نديم جرجوره
في كتابه الأخير، «القاموس النقدي للمخرجين» ـ وهو جزء ثان من سلسلة «السينما والمجتمع في العالم العربي»، («مركز دراسات الوحدة العربية»، بيروت، الطبعة الأولى، 2018) ـ يطرح الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس (1946) مسألة أساسية، تتمثّل بأولوية المخرج في صناعة الفيلم. المسـألة متأتية من مقولة للسينمائي الأميركي فرانك كابرا (1897 ــ 1991)، يجعلها عنوانًا لمذكّراته: «الاسم فوق العنوان» (1985). الكتاب الأميركي أشبه بسيرة. الناقد اللبناني يختار منه ما يُمكّنه من قراءة سِيَر مخرجات ومخرجين عرب (174 سينمائيًا عربيًا)، تعرفهم السينما العربية في مراحل مختلفة، ودول عديدة.
في المقدّمة، يصف السينمائي الأميركي جون فورد (1894 ـ 1973) الكتاب بما يلي: «إنه يُتيح لغريبٍ عن السينما أن يتثقف في صناعة فيلم، ويلمّ بأساليب الإعداد واختيار الممثلين وكتابة النص وتصوير القصة، ويحيط بما يجري في مواقع التمثيل، تلك المملكة الديمقراطية الصغيرة، التي يهيمن فيها المخرج صاحب الجبروت الذي يؤمن بمدرسة «رجل واحد لفيلم واحد». إنّ له حقًّا في اعتبار هذا كلّه «حياة استثنائية»، لا تشبه أية حياة أخرى». هذا إنصافٌ للمخرج ولموقعه. هذا إنصافٌ لكلّ مخرج يتمتّع بالمميزات تلك، التي تصنع معنى السينما وجوهرها الإبداعي.
إذًا، يجعل إبراهيم العريس العنوان الأميركي مدخلاً إلى تأكيد فكرة، تتحوّل إلى مشروع سينمائي له: «المخرج صانع سينما». كأنه بذلك يُعيد للمخرج موقعه الأساسي، نازعًا عن «النجم» ـ في الوقت نفسه ـ «مكانةً» لن تكون له أساسية. في كتابه هذا، يُحلِّل العريس أعمال المخرج ومساراته المختلفة في السينما والنتاج والأفكار، جامعًا بين ماضٍ وحاضرٍ، ومُبيِّنًا ـ ولو ضمنيًا ـ فوارق في الأزمنة والتأمّلات والمعالجات والهواجس، ولن تكون الفوارق كلّها سلبية.
هذا ليس تفصيلاً. الصراع غير معقود على مناصب أو أولويات. الاستديوهات الهوليوودية الكبيرة متحكّمة بكلّ مشروع تُنتِجه، على حساب المخرجين غالبًا (أحقية الاستديو بالـ»فاينل كات»)، قبل انقلاب «هوليوود الجديدة» عليها، في سبعينيات القرن الـ20. في مصر، يحتل المخرجون واجهة المشهد بالتأكيد، رغم أن لنظام النجم حضورًا قديمًا، يبقى ـ رغم كلّ شيء ـ أخفّ سطوة وحدّة وتعقيدًا من مراحل لاحقة. مع بزوغ فجر الكوميديين الجدد مثلاً، مطلع التسعينيات المنصرمة، أو ربما قبل ذلك بقليل، يُصبح «النجم» المصري أسطع وجودًا. يتحكّم بإنتاج المشروع، ويفرض شروطًا، ويتقدّم على المنتج والمخرج أحيانًا، ويصطدم بـ»نجوم» آخرين غالبًا. لغاية الآن، يستمر نقاد وصحافيون سينمائيون مصريون في وضع أسماء النجوم قبل أسماء المخرجين.
إنها معضلة تعكس شيئًا من ارتباك العلاقات القائمة في وعي جماعي، وداخل بنية العلاقة القائمة بين السينما والصحافة، وفي آلية تفكير الصحافة إزاء السينما.