علوان السلمان
الرؤية الابداعية..وليدة محصلة قوى المنتج(الشاعر) الذاتية والموضوعية ومكتسباته المعرفية التي تحقق الابداع من خلال التساؤل والتعبير والتصوير الذي يؤسس لفضاءات عوالمه الحالمة..المتناغمة الرؤى..المتفاعلة والانسان المكتظة بالحيوية والدينامية التي لا تقوم الا على اساس ممكن التواصل الذي تحدده اللغة حرفيا او اشاريا او لونيا..وهذا ما نكتشفه باستقراء وتحليل مكونات المجموعة الشعرية(تراتيل لاقاصي الجمر) التي نسجت عوالمها النصية انامل منتجها خضر خميس واسهمت دار الشباب في نشرها وانتشارها/2017..كونها توظف الفعل الاستعاري الذي يشكل التفاتة جمالية واسهامة محققة لرؤية فنية محركة للخزانة الفكرية للمستهلك(القاريء) بنصوصها التي اعتمدت عمود الشعر والتفعيلة مبنى ومعنى وهي تنسج فضاءاتها بوعي شعري يكشف عن اتحاد وتصارع ثنائية الذات والموضوع ابتداء من العتبة العنوانية والنص الموازي الاهداء..
وطني تراتيل ومصباح الرؤى
للضوء مفتتح السنا قنديله
هو كربلاء الجرح صوت نهاره
اعلان بوح والمدى اكليله
هو قوس احلام وسر قصيدة
وبيان حرف والشموس دليله
فالشاعر يقدم بوحا وجدانيا تجلت عوالمه برومانسية شفيفة بتوظيفة عوالم الطبيعة وعلاقاتها الدلالية باشارات موحية..كون (الاشارة واللغة شريكان)على حد تعبير الجاحظ..مع اكتناز برمزية منطلقة من مرجعيات فكرية وثقافية اسهمت في اتساع عوالمه وصوره المقترنة بجمله الشعرية الفاعلة في السياق النصي ..الموجهة الدلالة.. وفق دوافع نفسية تفاعلت عناصرها الفنية والتجربة الذاتية للتعبير عن الحالة النفسية والذهنية..
هنا..لك في صبح الفراتين موعد
وكم كنت دهرا في رباه
تغرد
هنا..لك طيف شق غيهب ليلِه
الى ان زها فجرا وقد راح
ينشد
هنا..لك في كل المحطات شاهد
اطل حديثا..والمحطات
تشهد
وكنت اذبت الفكر روحا ومنهجا
وحتى لمن قد كان بالفكر
يجحد
تحدرت من شم المحافل
بارقا
وقيل هنا مجد الغري
سيولد /ص51 ـ ص52
فالنص يتفرد بايحاء تصويري يشد المخيلة بصوره المشهدية ذات التعابير المكتنزة بنسجها الجمالي وتفعيلاتها المتناثرة.. المشبعة بموسيقاها المنبثقة من بين ثنايا الفاظها الموحية…مع عمق دلالي يكشف عن مكنونات الذات المولعة بالاشارات الجمالية وهو يسبح ما بين عالمين شعريين متداخلين(الحسي والوجداني)مع تجاوز حدود الزمان والمكان باعتماد اللحظة الشعرية المتوهجة التي هي(مغامرة الشاعر الظرفية في اللحظة الممتلكة لاتقادها الوجداني..)..فضلا عن انه معبأ بتسابيح الذات وانثيالات تكشف عن دلالته عبر مجموعة من الدوال المتلاحقة ابتداء من العنوان الايقونة الدالة والمفتاح التأويلي لفك مغاليق الخطاب الشعري..كونه دلالة اشارية منتزعة من بين العنوانات النصية تم اختياره وفق ارتباط الذات وتوجهاتها صوب الآخر كي يحقق البعد الوجداني والفكري من خلال اشاراته الى حمولة نفسية من جهة ومن جهة اخرى اتخاذه من المكان الحاضن للفعل الشعري حيزا فاعلا بتداخله والبعد النفسي..فضلا عن اعتماده ثنائية التضاد لتعميق التناغم في ايقاع الصور والافكار..
سلام
على هالة اشرقت
وقيل لها انت..انت
العلى
تدور على افق حالم
وتنثر فوق العراق
الندى
سلام
على لغة الحالمين
على شجر القول
حين انبرى
سلام
على الشعرتاجا يلوح
ويلعن تاجا لمن
قد هوى سلام عليه
بحجم الظلام وحجم الدموع
وسخط الورى / ص91 ـ ص92
فالشاعر يبوح بوحا اقرب الى حوار الذات ويستنطق المكان بصفته دالا اشاريا متشعبا باحداثه التي شكلت بؤرة مركزية تجتمع فيها خيوط النص المؤنسن للجمادات فيمنح نسجه تماسكا ووحدة موضوعية عبر سرد شعري للمواقف المتوالدة من تفجير الفعل المخاطب ..فضلا عن ان النص يتميز بنرجسية وسمته بنسيج رومانسي في اللفظ والصورة..اضافة الى تميزه بتراكم الصفات التي اسهمت في الكشف عن توتر نفسي عبر مغامرة تكمن في التجاوز واستنطاق القيم بنثر تفعيلات البيت الشعري الواحد لتحقيق عنصر الادهاش..فضلا عن انه يتاثث من تلاحق الصور القابضة على لحظة الانفعال مما يمكنه الانفتاح على تقنيات السرد الشعري البصري (المشهدي)مع اعتماد تكنيكات فنية واسلوبية كالتكرار الدائري الذي شكل لازمة اضفت على النص موسقة منسابة بهدوء بما يحمله من طاقة ايقاعية..
سوق الشيوخ
وايَّ دالية اليها قد وصلتِ
قدر(ابو معيشيِّ)
يولد من جديد اذ سطعتِ
هيهات…
من يرقى سموكِ
يا نشيدا اذ عدوتِ /ص26
فالنص يتخذ من المكان وجودا مؤنسنا فاعلا بتداخله والبعد النفسي للذات المنتجة..مع حضور الصوت الآخر داخل الفضاء النصي ومنحه قدرة التحرك على مساحة واسعة اسهمت في تصعيد الحدث من خلال البحث داخل الاشياء وموجوداتها كي يحقق الانفلات بتوظيف اللفظة الرامزة..المحركة للخزانة الفكرية(ابو معيشي..الذي يعد من رواد شعراء الابوذية في سوق الشيوخ نظما وسجالا..)..وله:
عدهـه جعود فــوك المتن منساف
بخدر وصعد عليهن ساف منساف
لها يمة محمد عين منساف
لها نحـر يوســدني المنـية
فالنص يتميز بايحاء تصويري يشد المخيلة بصوره الشعرية التي هي وسيلة الشاعر لانجاز وظائف نفسية وتأثيرية..كونها فعالية تقوم على المجاز والاستعارة والتشبيه فتكشف عن عمق تعبيري صانع لجمالية النص الشعري..
وبذلك قدم الشاعر تجربة شعرية مشحونة بحوار داخلي وتداع واستذكار..مع اعتماد ثنائية التضاد لتعميق التناغم في ايقاع الصور والافكار..