استهانة والتفاف !

الاحتجاج والتظاهر السلمي والاعتصام والاضراب والعصيان المدني من مظاهر الحرية التي تكفلت بها الدساتير في البلدان التي تؤمن بالديمقراطية وتمارس التعددية في فعالياتها السياسية وتحرص على شيوع الحريات العامة فيها وكان من المأمول ان تكون تجربة العراق في هذا الميدان تجربة ثرة بين دول المنطقة مع الانتقال من النظام الديكتاتوري الشمولي الى النظام الديمقراطي التعددي الا ان الفشل الكبير في الاداء السياسي الذي اضطلعت به الاحزاب المشاركة في العملية السياسية وانحرافها عن مبادئ العمل الديمقراطي واخلالها بروح الديمقراطية وجوهرها قاد البلاد الى ميادين اخرى تعرض فيها الشعب العراقي الى اشكال مختلفة من الانتهاكات والظلم وفقد فيها ابسط مقومات العيش الكريم وتم تضييع حقوقه في المشاركة واستثمار الفرص وفي البلدان المتقدمة التي تؤمن بشكل حقيقي بالتداول السلمي للسلطة وتحترم وتقدر الرأي والراي الاخر تشكل التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات فرصة لحكوماتها للمراجعة وتقييم الاداء ومعالجة الاخفاقات وتحديد معالم الفشل ومراجعة السياسات العامة ولطالما استجاب زعماء وقادة ورؤساء ووزراء يولون هذا الحراك الجماهيري الاهتمام والتقدير لمطالب شعوبهم وقدم العديد منهم استقالاتهم.. ويحفل التاريخ السياسي للدول بمثل هذه الحالات فيما عمدت حكومات اخرى الى اقالة وزرائها او تبديل قوانينها اتساقا مع مظاهر الاحتجاج والرفض وفي كل الاحوال فان التظاهرات والاحتجاجات بشتى اشكالها وانواعها تمثل قوة للنظام السياسي ورصدا حقيقيا لمظاهر الفساد والاخلال بالقوانين وهي في مظاهرها العفوية والمستقلة تمثل معارضة شعبية واضحة غير مبطنة بغطاء حزبي او مدفوعة بعامل خارجي ..ومايجري في العراق منذ سنوات هو حراك جماهيري رافض لهذا المسار الطويل من الاخفاقات والانتهاكات ومن المحزن والمؤسف ان لاتتماهى السلطة السياسية في الحكومة ومجلس النواب مع هذا الحراك الجماهيري وتتعمد الاستهانة به او تمارس الالتفاف والمراوغة تجاه حزمة المطالب التي رفعها المتظاهرون في شتى المدن العراقية اوتتهمهم اتهامات باطلة وقد خفي على المتنفذين في هذه السلطة خطورة هذا التعامل مع حركة الاحتجاجات وفي الوقت الذي تنبهت فيه المرجعية الدينية الى هذا التغافل والالتفاف من قبل مسؤولين بشتى عناوينهم ووزاراتهم ومؤسساتهم فان الدعوة الى تصعيد الاحتجاج السلمي في الايام المقبلة الذي دعت له المرجعية ذاتها وتعمل الان الهيئات التنسيقية للتظاهرات في المحافظات على تفعيله سيكسب مظاهر الاحتجاج والتظاهر قوة دافعة قد تطيح برموز سياسية كان لها الدور الاكبر في تكريس الفشل والاخفاق في ملف الخدمات وفي شيوع مظاهر الفساد في العراق وحينها سيدرك من استهان والتف على المطالب المشروعة فداحة العمل الذي تعامل به وقباحة السلوك الذي مارسه بحق المظلومين من ابناء الشعب العراقي.
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة