يتناول كتاب “الديمقراطية في أميركا” للباحث والخبير شبلي ملّاط، ظاهرة مهمة للغاية على الصعيد العلمي وعلى الصعيد السياسي، ألا وهي تشريح العملية الديمقراطية، وتشريح النظام الديمقراطي، ولعل أفضل طريقة لإنجاز هذا الهدف المهم في عالمنا وفي بلدنا الباحث بلهفة عن انموذجه الديمقراطي أنه يرتكز على دراسة حالة عيانية مهمة وهي حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة.ومن القضايا المهمة في هذا الكتاب ارتكازه الى واحدة من أهم المرجعيات في الدراسات الديمقراطية أليكسس دي توتكيفل الذي يعدّ أهم المراجع المتاحة لدراسة هذه التجربة.
وكذلك تكمن أهمية الكتاب في أنه يشير الى التحولات الجديدة في العالم الراهن وهي تحولات لابد من وضعها في إطارها التاريخي والإنساني.وهو أيضا يرسم الطريق لمجتمع بلا عنف، ومجتمع يرتكز على التعاون والتفاهم الإقليمي المرتكز على نشر قيم المساواة، ومحاربة الفقر، ونبذ الاستغلال الاقتصادي للشعوب.
كما أنه يتيح للقارئ إدراك إمكانية خلق نظام عالمي واسع من دون أوهام التسلط الإمبريالي أو الدكتاتوريات الأيديلوجية، ويعلي بشكل كبير دور العدالة والقضاء في تنظيم التوازن الاجتماعي وتعزيز القيم الحضارية والانتصار للعدل والحياة.
تنشر “الصباح الجديد” حلقات من هذا الكتاب كإسهام في تعميق الجدل والمعرفة وتوسيع دائرة العلم بالمناهج والمراجع الضرورية للعملية الديمقراطية بنحو عام وفي العراق بنحو خاص.
الحلقة 7
شبلي ملّاط:
5- المجتمع المكتمل
كيفية ادخال المهمشين في العصر الشامل
الى ان يصبح ممكنا تقييم الاكتشافات العلمية عن طريق معادلة اقتصادية وافية من المفيد مراقبة التغير في نهاية القرن العشرين من زاوية اثره على شرائح كبرى في المجتمع وكان دانيال بيل قد قدم من ثلاثة عقود على مثل هذه الدراسة في تركيب (المجتمع المعرفة) من خلال رصد القوى العاملة في مدينه العلوم .
واذا كان النمو الاقتصادي الهائل في السنوات الأخيرة يحمل عنوان اكيد هو العهد المعلوماتي عصر الكومبيوتر علينا ان نبحث هل ان ما يحصل داخل اميركا يعكس اخر الثورات الاقتصادية من خلال تأثيره وفق دراسة بل على المجتمع المعرفة وسائر الشرائح الكبيرة التي تشكل البنيه الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة .
والتحرك كما الثبات هما العملة المشتركة في عهد المعلوماتي وكلاهما يلتقيان في ميزة واحدة هي الحضور الكلي فهو ما قارب تحقيقه المواطن الاميركي العالمي في عهد المعلوماتي وبعبارة اكثر وضوحا فان الحضور الكلي يجعل الانسان في الوقت نفسه متحركا وثابتا لان الاتصال يضع الفرد بالمتناول الفعلي والفاعل اينما وجد في الكون . صحيح ان هذه الظاهرة تعود في بواكيرها الى اليوم اصبح الهاتف دوليا . وانما ازدادت ثباتا عندما صار التلفزيون فضائيا لكن حلول الجيل الثاني من الانترنيت وقد صار حقيقه في المواصلات التي تربط العالم بسرعه الضوء يجعل كل الصور مهما بلغ حجمها تسري بسرعة الحرف كما نراها اليوم في البريد الالكتروني .
والتابع التابع فكما ان اي شخص يمكنه ان يطلب كتابا انكليزيا او يسحبه على الكومبيوتر ايا واينما كان وان يتاجر باليورو من غرفته في القاهرة وان يجول في منزله في اليابان في متحف اللوفر اذا سمح له وزير الدفاع الاميركي او حافظ المتحف الباريسي فان الحضور الكلي الذي توفره الثورة المعلوماتية مذهلة اجتماعية لان يسمح لشخص ان يكون في مكان ما وان يعمل في مكان اخر دون ان يتنقل الى ذلك المكان بالفعل .
