من أجل ضمان الأمن المالي

إبان عملي في التلفزيون، ورغم متاعبه، لم أكن أفكر في التقاعد، ولم يكن بين مفرداتي. وحين دارت الأيام، وزادت المتاعب بما فيها الإدارية والأمنية، كنت أنظر الى التقاعد كفكرة للخلاص، ذلك أن التقاعد في ظل الدكتاتورية لن يمنحني الفرصة للقيام بأشياء جديدة، كما لا يدعني أعيش حياة حالمة كأن أتناول كوب القهوة كل مساء في حديقة منزلي وأنا أتابع قرص الشمس الأحمر وهو يختفي في الأفق البعيد.
وللمفارقة، لم أتقاعد برغبة مني بل أجبرت على التقاعد، وبدلاً من تقديم طلب التقاعد بنفسي للتخلص من متاعبي أحالوني على التقاعد، وتخلصوا مني بطريقة مهينة.
أليس من السخرية أن يُجبر الإنسان على التقاعد وهو في ذروة الشباب والقدرة على العطاء!!
كان الدرس الذي استخلصته آنذاك هو أنه لا توجد في الأنظمة الشمولية قيمة للإنسان بغض النظر عن عمره أو حجم عطائه، ولابد له من المرور عبر دورات ثابتة من الاندماج والتفكك، حيث تتحول الحقوق إلى واجبات، والواجبات إلى طقوس يومية لتقديم فروض الطاعة والولاء.
أما درس اليوم الذي علي استخلاصه فهو أن أستعيد حقي الضائع، واثأر لكرامتي المهدورة، وأن اتقدم بطلب التقاعد طواعية وبملء إرادتي، وهذا ما أقوم به حالياً ليس من أجل الاستمتاع أو الإنفاق على السفر أو بناء بيت الأحلام وإنما لتنظيم وإدارة ما تبقى من سنوات العمر، ولا أدري كيف لم تسترع هذه القضية انتباهي قبل هذا الوقت، وأن أدعها للصدفة!!
إن المرحلة الأخيرة من الحياة حلقة مهمة مثل جميع الحلقات الأخرى في وجودنا القصير، يجب التعامل معها بجدية، فلا يكفي أن تكون على قيد الحياة، وتشعر بالهمة والنشاط، وتخطط للمستقبل، دون أن تضمن أمنك المالي بالتقاعد.
لكل عراقي حق الحصول على هذا الضمان، بل يجب على الحكومة أن تتعهد بالحفاظ على شبكة أمان المواطنين وصيانتها بتوفير معاشات تقاعدية للجميع وليس للموظفين والعمال وحدهم، خصوصاً مع عدم وجود مشاريع لمساكن ميسورة التكلفة، ورعاية صحية لمواطنيها المسنين، كما يجب عليها اتخاذ خطوات سريعة لتقوية وإصلاح نظام الرعاية الاجتماعية حتى يكون المواطن في أمن حقيقي.
لم يشعر العراقيون يوماً بالراحة في حياتهم، ولم يتذوقوا طعم السعادة، ويعيش الملايين منهم تحت خط الفقر، فيما تتمتع شعوب ليس لها ما للعراق من ثروات ومؤهلات طبيعية حياة مضمونة في كل شئ، ولدى مواطنيها كل الفرص للحصول على تعليم جيد، ووظيفة جيدة، وعلى السكن والرعاية الصحية والعطل مدفوعة الأجر. وفي نهاية المطاف: تقاعد لائق.
فريال حسين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة