بقلم: لهب عطا عبدالوهاب، اقتصادي عراقي:
توطئة: سأتوقف سريعاً عند العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أولاً، وتهديد إيران بغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية ثانياً، وأثر انخفاض سعر صرف الريال الإيراني على الاقتصاد العراقي لا سيما ما يعرف بـ «السياحة الدينية» ثالثاً، وأخيراً من المستفيد من ارتفاع أسعار النفط رابعاً.
أولاً: إيران والعقوبات الاقتصادية
تعاني إيران اليوم من ضائقة إقتصادية كبيرة في ظل التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات إقتصادية شاملة دخل بعضها حيز التنفيذ في 6 آب الجاري والتي شملت قطاعات كبيرة منها تجارة السيارات والتجارة بالذهب، على أن تعقبها عقوبات أشد وطأة بحلول 5 تشرين ثاني القادم والتي ستشمل صادرات إيران النفطية. إن أي مواجهة العسكرية مع إيران قد ترفع الأسعار إلى عتبة 150 دولاراً للبرميل لا سيما وأن الإدارة الأمريكية الحالية لا تثق بالنوايا الإيرانية. وقد وصلت الصادرات الإيرانية في شهر تموز الماضي إلى 2.7 مليون برميل يومياً بعد أن وصل إنتاجها إلى 3.8 مليون برميل يومياً. وكانت إيران تتطلع إلى زيادة صادراتها إلى 5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2021 الأمر الذي لن يتحقق في ظل العقوبات الاقتصادية.
إن إدارة ترامب الحالية عاقدة العزم على حرمان إيران من صادراتها لا سيما بعد انسحابها من الاتفاق النووي (5+1) المبرم مع إيران عام 2015 وتتطلع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى حث حلفاءها الغربيين إلى وقف وارداتها النفطية الإيرانية بحلول شهر تشرين ثاني نوفمبر القادم حين تدخل العقوبات الاقتصادية حيز التنفيذ على نطاق واسع، ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران ومع عودة الحظر الشامل لصادرات إيران سنعود مرة أخرى إلى حالة مشابهة لما كان سائدا في عام 2008. في تلك السنة هددت إيران بغلق مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية ما أفضى إلى ارتفاع سعر النفط إلى أرقام قياسية وصلت إلى 160 دولاراً للبرميل خلال أشهر معدودة.
ثانياً: إيران ومضيق هرمز
تمتلك إيران ورقة ضغط رابحة تتجلى بسيطرتها شبه المطلقة على مضيق هرمز، وهو مضيق مائي ضيق يقع بين إيران وسلطنة عمان ويعد المنفذ الوحيد للسفن والناقلات إلى المحيط الأوسع. هذا وأن 90% من الصادرات النفطية الخليجية (الكويت، دولة قطر، السعودية، الإمارات) بالإضافة إلى إيران تمخر سفنها وناقلاتها عباب هذا المضيق وصولاً إلى الأسواق العالمية. كما يعد المضيق المنفذ الوحيد لصادرات قطر من الغاز البترولي المسال (LNG) الأكبر في العالم.
وتدرك إيران أهمية مضيق هرمز في تجارة النفط العالمية. وتبلغ الطاقة الاستيعابية اليومية للمضيق 14 ناقلة عملاقة أو ما يعادل 17 مليون برميل يوميا مع طاقة إسمية تصل إلى 18.5 مليون برميل يومياً، أو ما يعادل نصف الصادرات النفطية العالمية اليومية. ومع الأخذ في الاعتبار كمية النفط والسوائل المنقولة بحرا فإن 30% من الناقلات العالمية موجودة هنا ما يجعل من المضيق أحد أهم نقاط الترانزيت المزدحمة في العالم.
التاريخ يعيد نفسه: ما نشهده اليوم في السوق النفطية هو تكرار الصورة المشابهة عام 2008. وفي تلك الفترة كان الاقتصاد العالمي يشهد انتعاشا كما كان هناك رئيس أمريكي جمهوري على دفة السلطة (الرئيس جورج بوش الابن) والذي كان يتمتع بعلاقة حميمة مع السعودية. بيد أن توتر العلاقة مع إيران أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط لتتجاوز عتبة ال100 دولار للبرميل لأشهر عديدة. كما شهد عام 2008 ما يعرف بـ «الفقاعة المالية» التي أفضت إلى إفلاس العديد من البنوك التجارية نتيجة الزيادة في كلف العمليات نظراً للارتفاع القياسي في أسعار النفط.
إن التطورات تتجاوز الحد من القدرة النووية الإيرانية، إذ يعمل الرئيس ترامب جاهداً على إحداث تغيير في النظام القائم في إيران منذ عام 1979(خلافاً لما أدلى به جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي لدى زيارته إسرائيل قبل أيام، من إن الإدارة الأمريكية بخلاف رئيسه لا تسعى لتغيير النظام القائم في إيران بل تتطلع إلى إصلاحه من الداخل). وإذا ما حدثت ثورة في إيران فإن أسعار النفط مدفوعة بالمضاربات ستشهد ارتفاعات كبيرة غير مسبوقة.
وتعد الصين المستورد الأكبر للنفط الإيراني، كما تعد إيران ثالث أكبر مورد للنفط للهند. والدولتين الآسيويتين هما بأمس الحاجة للنفط الإيراني. كما أن تركيا التي لديها حدود مشتركة مع إيران عبرت عن نواياها في الاستمرار على استيرادها من النفط الإيراني.
إن الوصول للصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر وفقاً للرئيس ترامب لن يتحقق على الإطلاق. وبحلول تشرين الثاني نوفمبر القادم فإن العقوبات الواسعة بما فيها حظر تصدير النفط الإيراني ستدخل حيز التنفيذ. ومن الناحية النظرية ففي اللحظة التي تغلق فيها إيران مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، فإن البحرية الأمريكية بالإضافة إلى السعودية والإمارات ستتدخل لفتح المضيق، وسيفضي ذلك إلى نشوب صراع عسكري ومواجهة لا تحمد عقباها. وفي سيناريو آخر فإن أي تدخل عسكري قرب المضيق إن كان عفوياً أو مقصوداً ستكون لها تداعيات كبيرة وستأخذ بالأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
ثالثاً: إنخفاض سعر صرف الريال الإيراني وأثره على السياحة الدينية في العراق
كان سعر صرف الريال الإيراني مطلع عام 2018 يتم تبادله مقابل الدولار الأمريكي عند 43 ألف ريال، بيد أنه إنخفض بشكل ملموس منذ ذلك الحين، ليتم تبادله لقاء الدولار عند 120 ريال. وعلى الزائر الإيراني دفع رسوم فيزا قدرها 40 دولاراً. وعند سعر الصرف الحالي للدولار إنخفض عدد الزوار للعتبات المقدسة (النجف، كربلاء، كاظمية، سامراء) بشكل ملموس. إن إنخفاض السياحة الدينية و/أو إلغاء الحجوزات له تأثير بالغ على الإقتصاد العراقي إذ توظف السياحة الدينية بشكل مباشر أو غير مباشر أكثر من نصف مليون شخص. وتساهم السياحة الدينية بما مقداره 3% من الناتج المحلي الإجمالي GDP أو ما يعادل 5 مليار دولار سنوياً وفقاً لإحصاءات مجلس السياحة والسفر العالمي. وكان لتراجع السياحة الإيرانية أثراً ملموساً على الحجوزات الفندقية إذ شهدت شواغر كبيرة بعد عزوف الحجاج الإيرانيين عن زيارتها علماً أن هناك أكثر من 285 فندق في مدينة النجف تعاني غرفها من الخواء التام. في المقابل فإن إنخفاض سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار الأمريكي يعد عامل جذب للحجاج العراقيين لزيارة العتبات المقدسة في قم ومشهد (مرقد الإمام رضا) زرافات وفرادى.
ويعاني قطاع النقل هو الآخر من إلغاء الحجوزات إذ بعد أن كان مطار النجف يستقبل 35 رحلة يوميا إنخفض عددها إلى 12 رحلة يومية فقط.
رابعاً: من المستفيد من إرتفاع أسعار النفط
إن الارتفاع في الأسعار نتيجة للعوامل الجيوسياسية الوارد ذكرها ستصب بالمقام الأول لصالح روسيا الاتحادية والسعودية وهما أكبر دولتين مصدرتين للنفط، وقد ألمحت السعودية عن نيتها زيادة الإنتاج بمقدار مليون برميل يومياً إذا ما دعت الضرورة ذلك. ولدى السعودية طاقة فائضة تصل إلى 2 مليون برميل يومياً.
وسيشهد النفط الصخري في الولايات المتحدة Shale Oil)) زيادة مضطردة لاسيما وأن الإنتاج الصخري باستخدام تقنية التكسير الأفقي ثلاثي الأبعاد ستصبح مجدية اقتصاديا عند حدود 60 دولاراً للبرميل.
وستستفيد الطاقة المتجددة لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من الارتفاع في الأسعار. إذ يمكنها عند الأسعار المرتفعة تغطية التكاليف وتحقيق هامش ربحي مقبول.
خلاصة القول: بإنتظار سريان العقوبات الاقتصادية الكاسحة ضد إيران بحلول شهر تشرين الثاني القادم سيحبس الجميع انفاسه انتظارا لما ستؤول إليه الأمور.