لوكية أشباه المسؤولين

بالرغم من تطرقي لظاهرة الدمار الشامل هذه (اللواكة) غير مرة عبر الكتابة أو اللقاءات، إلا أن إصرار أولئك المنتسبين لهذه الشريحة الاجتماعية البائسة، على مواصلة نهجهم وسلوكهم المنحط والمعيب هذا، لا سيما من قبل بعض المتسللين لمجال الإعلام (ذلك الحقل الذي انتزع بقيمه ومثابرة وإيثار رعيله الأول وفرسانه الحقيقيين؛ لقب صاحبة الجلالة) يجبرني على العودة مراراً وتكراراً لهذا الموضوع ولهذه الانتهاكات المخزية لعقل وضمير الإنسان وذائقته السليمة. يتوهم “اللوكي” غالباً بأن نشاطاته هذه (عندما يتقمص الدور بعشق وشغف) بمقدورها المرور على القرّاء والمتابعين، بوصفها مواقف مهنية وحيادية، وتأتي كدفاع عن “المسؤول الذي يتعرض لحملات ظالمة”، متناسياً حقيقة أنه يكتب كل ذلك، عن مديره ومسؤوله في الوظيفة، وهو موقف لا يحسد عليه، ولا ينهض به إلا من وهبته الأقدار ميزة التزلف والتملق لرب نعمته وموقعه الذي يعرف أنه لا يستحقه بوجود المعايير التي أكرمت سلالات بني آدم (الشخص المناسب في المكان المناسب). ومن سوء حظ القافلة الجديدة من الكتابات “اللوكية” عبر وسائل الإعلام المختلفة (التقليدية منها والحديثة) أن أكون شخصياً على معرفة جيدة بـ “أشباه المسؤولين” الذين تمحورت حولهم تلك الفزعات والحملات الترويجية البائسة، فهم على قدر كبير من ضحالة السيرة والخصال الذاتية والمواهب والإمكانات في المجال الذي تسللوا اليه، كمناصب حكومية عليا أو زعامات نقابية أو مهنية وسياسية، ولم يصلوا اليها لولا الصدف والمناخات الشاذة المهيمنة على المشهد العام في هذا الوطن المنكوب بمثلث الشر (المنقرضات والقوارض وما حولهما من جموع اللوكية).
كما ان انتشار مثل هذه الظواهر وديمومتها، كما يعرف المتابعون والمهتمون بهذا الحقل؛ لم يكن بمعزل عن دعم واهتمام ذلك الطفح من النكرات التي تسللت للمواقع الحساسة، لأن المسؤول الحقيقي الذي يقرن القول بالفعل والكفاءة وروح الإيثار؛ لا يمكن أن يسمح بذلك في المؤسسة أو الشبكة أو الهيئة أو النقابة أو التنظيم الذي يديره، لما يختزنه ذلك السلوك من قيم متنافرة والمعايير السليمة للنشاطات البشرية بكل تجلياتها وأشكالها. بكل تأكيد ما كان بمقدورهم (اللوكية) مواصلة سلوكهم المرضي هذا، لولا الشروط والمناخات التي يعيشها البلد في مرحلته الانتقالية (حيث النظام المباد ولى والجديد لم يولد بعد) عندها تطفح ظواهر وأعراض غاية في الغرابة كما أشار غرامشي. ومما يزيد الطين بلة، اننا ورثنا من النظام المباد كم هائل من هذه المواهب والتخصصات المعطوبة والمشوهة، وقد التفتت اليها مبكراً حيتان الكتل والجماعات التي تلقفت الغنيمة الأزلية بعد ان استأصل لهم المشرط الخارجي قراصنتها السابقين.
ومن خلال رصدي لبعض من تلك الكتابات المخزية، وجدت ان كتابها يتسترون بأسماء وهمية لا وجود لها سوى في تلك الكتابات المتخصصة في الترويج لذلك “المسؤول” وعبقريته الفذة في فن الإدارة، وسيرته الذاتية الخارقة وعنفوانه، وغير ذلك من المؤهلات والقدرات التي لم نشاهد شيئاً منها على صعيد الواقع وحسب، بل شاهدنا وتلمسنا كما هو حال كل من يملك عقلا ووجداناً في هذا الظرف الشائك والعصيب؛ ان الفشل والعجز والضياع هو ما يحصل في مؤسساتهم المنكوبة بهم وبمستشاريهم من “الحبربش” وما يتجحفل معهم من طائفة “على دك الطبل خفن يرجليه” ليستمر الاستنزاف والهدر في الطاقات والثروات والفرص والوقت والإمكانات لأجل لا يعلمه حتى الراسخون في علوم مسخ البشر..!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة