الاعتراف بالخطأ فضيلة وشجاعة

أحلام يوسف
كل الأديان والمجتمعات لديها ثوابت أخلاقية، ترفض الكذب، والنفاق، والجريمة بكل أنواعها، ومن ضمنها جريمة السرقة، فالسرقة ليست حاجة بقدر ما هي استخفاف بالقوانين الإلهية والوضعية، فليس كل جائع سارق وليس كل شبعان نزيه.
قبل مدة عرض في احدى القنوات الفضائية برنامج يحاكي برنامج الكاميرا الخفية، حيث يعرض المشهد أحدهم وهو يحمل جهازا كهربائيا ويعرضه لاحد المارة للبيع، ويخبره بسرقته ورغبته بأن يبيعه بأي ثمن يعرضه عليه الزبون “عابر السبيل” فكان ان نهره البعض عن فعلته ورفضوا شراءه، لكن هناك من فرح بالعرض السخي.
المشكلة ان من قَبَل بالعرض، برّر موقفه بحجة الفقر والعوز والحاجة، برغم انه تلفاز، أي لا تتوقف عليه حياة الاسرة.
ونطرح سؤالا، في حال أقدم أحدهم على عرض بضاعة بسعر بخس الى حد لا يصدق، ثم تكتشف انه قام بسرقتها من أحدهم، فهل ستقبل شراءها، وهل ستمتلك الشجاعة للاعتراف بانك تعلم بسرقتها، لكنك مع ذلك أقدمت على اقتنائها؟ هل ستعترف بخطأ قرار القبول، ام ستكابر وتبحث عن حجج لقبوله بالخطأ؟
أحد المارة كان يبحث عن غرض معين وهو ينقل نظراته هنا وهناك بزوايا أحد المحال، فسألناه عما يبحث عنه فقال انه يريد شراء “لابتوب” وقال: الأسعار باهظة، لذا فانا ابحث عن لابتوب سعره معقول. فسألته: في حال جاء أحدهم الان وعرض عليك لابتوب بسعر 100 الف دينار، وهذا سعر غير معقول طبعا هل ستشتريه؟ فقال بالتأكيد، لكن قبلها سأتحرى عن سبب بيعه بهذا السعر لأنه قد يكون عاطلا. فقلت وان كان جيدا جدا من حيث النوعية والجودة لكنه قام بسرقته هل ستقبل؟ فقال:
نعم سأقبل، فلم اقم انا بسرقته، إضافة الى ان التجار فيهم لصوص كثر، فهم يبحثون عن ربح اضعاف الاسعار التي يشترون بها بضاعتهم، اليس هذه سرقة أيضا؟ فاللصوصية لها أوجه عدة، وانا بالنسبة الي اعمل بأجرة يومية، لكن اولادي يحتاجون وسائل التكنلوجيا في دراستهم ماذا يمكن ان افعل؟
على العكس تماما كان رد سرمد داوود الذي قال: مستحيل.. لأني تعلمت امرا، ان الخطأ يولد خطأ، وانا احتراما لنفسي أحاول قدر استطاعتي الابتعاد عن الخطأ كي لا اندم، او اشعر بذنب، فلو اشتريت بضاعة مسروقة واعلم بسرقتها فقد شاركت انا أيضا بالسرقة، وهذا شيء تعلمته من عمي ، برغم انه رجل غير متدين بالمعنى العام، لكنه علمني ان الفعل الخطأ لا ينتج الا خطأ، فلا يمكن ان ابرر جريمتي ضد أحدهم بحجة انه ارتكب الجرم نفسه بحقي، لأني سأعرف ساعتها اني لا اختلف عنه، وعلي الاعتراف في حال أخطأت بتصرف معين لان اعترافي بداية اعتذار، وتصحيح للخطأ.
هناك من يريد ان يبرر الخطأ الذي يمكن ان يرتكبه، مع علمه بقرارة نفسه انه قام بفعل شر، لكنه يحاول ان يجد وسيلة يريح بها ضميره، وتلك أولى الخطوات نحو الشر المطلق، يقول حسن الجبوري باحث بعلم الاجتماع: اكبر مشكلاتنا هي التبرير، فانا اما ان افعل الصح وبالتالي لست محتاجا الى التبرير والبحث عن سبب، لان الفعل الصح هو القاعدة التي اوصانا باتباعها الرب والمجتمع، اما عندما ابحث عن تبرير، فذلك يعني شيئا واحدا، اني اعلم بان ما أقدمت عليه خطأ، فأي فعل خطأ ان لم تعترفي به وتعتذري عنه، لا يمكن ان تصححيه مستقبلا فانت مسبقا اوجدت لنفسك العذر.
الاعتراف بالخطأ فضيلة وشجاعة، لا يمتلكها الجميع، لذلك فمن يريد ان يعيش حياته هانئا راضيا مرضيا، عليه ان يتعلم الشجاعة للاعتراف بالخطأ في حال اقدامه عليه، فارتكاب الخطأ ليس نهاية العالم، ولا يعني اننا اشرار، بل اننا بشر اعتياديون نكبو لسبب او لآخر، المهم اننا في النهاية ننهض، وننفض غبار الشر من على ارواحنا، لنقبل مرة أخرى على الحياة.
الضمير أعظم صاحب يمكنه ان يقوّمنا، ويدلنا على الطريق الصح، فلابد ان نحافظ عليه متيقظا. فان وجدت الخطأ لا تساعد على استفحاله، بل حاول قدر استطاعتك الحد منه في الأقل من خلال رفضك الاسهام به.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة