الاسرة، او زملاء العمل.
للكلمة سحر عجيب يجهله الغالبية العظمى من موظفي الدوائر الحكومية والخدمية على وجه التحديد، حيث نجدهم غالبا ما يتحدثون الى الزبون، او المراجع بفوقية، وكأنه متفضل عليه بالخدمة التي يتقاضى عليها اجورا، أي انه يتململ ويتمنن على الاخر لأنه يقوم بأداء واجبه، مع انهم وبنحو مطلق يصومون ويصلون، فلابد ان قرأوا عن تأثير واهمية الكلمة اجتماعيا ودينيا.
في فيلم زوربا المأخوذ عن رواية نيكوس كازنتزاكي “زوربا اليوناني”، يظهر في أحد المشاهد انتوني كوين مع الشاب “البطل” وهما ينتظران عند الإشارة الحمراء، لتقف بجوار مركبتهما مركبة أخرى تستقلها امرأة كبيرة في السن، ولا تمتلك مقوما من مقومات الجمال، فبدأ زوربا يمطر عليها كلمات الغزل الرقيقة، تساءل الشاب عن السبب الذي دفعه للكذب عليها، فأخبره ان كل ما نطق به من كلمات غزل جميلة لم تُخسره شيئا، لكنها اكسبت تلك المرأة يوما رائعا.
لنفترض جدلا اننا جميعا سرنا على هذا النهج، وطبقنا هذا المنطق، نشذب السنتنا من كل لفظ سيء او بذيء، ونروضها على نطق كل ما ينصب في خانة الخير والحب والجمال، كيف يمكن ان تكون الحياة عندئذ؟ في البيت في العمل في الشارع، مع الكبير والصغير على حد سواء، ببساطة ستتحول المدينة الى مدينة تتلفع بالسعادة، والثمن. كلمة طيبة..فقط لاغير ولا اكثر.
أحلام يوسف
سحر الكلمة
التعليقات مغلقة