لاتبدو قضية النازحين في العراق بمعزل عن معاناة العراقيين في ظل تداعيات الملف الامني ومسلسل الارهاب الدامي الذي دفع الالاف منهم الى الهجرة خارج الوطن او النزوح الى مدن ومناطق اكثر امناً …!! ولكن ماحصل في الشهور الاخيرة ومااقدم عليه تنظيم داعش الارهابي تجاه المجموعات والاقليات العراقية خاصة المسيحين واليزيدين والشبك والتركمان دق ناقوس الخطر وكشف بما لايقبل الشك بأن مخططاً مريضاً يستهدف نسيج المجتمع العراقي يجري تنفيذه بمساعدة ودعم جهات في الداخل والخارج الهدف منه افراغ العراق من مكونات اصيلة عبر عمليات التهجير ومن ثم محاولة فرض امر واقع لهذا التهجير ودفع الحكومة العراقية على تقبل نزوح هذه المكونات وتوطينها في المناطق التي نزحت اليها او دفع الاقليات نفسها الى الهجرة خارج العراق وقطع خيوط الامل بالعودة الى اماكنها الاصلية ..ومن هنا لربما لم يستوعب الكثير من المسؤولين في مفاصل الدولة العراقية ابعاد هذه الجريمة حيث انشغلت الوزارات والمؤسسات العراقية بتقديم الدعم والمساعدة لهؤلاء النازحين مع انشغال الهرم الحكومي المتمثل بالرئاسات الثلاث بالصراع السياسي حول تشكيل الحكومة واستمرار الخلافات بين الكتل والاحزاب في قضايا بعيدة عن قضية نزوح ملايين العراقيين عن مدنهم وقراهم وهجرة بعضهم إلى خارج العراق ولربما تنبهت جيداً دول أوروبية وعربية لهذا المخطط واهتمت بهذه القضية الوجودية والانسانية اكثر من اهتمام الحكومة العراقية واندفعت باتجاه التعبير عن تضامنها مع العراقيين في محنتهم وتحذيرهم من استكمال داعش ومن يقف وراءها لتنفيذ هذا المخطط وبالتالي افتقاد العراق معالم سكانية قومية ودينية لطالما شكلت عبر الاف السنين صورة العراق الماثلة في اذهان شعوب العالم بكونه مهبط الديانات المختلفة ووطن العرب والكرد والتركمان والصابئة والايزيديين وقد عبر وزير خارجية لبنان قبل يومين خلال زيارته لبغداد عن هذا التضامن مثلما حذر العراقيين من مخاطر هذا التهجير وهذا النزوح..ويمكن القول ان الاخطر من نزوح العراقيين هو تقاعس الحكومة العراقية ومؤسساتها من اختصار معاناتهم والاكتفاء بتقديم المعونة لهم وعدم وضع الخطط السريعة الكفيلة بانهاء معاناتهم وبث الامل في نفوسهم والعمل على اعادتهم الى ديارهم من خلال استرجاع المحافظات والمدن التي استولت عليها داعش حتى لو تطلب الامر الاستعانة بقوات دولية لتحقيق هذا الهدف ويمكن استثمار الضربات الجوية الاميركية والتعاطف الدولي واعلان استعداد الدول الاوروبية لتقديم الدعم للحكومة العراقية في مواجهة هذا الخطر الارهابي وتوظيفه لتحرير الموصل وصلاح الدين واعادة النازحين العراقيين الى منازلهم وان أي تأخير في هذا الملف سينعكس سلباً على اوضاع النازحين وعلى قدرة الحكومة العراقية والمحافظات التي لجأ اليها النازحون ومضاعفة النتائج الامنية والاقتصادية والنفسية لهذا النزوح ونحن هنا لانرى صورة هذا المشهد الحزين الذي تطالعنا كل يوم مشاهده عبر الفضائيات على انه نزوح افراد او اقليات بل نراه نزوح وطن بأكمله لان الكل لايكتمل الا باجزائه ومن نزحوا في العراق هم اجزاء العراق بشتى دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم !.
د.علي شمخي