فصار العمل من دون مغادرها المنزل ممكن التبضع والاتجار والتصليحات الهندسية بالعمليات الجراحية ناهيك عن العمليات العسكرية المتلفزة. والتي تأتي بصورة القتل المخطط له من بعد الاف الكيلو مترات مع تكييف الخدمات البريدية الإلكترونية في السنوات القادمة ولا يبدو لنا الا الجزء الاخر من الجيل الجديد فنمو والتوسع العالمي الالكتروني لا نهاية له والفرص المتاحة تحتاج الى افاق في مخيله ليست بعد في متناول الفكري واذا كان لابد ان تبقى العلاقات الإنسانية في صلب النسيج الاجتماعي فصداقات البريد الالكتروني التجارة بين الناس تشكل تجربه مثرية يعرفها الكثيرون ان الحضور الكلي حقيقة ناجزة والمجتمع يتكيف معه مطوع او مرغم .
ومن ناحيه الاخرى فان الظاهرة المعلوماتية تعمق الهوه بين الذين يتصلون بالشبكة الاثيريه كشركاء فعليين بداخلها وبين الذين ما يزالون محرومين منها لانهم باقون خارجها وهذا التأخر واضح في بلاد المتخلفة ثقافيا واقتصاديا في زمن تزداد فيه المخاطر تدفقات العسكرية والبيئية عبر الحدود مع نسق الانهيار النووي .
في تشيرنوبل ومجاري المياه الملوثة بالمواد السامة كما حدث مؤخرا في نهر الدانلوب وبلاد المختلفة تقنيا مهدده بشكل مضاعف جراء انقطاعها عن ركاب التكنلوجية والتلويث فيها اكثر انتشارا او يهدد طبيعتها وسكانها بازدياد مفاجئ في الكوارث البيئية التي تجتاز حدود البلدان .
وان كان هذا الموضوع يدخل في حديث الشؤون الخارجية لكنه يكتسي اهميه اولى داخل كل بلد حيث يفترض ان تكون الحكومة مسؤولة عن المساعدة في تعميم الارتباط التكنلوجي . الا ان التقصير ما يزال واضحا في مدى هذا الارتباط بساحه العمل وتبدو علاقات العمل متأخرة عن الشبكة الاثيريه افقيا، في المكتب والمعمل وعاموديا في الهرم التسلسلي في الشركة .
لكن الانصاف يقضي بالإقرار بان الإدارة الأميركية في عهد بيل كلينتون دعمت الجادة المعلوماتية ، بشكل واسع وقد تبنت العبارة بحماس ان لم تبتكر المشروع اصلا . لكن المزيد من التعاطي مطلوب بالنسبة الى الشبكة المعلوماتية ليصبح الانترنيت كما كانت شبكة الكهرباء في اميركا في اوائل القرن عباره عن المرحلة المقبلة في تطوير الراس ماليه هذا يجعل الشعار الملائم في العصر الحالي على غرار عباره لينين الشهيرة عن (الاشتراكية =الكهرباء+السوفيات) على شكل رأسمالية القرن الحادي والعشرين =الانترنيت) وقد لا يتفق الناس على المحتوى الا انه ليس من خلاف ممكن على محورية الانترنيت .
وترى الام ترمز في هذه المعادلة ؟يختلف الاقتصاديون على تأثير المعلوماتية على الإنتاجية او على الدورة الاقتصادية او على تشكيل راس المال ونموه لكنه بالامكان تخطي الصعوبة الناجمة عن هذه الخلافات عن طريق النظر الى الشرائح الاجتماعية التي ما تزال خارجه عن الثورة المعلوماتية وغير معنيه بها .
وهذه النظرة الى زمن الحضور الكلي فان المحرومين في اميركا وفي العالم عموما يمكن تصنيفهم من باب التهميش التاريخي الذي يلازمهم تقليديا في اربح شرائح :النساء، والاقليات العنصرية والمسنون والعاطلون عن العمل فتناولنا كلا من هذه الشرائح تباعا في مواقعها من الثورة المعلوماتية .
اذا تناولنا الصنف الاول من الجماعات المهمشة تقليديا اي النساء فهن ادرى بالمعيارين اللذين يحفزان على الالمام بالتقدم المعلوماتي لردم الهوه بين الرجل والمرآة في المجتمع :اولهما المساواة في المعاش والمكافاة على العمل وثانيهما حساب قيمه العمل المنزلي فكيفيه تأثير ثورة الاتصالات على كل من هذين المعيارين .
لكن لابد المضي قدما في طريق باتت واضحه المعالم ، قوامها المساواة التامة في المكافأة الاقتصادية على جهد كل من الرجل والمرأة في حقل العمل فلم يعد اي مجال متروكا للخلل المزمن في المعاشرات بين الرجال والنساء خاصة بعدما صارت الإلاهية الأساسية في العمل مقتصره على الكومبيوتر وبرنامج معلوماتي متقدم وفي ما يتعلق بقيمه الجهد المنزلي فان سهوله الاتصال وتعميمه جديران بتأثير على اعاده تقيمه اقتصاديا بشكل جدي فقد زاد عدد الرجال العاملين في المنزل وزاد عدد النساء العاملات دون ان يغادرن منازلهن وتعددت الخيارات المكانية والزمانية في العمل وتقلصت المسافات بين البيت والمكتب وفي الحالة الاجتماعية الجديدة من الحضور الكلي يمحو هذا الابداع الذي تسمح به الثورة المعلوماتية الفواصل بين الرجال والنساء وبين المكتب والبيت وبين العمال التقليديين وطبقه الرفاهية التي ادخلها عالم الاجتماع تورستين فيبلن كمفهوم جديد لدراسة المجتمع في نهاية القرن التاسع عشر .
اما الاقليات وهي الشريحة الاجتماعية الثانية المحرومة تقليديا فقد حددت هوامش شهير للمحكمة العليا منذ نصف قرن بانها مميزه ومعزولة فاذا تم التواصل بين قسم كبير من هذه الأقلية وباقي المجتمع الالكتروني فان هذه الأقلية تصبح اذا ذاك اقل تميزا وانعزال ولم يكن الانترنيت اول المطاف في كسر عزله الاقليات واخر لكن يساعد بشكل فعال ومشوق لان الشبكة لا تميز بين العنصر او اللون والاعتقاد والحضور الكلي يساعد على اخراج وسط المدينة المعزولة الاقليات عن عزلته ويجعل اقل تهميشا في الاقتصاد الامريكي اما المسنون او العمر الثالث فقد استفادوا كثيرا من التقديم التقني الى درجه ان تسميتهم بالعمر الاخير لم تعد ملائمه فباطلته معد العيش المرتقب في حياة الانسان نحو العشرين عام فرض تمييز جديد بين العمر الثالث والرابع وهي الشريحة الاجتماعية الجديدة التي يطالها التهميش والعزلة في الظاهرة اللافتة التي سماها بيل كلينتون انفجار الشيخوخة واذا كانت مشكلات العمر الرابع هيه على العموم ذاتها التي كانت ترتبط بالعمر الثالث من عدم استقرار وهن جسدي ومرض معيق وتعويض مادي غير كافي وعزله اجتماعيه .
فان المشكلات التي تجابه قطاعات واسعة من الناس الذين ما يزالون قادرون على عطاء اقتصادي كبير في عمرهم الثالث لا تقل شأنا وعلى المجتمع ان يسمح لمن شاء من المعمرين ان يتقاعد بعد العمل الطويل وان يعيش سنواته الأخيرة بكرامة وطمأنينة لكن المجتمع يحتاج ايضا الى ابتكار مفهوم للعمل اكثر لينا مما .
يخاطب الشيخوخة في اميركا على المستوى الذي يفرضه امتداد انتاج الثورة وتوزيعها على جيل اضافي هذا يعني جهدا استراتيجيا يستفيد من الحضور الكلي في العهد المعلوماتي يجنب من يشاء من المتقدمين في السن التقاعدي الاجباري المطلق ويسمح له بالعمل متى شاء وبالنمط الذي يناسبه .
اما العاطلون عن العمل فهم الشريحة الاجتماعية التي الحقت بها الثورة المعلوماتية اكبر الاضرار والتغيرات العلمية والتكنلوجية غالبا مايشكل السبب المباشر لتسريحهم من ناصبهم واعمالهم لكن الصورة معقدة واميركا مدينه في ازدهار لا مثيل له على مدى خمسين عاما للفرص الجدية التي خلقتها الثورة المعلومات هذا لا ينفي حقيقة البطالة الناتجة عن الاندماجات العملاقة في الشركات المعلومات والاتصالات والشبكات الأثيرية وكلها مقدم على الخفض من اليد العاملة ، بما لا يسمح بالركون فقط الى فرض المستحدثة في العهد المعلوماتي لمعالجه العزلة التي تعنيها البطالة .