الشعرية وامتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية في (يطعنون الهواء برماح من خشب)

علوان السلمان

الشعر مغامرة تتجاوز الواقع وتختصر المسافات ..سابحة والامتدادت الزمنية بلغة مشحونة..مستفزة للذاكرة بجمال صورها وحلميتها وتشكلها الجملي المكثف.. المتمرد..الرافض للتأطير والقوالب الجاهزة..كونه ينوي خلق الصور التي تسهم في كشف كنه الاشياء بالشعور والحدس..من خلال بناء ذاتي يعبر عن كونه الشعري المكتنز بالصور التي هي روحه وكيانه الفني المتمثل بالمرئي والمتصور في بنية لفظية خالقة لجمالها الابداعي..
والشاعركريم جخيور في مجموعته الشعرية(يطعنون الهواء برماح من خشب) التي اسهمت دار شهريار في نشرها وانتشارها/2018.. كونها نصوص يغلب على جملها سمات تنبض بالحب والالم والتوهج العاطفي.. اضافة الى توظيفها نبرة الاسترجاع والتذكر التي صارت فاعلة في نصوصها برؤية تأملية مشبعة بالانتظار …..
في مدونة جدي
منذ ان صار السواد
بستانا في بطون قريش
وهو يطوي خيمته
من بر الى سهل
ومن جبل الى فج عميق
ليس له من فيئهم شيء
وكان اسمه دائما مرقنا
من سجلات الغنائم
وثابتا في اوامر القبض عند العسكر
وفي المدونة.. كتب جدي
منذ بيانات الفقراء
التي تبدأ دائما بالرقم واحد
وهو يتمثل(اخرج يدك بيضاء)من خزائنهم ص5 ـ ص6

فالشاعر يدخل عالمه الشعري استهلالا بضمير المتكلم(الانا) كي يحقق التوحد في الاداء والذات الجمعي الاخر من خلال التعبير عن اشكالية الموضوع بكل ما فيه من حقائق تسهم في تصاعد النص دراميا كالتناص التقانة الفنية التي تضفي عليه عمقا وثراء والتنقيط(النص الصامت) الذي يستدعي المستهلك(القاريء) للاسهام في بناء النص المتميز بتحولاته من مشهد لاخر من خلال تحول الفردي الى موضوعي مكتظ بفاعلية الذات..مع التزام الشاعر بشرط النص الفني لتحقيق ادائه بالذوبان في هموم الاخر والتعبير عن ازمته الاجتماعية والسياسية والنفســية..باعتماد الرمز الدال والمــحرض للفاعلية الشعرية على
التألق في ملامسة اعماق النفس والبيئة..
لم ننقطع عن زيارة قبرك
في ذكرى موتك الجسدي
نوقد الشموع..
كنا نتمنى ان نفعل ما نحب
ولكننا في مقبرة
واكراما لجيرانك من الموتى
نكتفي ان نرشك بالعطر
ونضع باقة ورد..
نأخذها بعد التقاط الصور
فالمقابر ياسيدي
لا تخلو من اللصوص /ص29

فالشاعر ينسج عوالمه عبر فضاءات منفتحة على آفاق دلالية مشبعة بها الذاكرة الشعرية المنتجة فتتشابك عنده الالفاظ بنهج ايحائي.. ترميزي..كي يخلق الجملة الشعرية الحالمة بصـورها المتجاوزة لواقـعها(بانزياح معيار اللغة) على
حد تـعبير جان كوهــن.. فضــلا عن انه يوظــف الحــوار الذاتي(المــونولوجي) بايحائية اسلوبية.. حركية اضفت على النص حيوية تعبيرية من خلال التنقل ما بين ضمير المتكلم والمخاطب(هو).. مع التأكيد على القيم الجــمالية والفنية من خلال التنوع الاســلوبي اـذي يجــنح نحـو لغة درامية بعــيدة عـن الغــنائية التي استهــلكتها الرومانسية..
فالخطاب الشعري عند الشاعر يتكيء على فضاء دلالي يخرج باللغة عن فضائها العلاماتي الى فضائها التأويلي عبر بنية تغلب عليها الانزياحات التي منحت النص قدرة انفعالية تتعايش في احضان واقع تربطه معه علاقات انسانية..لانه يعي ان الفن هو(التعبير بصور) والذي يتحقق بامتلاء المخيلة بالمعطيات الحسية التي يتفاعل معها المنتج(الشاعر) بوعي كلي..
في الحيانية/او حي الحسين بعد احتراق المشير
كنا ننام في ظهيرات الاصياف القاسية
نحن اولاد الحيانية الوقحين
فليس في بيوتنا ما يغري بالهدأة
كانت من قصب وطين
وحين يدخلها الضيف تعترضه حبال الغسيل
التي قلما تخلو من اسماك مجففة
كانت الشوارع من سبخ ووحل/كان المسجد وحيدا//وبعيدا جدا
بيد ان المحبة كثيرة كانت
فلم يكن يشعر بالوحشة/ والحب رسائل خضر/في زوايا البيوت
كنا نفرط في اللعب/ونقع في الشجار/لكننا لا نعود الى البيت/
وفي دشاديشنا شيء من خصومة/فننام على وسائدنا المتهرئة/دونما كوابيس
وكانت امهاتنا لا يعرفن من العشار/سوى مسجد المقام/وضريح عبدالله بن علي
وسوق الهنود/وليس لهن من الاعياد/غير زيارة القبور..والاضرحة /ص69
فالشاعر يحاول ايقاظ التاريخ باسلوب بنائي مغامر يحتك بواقعه وهو يخاطب القوى الوجدانية لاثارتها..فضلا عن اعتماده تقانة الاسترجاع وفق صور مكثفة واختزال جملي ورمزية لفظية مع انسياب مــتدفق لمشاهــده الصــورية الدائمة التخلق بحكم طاقتها المكتنزة بديناميتها والمــتوالدة في ذاتيتها النصية المحـققة
للمعاني المعبرة عن مواقف انسانية.
فالشاعر يحاول خلق عالم متميز بنسقه الجمالي ضمن وحدة موضوعية معانقة لفعلها الاستدلالي والانفعالي الشعوري الذي ينم عن عمق المعنى والرؤية..بشعرية ترقى من المحسوس الى الذهني باعتماد نثرية شعرية تلتقط الجزئي من الوجود والاشياء لخلق عوالمه الجمالية والاسلوبية المتعددة..التي تسهم في بناء نص متجاوز للمألوف بتعطيله للاوزان والقوافي والاكتفاء بالموسيقى الداخلية المنبعثة من بين ثنايا الالفاظ المشحونة بطاقتها الايحائية..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة